خدمة التوصيل للمنازل.. راحة للأزواج ودعاية للمحلات التجارية

TT

لم تعد خدمة التوصيل إلى المنازل في المجتمع السعودي ترفاً أو خدمة إضافية يقدمها محل تجاري أو مطعم، بل أصبحت جزءاً أساسياً من الدعاية لأي محل تجاري مهما كان حجمه، تلقته ربات البيوت والنساء السعوديات بشكل خاص بكثير من الارتياح، وتنفسن الصعداء وهن يجدن فيها حلاً لمشكلة تذمر الأزواج من طلبات البيت وإنشغال الأبناء الدائم بدراستهم عندما يتعلق الأمر بجلب غرض للبيت كما تقول السيدة أم أحمد التي تصر على أن لجوء المرأة إلى هذه الطريقة يعكس سعة تدبيرها وحنكتها، بعكس النظرة التي توجه للسيدات المستعينات بها في مجتمعات أخرى حيث تلاحقهن التهمة بالكسل وقلة الخبرة.

وعلى الرغم من التجديد الذي تشهده هذه الخدمة حالياً في ظل لجوء أصحاب المحال التجارية ـ خاصة الصغيرة منها ـ إليها لجذب المستهلك ومنافسة الأسواق التجارية الكبرى التي تبيع بأسعار منخفضة تقارب سعر التكلفة، إلا أن الفكرة نفسها قديمة، فعلى حد قول السيدة فاطمة السيلاني «كانت السيدات في جدة القديمة يلجأن إلى ربط سلة محبوكة من سعف النخل بحبل طويل يتدلى من نافذة المنزل حتى الدكان الصغير الذي يقع تحت المنزل أو قريباً منه، فيأتي البقال ليأخذ ثمن المشتريات ويضعها في السلة»؛ وتتابع السيلاني قائلة «أما المحال التجارية الأكبر فكانت ترسل صبيانها إلى ربة المنزل بالبضائع فتختار منها ما تريد، وقد تدفع في الحال أو تطلب تسجيل الثمن على الحساب».

وأياً يكن فإن الحاجة هي أم الاختراع بحسب ما يقول المثل، وحاجة ربات البيوت الملحة لهذه الخدمة بالذات هي ما جعل بعض التجار والمستثمرين يفتتحون شركات متخصصة لمزاولة مهنة إيصال الطلبات للمنازل بغض النظر عن نوع البضاعة التي ترغب في إيصالها إليك، فلم يعد إيصال الطلبات مقتصراً على المطاعم أو البقالات التجارية.

وترفع هذه الشركات شعارات مثل «على بعد مكالمة هاتفية، أو اتصل نصل» لجذب العملاء، ويكفي أن ترفع سماعة الهاتف ليجيبك الموظف المختص بأخذ الطلبات، وتصدر إليه أوامرك، ويصلك ما تريد في ظرف ساعة من الزمان.

ويشرح عصام السيد مدير إحدى الشركات المتخصصة في توصيل الطلبات للمنازل آلية الخدمة لديهم بقوله «لدينا نظامان للعملاء، الأول نظام الاشتراك، حيث يقوم المشترك بدفع مبلغ 400 ريال سنوياً لنقدم له خدمة التوصيل، وكل ما عليه بعد دفع رسم الاشتراك هو إعطاؤنا الطلب، ودفع 10 ريالات لكل توصيلة، أما النظام الآخر فهو التوصيل بدون الاشتراك ورسمه 20 ريالات عن كل توصيلة»؛ ويضيف السيد «ليس على العميل إلا أن يذكر طلباته والمكان الذي يرغب في أن تجلب منه، ونحن سنجلبها إليه من أي مكان طالما هو داخل مدينة جدة».

وإلى جانب اكتساب العملاء والترويج للمحال التجارية، يجد بعض البائعين في استخدام خدمة التوصيل للمنازل حلاً اقتصادياً قد يجنبهم تكبد مبالغ مالية كانت ستدفع كإيجار لمحل كبير، ورواتب لموظفين وغيرها من الأعباء المالية، فيكتفون بتسويق منتجاتهم وبضائعهم عن طريق الهاتف، وغالباً ما يكون الصوت النسائي هو عنصر الجذب والإقناع في هذه المسألة، وفي حال وجد الزبون ضالته فيما تعرضه المندوبة فإن طلبه سيأتيه إلى منزله، وبهذا يستفيد الطرفان؛ وأكثر أنواع النشاط التجاري التي تستفيد من هذا الأسلوب هي بيع مستحضرات التجميل والعناية بالبشرة.

وبين العميل وصاحب المحل التجاري يقف عامل التوصيل بطلاً بلا منازع في هذه المهنة التي «تتطلب الصبر، والحكمة، والخلق الحسن، بالإضافة إلى معرفة ممتازة بطرق وشوارع المدينة» كما يقول خالد عبد الله الطالب الجامعي الذي دفعه حماسه لبناء ذاته ومستقبله للدخول في هذا المجال الذي ظل مقصوراً على العمالة الأجنبية لفترة طويلة.

ويتابع خالد متحدثاً عن مهنته «كأي مهنة أخرى فإن هذه المهنة لها مصاعبها ومشاكلها، وحتى مواقفها الطريفة، صحيح أنها متعبة، لكنها مسلية بحيث نتعرض لكثير من المواقف المضحكة والمحرجة أحيانا» ويستطرد «أذكر أنني في إحدى المرات أوصلت طلباً لسيدة عجوز، أعطتني مع الحساب روشتة دواء، ولائحة بالطلبات التي تريدها من محل الخضار».

وإذا كان التغيير والتطوير قد طالا فكرة التوصيل إلى المنازل، فإن هيئة عامل التوصيل والطريقة التي يستخدمها لإيصال الطلبات لم تسلم هي الأخرى من التطوير، الأمر الذي يظهر جلياً في الثياب الرسمية التي يرتديها الموظفون في المطاعم والمحال الكبرى، وغالباً ما يستخدم هؤلاء السيارات التي تحمل شعار الشركة لتوصيل الطلبات، بينما تبقى حرية ارتداء الثياب متاحة أمام موظفي المحلات الصغيرة في الحارات، وتتنوع طرق المواصلات لديهم لتشمل الدراجة العادية، والدراجة النارية، وحتى السيارة، وقد يذهب العامل راجلاً لإيصال الطلبات إلى البيوت القريبة.