ثلاث سنوات لإنشاء جسر يربط بين السعودية ومصر

ناجية من «عبارة الموت»: سأنتظر أربع سنوات لتقبل العزاء في زوجي المفقود

TT

كشف المهندس فؤاد عبد العزيز خليل، رئيس هيئة الطرق العربية، أن فشل مدينتي ضباء السعودية وسفاجا المصرية في تحمل واستيعاب آلاف المسافرين عبر البحر، كان الدافع الرئيس في التفكير لإنشاء جسر يربط بين الدولتين خلال ثلاث سنوات، لتيسير حركة النقل.

وقال المهندس خليل إن تفعيل التجارة الحرة بين البلدين يحقق التعاون والتكامل عن طريق فتح سوق عربي مشترك يدعم الاقتصاد العربي، وأضاف «من أهم الأهداف الأساسية التي يحققها المشروع هو توفير الراحة للحجاج والمعتمرين، وذلك عن طريق استخدام وسيلة واحدة في الانتقال بين البلدين تنعش المجال السياحي».

ويتابع المهندس خليل حديثه «كما يساعد بناء هذا الكوبري بربط أكبر قارتين هما آسيا وافريقيا عن طريق جسر مائي بطول 27 مترا، يبدأ بجزيرة تيران في سيناء وينتهي عند الجرف القاري للحدود السعودية على البحر الأحمر».

تجدر الإشارة إلى أن الجسر الجديد يزيد عن جسر الملك فهد الرابط بين السعودية والبحرين بمتر واحد، وكانت السعودية قد أنشأت الجسر الواصل بينها من الناحية الشرقية تحديدا في مدينة الخبر السعودية ودولة البحرين بطول 26 مترا، الأمر الذي أدى إلى سهولة وسرعة الانتقال بين البلدين.

ويشير المهندس خليل إلى أن هناك العديد من شركات المقاولات العالمية أبدت رغبتها في بناء هذا الجسر، ومن بينها الشركة التي أشرفت على إنشاء الجسر الرابط بين فرنسا وانجلترا على بحر المانش. متوقعا أن يسهم الجسر في تحقيق التوطين الذي يقضي على الفراغ البشري لبعض مدن السعودية الجنوبية.

وعن المعوقات التي تقف تجاه تنفيذ هذا المشروع يقول المهندس خليل «هناك اتفاقيات ثنائية بين البلدين تضمنت تنفيذ هذا المشروع، لكن بعض الاضطرابات السياسية في المنطقة قد تعيق تنفيذه».

إلى ذلك ركزت التقارير التي كتبت بعد غرق العبارة المصرية «السلام 98»، على قيمة الخسائر المادية وتحديد المسؤولية وقواعد الأمان المستقبلية التي ستتخذها الموانئ العربية، وغيبت الحديث عن الخسائر النفسية للناجين المنكوبين بعد مرور أسبوعين على وقوع مأساتهم، ورغم ما مرت من تفاصيل مؤلمة على ركاب «تايتنك العربية»، إلا أن الأمل كان يجمعهم بعودة المفقودين من أقاربهم، خاصة للذين لم يلتقوا بهم على ارض اليابسة ولا داخل ثلاجات الموتى.

آلاء عبد اللطيف (22 عاما)، عروس لم تتعد فترة زواجها العشرة أشهر، فقدت زوجها الذي ركب معها في قارب النجاة إلا أن الموج العالي جذبه من المركب، وقذف به إلى المجهول.

تحدثت آلاء إلى «الشرق الأوسط» بصوت يملؤه الألم والأمل في أن تجتمع معه مرة أخرى، وقالت: «بعد اليوم الثاني لوجودنا معا في القارب البلاستيكي مع عدد من الناجين، قذفت به الأمواج بعيدا عنا، وساعد على ذلك الإرهاق الذي كان باديا عليه من شدة البرودة وضعف بنيته الجسدية، ذهب ومعه أحلامي في الاستقرار، خاصة انني لم أجد بارقة أمل في وجوده لا ضمن الأحياء ولا بين الأموات، رغم اتصالاتنا المتواصلة بمصر لمتابعة أحوال الناجين والأموات، وقد طلبوا منا تحليل الحمض النووي لإخوانه لمطابقته مع الجثث».

وأكملت: «حالتي النفسية في أدنى درجاتها، جافاني النوم منذ وقوع الحادث وحتى الساعة، فما أن أضع رأسي على الوسادة، استعيد كل تفاصيل الحادث وما لحق بنا من خوف طوال الرحلة إلى جانب إصابتي بالحساسية الجلدية نتيجة بقائي بالماء فترة طويلة».

وتزيد: «استشرت عددا من المشايخ في وضعي الشرعي، فأنا لا اعلم، هل اعتبر أرملة أم انتظر، ربما يعود، لقد طلبوا منى الانتظار حتى مرور أربع سنوات، لأنه يعتبر في عداد المفقودين، وبعد انتهاء السنوات الأربع يمكن تقبل العزاء فيه، والدخول في مدة الحداد الشرعية».

ويعقب طارق النقادي، الناجي مع أبنائه وزوجته بعد معاناة وسط الأمواج والبحر، ورغم معرفته بالسباحة، إلا أن أبناءه ظلوا بعد فترة النجاة في حالة نفسية سيئة، وكان ملاذهم قراءة القرآن الكريم للهروب من الاكتئاب الذي أصابهم من جراء الصور السيئة المطبوعة في ذاكرتهم عن الحادث والثابتة وترفض أن تنمحي رغم جهود من حولهم في إبعادهم عن الحديث عن التفاصيل.

ويقول: «رغم مصارعة الموت طوال يومين، فقد كان السبب الأساسي في النجاة هو الطمأنينة التي غشتنا بعد أن قذفتنا العبارة في عرض البحر، وتناثرنا، نساؤنا مع رجالنا وسط صيحات الاطفال، وقتها التفت على ولدي (سيف) ونحن ما زلنا بجانب بعضنا قبل أن نتفرق وسط أمواج مرتفعة وقلت له «إلى اللقاء وموعدنا في مدينة (دريم لاند)».

ورغم الإيمان الذي تملكنا لحظتها في أننا لن نبق أحياء، وأن العمر سينتهي في هذه اللحظة، إلا أن ما شاهدناه لا يفارقنا ونعاني منه خلال النوم وفي الصحيان، وما زالت صور من ذهبوا تشكل غصة في حلوقنا، لقد فقدت اثنين من أبناء عمومتي في الكارثة».

منى محمد عبد السلام، زوجة النقادي، ظلت ليومين في عرض البحر رغم أنها لا تجيد السباحة، وأنقذتها سفينة حربية مصرية، تقول «أطفالي نجوا، لكن الصورة لم تفارقهم فقد ظلوا في الماء لأكثر من 20 ساعة، الآن أخاف عليهم من حالة السرحان الدائم».

وضع هلا (12 عاما)، كان مختلفا قليلا عن الباقين، فهي تلعب وتعيش حياتها من دون تفكير حسب ما تقول أختها غير الشقيقة (22 عاما)، رغم أنها فقدت في الرحلة والدتها ووالدها واثنين من أشقائها ولم يظهر لهم اثر.

وترجع أختها السبب في عدم تأثر هلا كباقي المسافرين كونها صغيرة في العمر وأنها تحب والدتي (زوجة أبيها)، وإخوانها لا يتركونها لحظة بمفردها، وهي تنام بشكل عادي وتمارس حياتها اليومية من دون مشاكل رغم يأسها من نجاة والديها ويقينها بأنهما غرقى.

وتقول أختها: «الأمل ما زال يحدونا في أن نجدهم، فربما يكونون مرضى أو في مكان لم يتوصلوا به لهم، أما إن كانوا قد لاقوا حتفهم، فنسأل الله أن يتقبلهم شهداء».