إدارات العلاقات العامة تتحول إلى عائق بيروقراطي أمام الصحافة

TT

إدارة العلاقات العامة أو كما يسميها البعض (إدارة الإعاقات العامة)، أكبر أوجه البيروقراطية التي تواجه الصحافي، ففي حين وضعت هذه الإدارة لتكون واجهة للوزارات أو الإدارات العامة أو الشركات في التواصل مع الإعلام، والرد على أسئلة الصحافيين، إلا أنها تحولت في معظم الأحيان إلى أكبر معيق لعمل يتطلب السرعة المتناهية، إما بتحويل سؤال بسيط حول موضوع ما يريد الصحافي أن يسند به تقريرا أو خبرا لتخرج صحيفته بعمل متميز نوعاً ما، إلى معاملة (وارد وصادر) تستغرق أكثر من شهر، أو بحجب المعلومة عن الصحافي وهي متوفرة لدى مسؤول العلاقات العامة لسبب غير معروف، يضعه الصحافي في خانة أن هذا المسؤول غير متعاون، لذلك تجد الصحافيين يتبادلون أرقام جوالات المسؤولين للذهاب إليهم مباشرة في كل صغيرة وكبيرة متجاوزين إدارات العلاقات العامة.

رئيس تحرير جريدة «اليوم» محمد الوعيل، يرجع سبب تجاوز الصحافيين لمديري العلاقات العامة، إلى أن الصحافي عندما يريد معلومة ولا يجد من يوفرها له بالسرعة التي يتطلبها عمله، أو يريد لقاء مسؤول ما في الإدارة أو الوزارة أو الشركة، ولا يوفر مدير العلاقات العامة له ذلك، سيتجاوزه. ويضيف «لذلك تجد الصحافيين يصلون إلى المسؤول بسهولة أكثر مما لو أرادوا الوصول له عن طريق إدارة العلاقات العامة». ويشير الوعيل إلى نقطة يعاني منها الصحافيون، وهي تحويل أخبارهم الخاصة التي سعوا لها إلى أخبار تعميمية ترسل إلى كل الصحف.

وتابع مدير العلاقات العامة «يفترض أن يكون لديه الحس الصحافي بالقدر الذي يتطلبه عمله، لكي يوجه الإعلام إلى إدارته ليبرز دورها في المجتمع، كما أن هذا الدور الذي يلعبه يوفر له فتح الجسور بين المسؤول والصحافي، وأن يكون عينا صحافية في المكان الذي يعمل فيه، وألا يكون مجرد موظف لا يفقه في الإعلام شيئاً».

مدير العلاقات العامة بإحدى الوزارات عندما يتصل به أحد الصحافيين ويسأله عن قرار أو توجه لدى الوزارة كثر الحديث عنه اخيرا، يشكره على طرح هذه القضية المهمة ـ وكأنه مدير التحرير المسؤول عن هذا الصحافي ـ ويوجه الصحافي بقوله «هذا رقم مكتب وكيل الوزارة الفلاني وهو أفضل من يفيدك في هذه القضية»، وكأن هذا المدير موظف سنترال في الوزارة!.

مدير العلاقات العامة في وزارة العمل حطاب العنزي، يقول «عمل مدير العلاقات العامة خدمة الجهة التي يعمل بها وإبرازها إعلامياً والتعاون مع الصحافيين لكي يبقي على علاقة الود بين الإعلام والإدارة أو الوزارة التي يعمل بها».

ويؤكد العنزي أن سبب حجب معلومة ما، يعود إلى أن هذا الموضوع ليس من اختصاص مدير العلاقات العامة للحديث عنه، إما لأنه لا يملك المعلومات الكافية أو لأن هذا الموضوع تحت الدراسة وليس من المصلحة كشف أي معلومة عنه.

مدير العلاقات العامة بإحدى الجهات الحكومية، طلب رسالة عبر الفاكس حول موضوع اعتداء أفراد أحد الفروع التي تنتمي لإدارته على كاتب سعودي، وعندما عرف الشخص المشتكي بالكاتب والمسرحي اتصل ليسأل لماذا كتبت ذلك وفي نبرة غاضبة قال «هل تهددوننا عندما تكتبون أمام اسمه كاتب ومسرحي؟»، مضى على الموضوع أكثر من شهر وفي كل اتصال يقول المدير قريبا.

الدكتور خالد مرغلاني، المتحدث الرسمي في وزارة الصحة، يقول «العلاقة بين العلاقات العامة والصحافيين حميمة وغير حميمة، ومن مهام مدير العلاقات العامة كسب ود الصحافة».

لكن كما ـ يقول المرغلاني ـ هناك فئة من الصحافيين ـ وهي قلة كما يؤكد ـ تريد عملا سريعا، فهذا الصحافي يتصور أن مدير العلاقات العامة ينتظر اتصال هذا الصحافي لكي يجيبه بما يريد، ويضيف «من المواقف التي نواجهها عندما يتصل أحد الصحافيين (إيش عندكم اليوم؟)، أو (إذا لم تردوا سأنشر الموضوع)، هذا عدا الاتصال في أوقات غير مناسبة مثلاً».

ويشير المرغلاني إلى نقطة مهمة وهي إساءة استخدام المعلومة، حيث يقول «أحياناً اختلاف الثقافات يؤدي إلى إساءة فهم المعلومة، كما أن طريقة تسجيل هذه المعلومة ووضعها في سياق ما، قد تسبب إساءة لجهة ما مع قناعتي التامة أنه لا يوجد صحافي سيقول على لسان مدير العلاقات العامة ما لم يقله، لذلك تجدنا في العلاقات العامة نصر على الشيء الموثق بحيث نحاول تدوين المعلومة وإرسالها إلى الصحافي كي يحدد هو ما يريد منها».

الصحافي قصي البدران، مدير مكتب صحيفة «الوطن» في المنطقة الشرقية، يقول «يبدو لي أن مسمى العلاقات العامة اقتصر في الوقت الحالي على توزيع الصحف والمراسم (والتقليط) في وجبات الغداء والعشاء فتحول من مفهوم شامل للعلاقات العامة إلى مجموعة من (المقلطين) في المناسبات».

ويصور البدران المشكلة التي يواجهها الصحافي في القول «كثير من الخبطات الصحافية والمعلومات المهمة تضيع بسبب إرسال فاكس مما يقتل الموضوع وبالتالي تصبح الصحف هي الملامة في الحصول على رد الإدارة أو الوزارة أو في نشر معلومات غير دقيقة».

ويرجع السبب كما يقول البدران إلى أن مفهوم وأسس العلاقات العامة التي تدرس في جامعاتنا تعتمد مناهج وكتبا قديمة تجاوزها الزمن.

ويقول البدران «كثير من الصحافيين تجاوزوا إدارات العلاقات العامة وهم مضطرون إلى ذلك بالرجوع إلى المسؤولين مباشرة في كل قضية، سواء كانت صغيرة أو كبيرة».

ويصور الصحافي أحمد العبكي من الشقيقة «الاقتصادية» عمل الصحافي في ملاحقة إدارات العلاقات العامة للحصول على معلومة ما بالبحث عن ابرة وسط كومة من القش، وسيضيع الصحافي الوقت في التواصل مع مديري العلاقات العامة فيما هم لا يملكون ما يقدمونه للصحافي، ويضيف «ضاع عليّ موضوع مهم كان خبطة صحافية لصحيفتي بسبب انتظار رد مسؤول العلاقات العامة حول موضوع كنت أملك كل المعلومات عنه، فقط كنت أريد تأكيدها من هذه الجهة»، يقول العبكي «استمر هذا المسؤول يسوّف حتى أصدرت احدى الجهات المسؤولة بياناً صحافياً حول الموضوع ليضيع عليّ سبقي الصحافي الذي كنت أسعى له».