«ابقيق النفط» تنفض غبار العملية الإرهابية وتعود لهدوئها

TT

عادت مدينة ابقيق «شرق السعودية» إلى وضعها الطبيعي ـ كمدينة صغيرة متواضعة هادئة لحد النسيان. وسط رمال الصحراء الذهبية الناعمة تحتضن اكبر معمل لتكرير النفط في العالم ـ بعدما تصدرت لأيام أخبار وكالات الأنباء وجميع الوسائل الإعلامية بشتى أنواعها في العالم، اثر إحباط الأجهزة الأمنية السعودية ليلة الجمة 24 فبراير (شباط) الماضي هجومين انتحاريين بسيارتين مفخختين من قبل الفئة الضالة التابعة لتنظيم القاعدة على معمل مدينة ابقيق النفطي، ومقتل اثنين من الإرهابيين واستشهاد 2 من الجنود وإصابة عدد منهم.

ذهبت «الشرق الأوسط» إلى مدينة ابقيق للتعرف عليها عن قرب بعد العملية الإرهابية، فدخلت إليها عبر طريقها الرئيسي الوحيد الذي يخترقها من الشمال إلى الجنوب، حيث تقع عند طرفي الطريق عند مداخل المدينة من الشمال والجنوب نقطة تفتيش أمنية، كانت المدينة الصغيرة الحجم تنعم بالهدوء والاستقرار، وحركة الناس طبيعية تماما، وكأن المدينة لم تتعرض لحادثة هزت العالم.

الأسواق والمحلات التجارية تستقبل زبائنها كالمعتاد، ومستشفى ابقيق العام ـ وهو المستشفى الحكومي الوحيد ـ بدأ باستقبال مراجعيه بشكل طبيعي، بعدما تحول إلى مستشفى طوارئ أثناء العملية الإجرامية.

الشوارع القليلة والقصيرة أخذت تعج بالمركبات التي هي غالبا من نوع الدفع الرباعي الجيب «لاند كروز» التي تحظى بشعبية كبيرة لدى أبناء المحافظة، وحركة الاستنفار الأمني تلاشت بعدما خرجت منها جميع القوات الأمنية بعد اكتمال جميع الإجراءات المتعلقة بحادثة الاعتداء، ومغادرة الإعلاميين والفضوليين.

في البداية تحدث لنا محمد صالح ـ مقيم عربي يعمل في سوبر ماركت ـ حول أصداء حادثة التفجير الفاشل قائلا: لم اعرف انه وقع حادث تفجير في المدينة إلا من خلال الفضائيات و اغلب من يعمل في ابقيق وبالقرب منها لم يشعروا بالتفجير إلا بعد الانتهاء من العملية ونشر الأخبار بالإعلام بان الأجهزة الأمنية تمكنت من القضاء على الفئة الضالة الإجرامية بشكل سريع، وان الأوضاع الأمنية مستتبة. مما أدى إلى عدم الشعور بالخوف واستمرار الحياة الطبيعية في المدينة.

وحول آثار العملية على وضع المدينة قال محمد ناصر ـ موظف في شركة أرامكو النفطية ـ قال: الوضع في الأيام الأولى بعد عملية التفجير الفاشلة كان متوترا، والاستنفار الأمني في المدينة في درجته القصوى، والتفتيش دقيق جدا مما سبب تأخر الموظفين بالوصول إلى مواقع أعمالهم لمدة تزيد عن الساعة، وهذا الأمر يحدث لأول مرة في الشركة المعروف عن موظفيها بالانضباط، وذلك نتيجة الحادث الاجرامي. مضيفا بان الحدث لم يكن طبيعيا ولم يتوقع احد من الموظفين والعاملين في الشركة أن يحدث هذا العمل الذي يعبر عن دقة معرفة الإرهابيين بتفاصيل الأمور الأمنية بالشركة! ويصف محمد شعوره بسماع خبر الاعتداء الإرهابي قائلا: إنها صدمة كبيرة ففي البداية لم اصدق الخبر وتوقعت أنها مجرد شائعة لان الاحتياطيات الأمنية في الشركة قوية جدا، ولان الاعتداء على مثل هذه المواقع ليس في مصلحة أي إنسان تهمه مصلحة البلد، والآثار السلبية للحادث لن تكون مجرد تفجير موقع بل زلزالا مدمرا للمنطقة لا يمكن تقدير حجم الأضرار البشرية والمادية، وكذلك الآثار على الأسواق العالمية.

وقال علي ابراهيم ـ موظف ـ : منذ سماعي للخبر وأنا اتابعه بدقة عبر الفضائيات العربية والعالمية لمعرفة التفاصيل والاطمئنان على الوضع في الموقع الذي اعمل فيه أكثر من 25 عاما، والصدمة الكبرى عندما رأيت حجم آثار السيارتين المفخختين اللتين حاولتا الدخول إذ وجدتها هائلة، والحمد لله أنهما لم تصلا إلى المواقع الحساسة، مثنيا على دور رجال الأمن الايجابي في الدفاع المستميت والتضحية لإنقاذ الوطن والمواطنين والمقيمين من فاجعة. مشيرا إلى أن الحدث الكبير فرض نفسه على ساحة العمل.

ابقيق المدينة الواقعة على الطريق السريع بين مدينة الدمام والهفوف، أوجدتها شركة أرامكو مع بداية اكتشاف النفط في الأربعينات من القرن الماضي، وتكمن أهميتها في وجود اكبر معمل لتكرير النفط في العالم، مركز رئيسي لإدارة الشركة في المنطقة الغنية بالزيت والغاز.

يعود تسمية ابقيق بهذا الاسم لوجود منطقة إلى الشمال منها تسمى بقة، وهي عبارة عن منبع ماء. وقيل إن اسم ابقيق يعود لانتشار حشرة البق في المنطقة.

وتتكون ابقيق من قسمين: ابقيق ارامكو، وتقع في الجهة الشرقية وهو الأساس الذي أسسته شركة أرامكو في الأربعينات، وهو خاص بشركة أرامكو السعودية وهي مدينة متكاملة نموذجية راقية، تحتوي على مساكن خاصة لموظفي الشركة انشيءت عندما قررت شركة أرامكو في بدايتها بناء أربع مدن نموذجية متكاملة في مواقع العمل الرئيسية: الظهران، ورأس تنورة، والعضيلية بالإضافة إلى ابقيق، إذ تحتوي على قسمين رئيسيين: سكن خاص للعوائل (السنير) وهي أشبه ما تكون لأحياء المدن الأميركية الراقية، وقسم خاص بالعزاب، وكل قسم يحتوي على كل المستلزمات الضرورية والترفيهية.

وتقع في ابقيق أرامكو معامل الشركة الضخمة التي تضخ معظم النفط السعودي الذي يقدر بنحو 10 ملايين برميل يوميا إلى ميناء رأس تنورة، ويعمل في معاملها النفطية أكثر من 1200 ما بين موظف وعامل لدى شركة ارامكو السعودية، وما بين 1300 إلى 1700 موظف وعامل تابعين لمقاولين يعملون للشركة، ويوجد على بعد 30 كيلو متراً تقريبا من ابقيق أرامكو من جهة الشرق شاطئ القرية الساحلي المطل على مياه الخليج وهو خاص بموظفي الشركة فقط.

وهناك أبقيق البلد، التي تأسست عندما اتخذ بعض المقاولين العاملين لشركة أرامكو من المساحة خارج أسوار أرامكو السعودية مقرا لمكاتبهم وسكنا لموظفيهم وعامليهم، والتي هي عبارة عن مواقع من الصفيح والخشب، وبعض الخيم للبدو الرحل، ومع مرور الأيام والسنين اخذ الناس بالاستيطان فيها وبناء المنازل الحديثة إلى أن وصلت الآن إلى ما وصلت له. وتوجد في ابقيق دوائر لأغلب الجهات الحكومية ففيها مستشفى واحد يتسع لـ 30 سريرا، وعدد من المدارس التعليمية للبنين والبنات لجميع المراحل، كما توجد بها محطة قطار.

وتمثل ابقيق مركزا مدنيا وتجاريا مهما بالنسبة للقرى والهجر التابعة لها كالدغيمية وعين دار والجوية، وأصول أهل هذه المناطق اغلبهم من قبائل معروفة تسكن في المنطقة منذ زمن طويل: هواجر وعجمان ومرة وخوالد. ويعمل فيها ألآلاف من المواطنين والمقيمين الذين يعملون في الدوائر الحكومية والقطاعات الأهلية والتجارية، وقد قامت بلدية ابقيق بمساعدة من شركة أرامكو بتطوير المنطقة السكنية الحكومية إذ قامت الشركة بإنشاء عدد من المشاريع الخدماتية والجمالية، والأحياء الجديدة النموذجية، التي توزع غالبا على موظفي الشركة، ومعظم سكان مدينة ابقيق حاليا من أصول تعود إلى خارج المنطقة الشرقية.

وتقع مدينة ابقيق في منتصف المسافة الفاصلة بين مدينة الهفوف بالأحساء وحاضرة الدمام وقربها من الموقعين لم يخدمها كثيرا لكي تتطور أكثر مما وصلت إليه كبقية المدن الحديثة التي قامت بعد اكتشاف النفط خلال الخمسين عاما الأخيرة. بالرغم من دورها ومكانتها في صناعة النفط.

ولعل جاذبية كل من الأحساء صاحبة التاريخ العريق ورائحة التراث المتجدد، وجاذبية حاضرة الدمام النموذجية العصرية والحداثة أصابها بالحيرة والجمود أمام قوة القطبين اللذين يتمتعان بعوامل تفتقدها المدينة الوليدة، مما أدى إلى أن تكون تابعة وملتصقة بهما وقابلة بوضعها. ولقد كانت ابقيق ـ التابعة حاليا لحاضرة الدمام مباشرة ـ منذ تأسيسها والى قبل سنوات قليلة تابعة إداريا لمنطقة الأحساء، بالإضافة إلى أن أكثر الموظفين والعاملين في الدوائر الحكومية وشركات النفط والتجار والمتكسبين فيها من أهالي الأحساء وبالتالي فهي تعتمد بشكل كامل تموينيا وإداريا وبشريا على الأحساء، ونتيجة لقرب المسافة بين ابقيق ومدن الأحساء أدى إلى عدم تفكير الأحسائيين العاملين فيها بالاستقرار وجلب عوائلهم. مما ساهم في عدم تنمية ابقيق بالشكل المناسب.

زكي السلمان احد الموظفين القدماء في مدينة ابقيق يتذكر بداية ابقيق قائلا: انها مجرد معامل كبيرة ومدن راقية خاصة بشركة أرامكو. أما ابقيق البلد فهي مجرد بيوت من الخشب والصفيح.

وحول السبب في عدم التفكير بالإقامة فيها قال: لم يفكر أبناء الأحساء بالسكن في ابقيق لأنهم يسكنون في مدن قريبة منها. ولان ابقيق مدينة لا تتمتع بالأمان والأسواق كمدن وقرى الأحساء التي تعتبر في تلك الفترة متقدمة على الكثير من المدن الأخرى على مستوى المملكة وليس ابقيق البلد التي كانت مجرد هجرة تقع بجوار معامل أرامكو.

ولم ترحم حاضرة الشرقية الحديثة (الدمام الخبر والظهران) مدينة ابقيق المنسية وتفكها من عزلتها إذا استطاعت هذه الحاضرة وعبر مدنها المتطورة والنموذجية من جذب كل من يعشق التمدن والحداثة وكل ما هو جديد، من قبل موظفي شركة أرامكو الذين وجدوا في حاضرة الدمام (الدمام والظهران والخبر) الموقع المناسب للاستيطان.

وشهدت مدينة ابقيق في السنوات الخمس الماضية تغيرا وتطورا لافتاً بالنسبة لما كانت عليها ومع ذلك فانها لازالت تعاني من نواقص كثيرة، منها على سبيل المثال عدم وجود إدارة للجوازات أو الأحوال المدنية أو وزارة التجارة أو مصلحة الزكاة.. مما يضطر أهالي المدينة والهجر التابعة لها للذهاب إلى الأحساء أو الدمام لانهاء معاملاتهم، كما أن التوسع العمراني يعتبر بطيئاً وضعيفا بالنسبة لما تشهده المدن الأخرى.

وحركة الاستثمار فيها معدومة إذ إلى الآن لا توجد مجمعات تجارية كبيرة أو مدن ترفيهية. ولعل أحجام عدد كبير بالسكن فيها يعود لتلك النواقص وعوامل أخرى. من تلك العوامل السيئة التي يعاني منها أهالي ابقيق التلوث لوجودها في منطقة صناعية، ووجود مصانع للاسمنت تفرز مواد خطرة على صحة الإنسان وخاصة الأطفال حيث ان عددا كبيرا من أبناء ابقيق والهجر القريبة منها يعانون من أزمات تنفس وحساسية في الصدر والشعب الهوائية.

وأهالي ابقيق من مواطنين ومقيمين يأملون من خلال تذكر الاعلام المحلي لمدينتهم المنسية خلال حادثة التفجير الفاشلة أن تحظى باهتمام إعلامي مميز، وان تجد الاهتمام المناسب من الجهات الحكومية، والاستثمار من قبل رجال الأعمال لتتطور ابقيق إلى مستوى أن يطلق عليها مدينة متكاملة تتمتع بالجاذبية.