الأميرة سارة بنت محمد : الإنسانية أول صفة لراغبي العمل في رعاية الأيتام

مديرة الإشراف الاجتماعي لـ"الشرق الأوسط": نسعى لإيجاد أسرة بديلة لكل طفل وإلا فالدور الاجتماعية هي الحل

TT

أكدت الأميرة سارة بنت محمد بن سعود آل سعود المديرة العامة لمكاتب الإشراف الاجتماعي في المملكة رفضها تحويل رعاية الأيتام إلى وظيفة، تعتاش منها راعية اليتيم، مؤكدة أنها علاقة إنسانية قبل ذلك، ويجب أن تحمل كافة المعاني الإنسانية. وتشدد الأميرة سارة بنت محمد التي تحمل لقب (أم الأيتام) على ايجابيات دمج الأيتام في المجتمع، مستعرضة الايجابيات الكثيرة التي تحققت من وراء هذا الدمج.. منادية بضرورة التوجه نحو ايجاد أسر بديلة أو صديقة للأيتام.

وبدأت علاقة الأميرة سارة بالأيتام وذوي الظروف الخاصة منذ أن التحقت بميدان العمل الاجتماعي بعد حصولها على درجة البكالوريوس في الآداب من جامعة سعود بالرياض عام 1967، واستمرت عطاءاتها الدؤوبة حتى تم تعيينها المديرة العامة لمكاتب الإشراف الاجتماعي بالمملكة عام 1989 وحتى يومنا هذا.. (قلب ورب) عبارتها التي تعتز بها دوما في تعاملها مع أحبابها الأيتام الذين لم تبخل عليهم بنبض دافئ وإحساس صادق وحب جميل، يحسسهم بجمال الحياة وجمال النفس البشرية النقية من شوائب الحياة الرديئة.

في عام 2000 تم تكريمها في المهرجان الخيري الأول لرعاية الأيتام بالرياض كأم للأيتام.. كانت لقاءاتنا بها متناثرة منها ما كان خلال حلقة نقاش ومنها عبر الأحاديث الجانبية فكان هذا الحوار...

> تشارك مجموعة من الفتيات ذوات الظروف الخاصة بالملتقى الصيفي سنويا كيف ترين هذه المعسكرات والملتقيات؟

ـ ماذا لو تخلينا عن مثل هذه المفردات (الظروف الخاصة، مجهولي النسب) واستبدلناها بما هو اقرب إلى نفوسهم وأحبها لقلوبهم فلنقل أبناؤنا وبناتنا.. لا أحبذ المعسكرات الصيفية الجماعية وأفضل الفردية، نرى البنت الموهوبة في مجال الرسم فندعها تتفرغ لموهبتها مع مجموعة الفن التشكيلي.. وبدل أن نردد أمامهم بأننا سنعمل لهم حفلة وحفلا لنستبدلها بما هو دارج في مجتمعنا ولنقل عزومة.

> من وجهة نظرك هل من مواصفات معينة في العاملات في المؤسسات الاجتماعية والدور التربوية مع هذه الفئة؟

ـ العمل مع هذه النفوس البريئة ينبغي ان يكون خالصا لوجهه سبحانه، وليس كل احد يصلح أن يعمل في هذا المجال، إلا من اصطفاه رب العباد وأودع في قلبه الرحمة والعطف والصفاء بعيدا عن هموم الراتب والوظيفة، من العاملات في هذا المجال من تتعامل معهم على أنهم قطعة من جسدها.

> الكثير من الأخصائيات الاجتماعيات يلتحقن بالدورات التدريبية في هذه المجالات وبشكل مكثف ولفترات مطولة كيف ترين الاستفادة من مثل هذه الدورات المكثفة والمطولة؟

ـ لا أحبذ مثل هذه الدورات التي تطول، وأفضل لو كانت دورات متخصصة، وفي وقت موجز 4 أو 5 أيام، تضيف للملتحقة بها المعلومات المهمة التي من الممكن ان تنتفع بها أكثر مما يذكر في المجلدات والكتب.

> سارة بنت محمد بن سعود نجم لامع في سماء العطاء الإنساني والتكافل الاجتماعي ولها باع طويل في هذا المجال هل لك ان تحدثينا عن تجربتك في مجال رعاية الأطفال الأيتام من ذوي الظروف الخاصة بالوزارة؟

ـ لقد حاز الأطفال الأيتام على جل اهتمأمنا، وبدعم من المسؤولين بالوزارة تحقق لنا الكثير مما نأمل لهم، ولكننا نتمنى المزيد لهم بما يكفل توفير الحياة الكريمة. وقد عايشت تطورات العمل في هذه الدور منذ بداياتها وسعيت مع زميلاتي إلى تطويرها حسب ما يصلنا من إمكانات وما نطلع عليه من أمور تناسب هذه الدور.

> تغيير النظام الداخلي داخل دار الحضانة بالرياض في عام 1987 ثم تغيير النظام الداخلي داخل دار الحضانة بالرياض إلى نظام الأسر الصغيرة.. كيف ترين اثر هذا النظام على حياة هؤلاء الأطفال؟

ـ كان لهذا النظام الدور الكبير في المساهمة في تقريب حياتهم إلى الحياة الطبيعية قدر الإمكان، وما تلا ذلك من مجهودات في دار التربية للبنات والبنين، التي نأمل ان تكون الصورة التي نتطلع إليها.

> ألا ترين ان هؤلاء الأطفال بحاجة إلى الدمج مع المجتمع الخارجي ومعايشة الأسر الطبيعية، وان ذلك من شأنه ان يؤثر على طبيعة تكوينهم وفي بناء شخصياتهم بما هو أفضل؟

ـ عندما لاحظنا ذلك مع بقية الزميلات في تلك الدور، بدأنا بإخراجهم في زيارات قصيرة، وبدأتها بنفسي، للتأكد من جدواها عن قرب، حيث تم التركيز على أطفال معينين باستمرار، لا تمكن متابعتهم عن قرب، وآخرين على فترات بسيطة، وقد لمسنا ايجابيات التجربة وانعكاساتها الطيبة على سلوكياتهم وقدراتهم الاجتماعية، وقد أشعرتني هذه الزيارات بالقرب الشديد منهم، وتلمس احتياجاتهم ومعاناتهم.

> الوزارة دعت مرارا وكررت نداءاتها في مناسبات عدة إلى إيجاد أسرة بديلة لكل طفل يتيم.. وهناك الكثير من أصحاب النفوس الخيرة والقلوب النيرة لبت مشكورة هذا النداء، ولكن في حالة من انعدام الفرصة لبعض الأطفال في الانضمام لأسرة كيف يمكننا التصرف فيما يخدم الطفل؟

ـ الأسرة البديلة في رأينا الأساس الذي ينبغي ان نسعى له جميعا، بإيجاد أسرة بديلة لكل طفل يتيم، وإذا انعدمت فرصة الطفل في الانضمام لأسرة فالدور الاجتماعية هي البديلة لرعاية هذا اليتيم، ولكن الأسرة البديلة هي النظام الأسلم لدمجهم داخل مجتمعهم بصورة سليمة، كما حثنا عليه ديننا الإسلامي الحنيف.

> إلى جانب برنامج الأسر البديلة بالوزارة هناك الأسر الصديقة.. هل لك ان تعطينا نبذة مختصرة عن فكرة هذا البرنامج، وعن بداياته، ونتائجه؟

ـ برزت لنا فكرة برنامج الأسر الصديقة عندما لمست مع أخواتي وزميلاتي المختصات بدور الحضانة ودور التربية حاجة أبنائنا بالدور إلى الدمج داخل مجتمعهم في ظل انعدام فرصتهم بالالتحاق بأسر بديلة وهو اضعف الإيمان ونأمل من استضافة الأسرة لهذا الطفل، سواء ساعات معينة أو في إجازات نهاية الأسبوع أو في الأعياد أو في الإجازات الصيفية ان تكون دافعا لهم لاحتضان هذا الطفل ورعايته، وهذا ما لمسناه فعلا في بعض الأسر الصديقة التي تحولت إلى اسر بديلة بعد اقتناعها بذلك. وقد بدأنا بالأسر المعروفة لدينا من موظفات الدور ومنسوبي الوزارة والبرنامج في تطور، ويتطلب الانضمام إلى هذا المشروع ان تكون الأسرة الصديقة سعودية، وتسعى إلى مشاركة هذا الطفل لحياتها الاجتماعية ومناسباتها المختلفة، ونتمنى الاستمرارية في علاقتها بالطفل بما يساهم في نمو شخصيته وثقته بنفسه وبالمحيطين به، ولا توجد إجراءات رسمية، سوى إجراء بحث اجتماعي من قبل الدار.

> تركزين كثيرا في حلقة نقاشك مع الأخصائيات التربويات الاجتماعيات على ان العاملات في مجال رعاية الأيتام لا بد ان يكن مهيآت نفسيا وأخلاقيا للعمل في هذا المجال.. هل تقصدين من وراء ذلك ان التخصص الأكاديمي وحده في هذا المجال لا ينفع من دون خبرة عملية مسبقة في هذا المجال؟

ـ اقصد ان على العاملات في هذا المجال مراعاة الله أولا وقبل كل شيء في رعاية هذا اليتيم، الذي شرفهم الله برعايته، ليكون شفيعا لهم ان شاء الله، وان يشعروهم بمحبتهم لهم، ويحترموا إنسانيتهم، وإنهم جزء منهم، ولا بد من تكوين رابطة حقيقية معهم، لا تحكمها الوظيفة والدوام، بل تكون بهدف إشعارهم أنهم يهدفون إلى مصلحتهم، حتى وان قسوا عليهم بمحبة ومودة. ونحن هنا نقوم بدور الأسرة الطبيعية، دون قسوة او حنان وحماية زائدة عن الحد، وان تكون العلاقة معهم مستمرة، حتى لو اضطرتنا الظروف للانتقال عنهم، لأن ذلك يؤثر على ثقتهم بالعالم المحيط بهم.

ونحرص كل الحرص على تقوية إيمانهم بالله أولا، من ثم ان يكونوا أقوياء بأنفسهم، ونزرع الطموح والأمل داخلهم لمستقبل مشرق، ونسعى لتهيئتهم لذلك المستقبل منذ صغرهم، واستغلال كل فرصة ممكنة لدمجهم داخل المجتمع وإشعارهم بانتمائهم لهذا البلد الكريم.

> ماذا عن توجيهاتك للأسر البديلة التي تشرفت بكفالة يتيم ورعايته؟

ـ الحرص على مراعاة أصول التربية السليمة في تنشيءة الايتام وإبلاغهم بأنهم أيتام اكرمهم الله برعايتهم والتعامل معهم كبشر عاديين في جميع مراحل حياتهم والتجاوز عما يصدر عنهم من تصرفات غير لائقة في مرحلة المراهقة والنظر لهذه التصرفات بأنها عادية لا يمكن ان تصدر من أي شاب أو شابة بهذه السن وليس بسبب انه يتيم أو من الظروف الخاصة.

> (أم الأيتام) ماذا تعني لك هذه الكلمة بعد ان تم تكريمك بالمهرجان الخيري الأول لرعاية الأيتام كأم للأيتام؟

ـ علاقتي بالأيتام لم تكن وليدة السنوات القريبة، بل هي اكبر من ذلك، حيث كانت منذ مباشرتي العمل معهم، ولا شك ان هذه العلاقة تزداد قوة بمرور الوقت، والقرب منهم وتلمس احتياجاتهم.

وتكريمي كأم للأيتام كان تقديرا اعتز به، واسأل الله ان يمدنا بالعون لتقديم ما نستطيع تجاه هذه الأمانة العظيمة، ويتجاوز عنا في التقصير تجاههم.

> على الرغم من علو مستوى الخدمات التي تقدمها الوزارة لهؤلاء الشباب والفتيات، ورغم محاولات دمجهم مع المجتمع الخارجي، إلا إننا نراهم يعانون من سوء التكيف الاجتماعي والتعايش الطبيعي مع كافة أفراد المجتمع.. من وجهة نظرك كيف يمكننا معالجة هذا الشعور فيهم؟

ـ لا بد من وضع برامج أكثر قربا من الواقع، تقوم على تأهيل كل فرد حسب احتياجاته، وليكن ذلك منذ سنواته الأولى، لبناء شخصيته وفق خطوات عملية واضحة وعملية تستمر معه في جميع مراحل حياته، خاصة عند انتقاله من دار لأخرى، حيث يتأثر بهذا التنقل بدرجة كبيرة، ولا بد ان نسعى نحو منع هذه التنقلات في حياتهم إلا فيما يخص الشرع في التفريق والتعامل مع أخطائهم كغيرهم من أبناء المجتمع في أسرهم، باحتواء مشاكلهم، والسعي نحو حلها في سرية تامة، حتى نصل بهم إلى مستوى الشخصية المستقرة والمتوازنة والقادرة على تكوين علاقات تساهم في دعم ثقتهم بأنفسهم.

> كيف ترى مشروع الزواج الجماعي لأيتام ذوي الظروف الخاصة، الذي قدمته اخيرا المؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام في جدة والرياض؟

ـ هذا المشروع له وجهات نظر متباينة، فهناك من يؤيده لأهداف إعلامية، وهناك من يرفضه، لان كثيرا منهم يعتبره إشهارا لوضعهم الخاص، لكنني أرى من الأفضل تطبيقه على نطاق ضيق وبسيط، أو بشكل فردي، مع أهمية التركيز على تأهيل وتأسيس المتقدم منهم للزواج للحياة المقبل عليها، وقياس مدى استعداده لذلك، وأهمية التركيز أيضا على كيفية اختيار الشريكين، حيث ان هذه الأعداد الكبيرة المتقدمة للزواج الجماعي قد تغفل عن التحقق من التأسيس الصحيح للحياة الزوجية.

> كلمة توجهينها في نهاية اللقاء لمديرات دور الحضانة والتربية ليبقى صداها يتردد في أسماعهن ما ان دار دولاب الحياة وهن يعملن برعاية هذه الفئة الطيبة؟

ـ لدي عبارة اعتز بها دوما في تعاملي مع الأيتام هي (قلب ورب)، أتمنى ان يتعاملن منطلقها الإيماني والعاطفي وهي موجزة للعمل معهم وان يكون عملهن خالصا لوجهه تعالى.