(نَجّارةُ الأحساء الأولى) تدهش نساء السعودية بروعة إنتاجها

أناملها الصغيرة تحيل الأخشاب إلى تحف ناطقة

TT

فتاة يافعة من فتيات الأحساء اللاتي يطمحن في خدمة وطنهن بما وهبهن الله من موهبة ألطاف. تتزين أنامل أصابعها بوخز شوك خشب الإثل وشجرة الزعرور وترتسم على محياها الغض لمسة الخجل وعفة الحياء ـ المعروف لدى الصبايا اللاتي من سنها ـ ويتحشرج صوتها بتساؤل «لماذا لا يسندون إليّ صيانة وإصلاح أبواب ونوافذ وطاولات وكراسي مدارس البنات، ما دامت حرفتي اليدوية النادرة أعجبتهم، وما دمت أمثلهم في مهرجانات السعودية بمختلف مناطقها؟».

أمينة الأمين تعمل في مهنة يصعب على فتاة يافعة أن تعمل بها في الوقت الذي يهرب من تلك المهنة شباب البلد القادر، تعمل بكل جد وحماس وأريحية في معمل (منجرة) أبيها النجار المنحدر من أسرة نجارين معروفين في الأحساء، وتطالب مسؤولي الدولة فتح باب التدريب المهني في مجال حرفتها (النجارة) للبنات كي يتمكن من مسايرة رجال البلد في مجالٍ مهم من أبرز مجالات البناء والعمارة للوطن.

بدأت أمينة في تعلّم مهنة النجارة منذ صغرها، تقول «كنت أرى والدي يعمل نجارا متخذا من احدى غرف المنزل منجرة له، فتعلمت هذه الحرفة الشعبية القديمة المتوارثة في اسرتنا، وبدأتُ في مزاولتها منذ أن كان عمري 13 سنة. فبدأت أصنع الحصالات، البيوت القديمة، ألعاب الأطفال القديمة، القاري الصغير كتحف تراثية للزينة».

العديد من النساء في الرياض وجدة والدمام والجبيل ادهشتهن أعمال أمينة، وتقول «كنت اسمع صيحات الاعجاب وهن يشاهدنني أعمل بالنجارة أمامهن في الركن المخصص لي في بعض مهرجانات التراث الشعبية والمهن الحرفية».

وتعتقد الأمين أن تعاملها مع الخشب يدفعها لافراغ شحنات الغضب عندما تكون متوترة الاعصاب ولا ترتاح الا حينما تكمل العمل كلوحة فنية ترضيها.

وتقول «كل ما أنتجه يلاقي إقبال واستحسان من يقتنيها، بالذات نساء نجد والحجاز، فهن يعجبهن طريقة اتقاني لصناعة ـ القاري الحساوي ـ وهي عبارة عن عربة يجرها الحمار لنقل الأمتعة والعشب وغيرهما ويستعمله الفلاح الحساوي بكثرة قديما وإلى الآن».

وتبقى المشاركة الأولى للنجارة الأحسائية أمينة الأمين، منحوتة في ذهنها لتزين سجل ذكرياتها الجميلة في عالم العطاء المتميز والإبداع الفريد في نوعه فتقول «أول مشاركة لي كانت في إحدى المزارع، حيث لاقى إنتاجي التشجيع من قبل من حضر، بعدها توالت الطلبات للمشاركة فشاركت في مهرجان قصر إبراهيم الأثري، حيث أبدت النساء استغرابهن في مزاولتي لهذه المهنة الحرفية الصعبة لصغر سني، فالكثيرات أعجبن بمدى اتقاني لهذه الحرفة وطلبن مني تعليمهن والبعض منهن استأن من مزاولتي لهذه الحرفة الصعبة، بالإضافة إلى المشاركة في روضة القدس، ومهرجان المدارس في أرض المعارض، ومهرجان جدة، ومهرجان مدرسة «أرامكو» بالظهران، ومهرجان «الجنادرية» الوطني».

ولا تخفي بعض صديقات أمنة الأمين استياءهن من مهنتها حتى ان بعضهن قطعن صلتهن بها، لكن ذلك دفعها للصمود وبذل المزيد، حيث تقول: «دفعني ذلك لأتعلم المزيد والمزيد، خاصة أن هذه الحرفة تجعلني أسيطر على بعض المواقف الحرجة التي تحدث مثل إغلاق الأبواب».

وتستخدم أمينة خشب شجرة (الإثل) وشجرة (ترتوث) وشجرة (الزعرو) و(التوت) وخشب (المرنتي) الذي لا يوجد إلا في الهند وهو خاص للقصاصيب لتميزه بالقوة.

وتحدثنا أمينة الأمين عن مراحل إنتاجها وتصنيعها لمنتجاتها الخشبية، حيث يتم الحصول على هذه الأخشاب بعد تقطيعها وتجفيفها لمدة 4 أو 5 أيام بعدها يتم تصنيع ما نريد على حسب مقطع الشجرة ومساحتها، حيث تتميز جذوعها بالقوة وعدم تشقق خشبها مع مرور الزمن، بالإضافة إلى عدم تلفها عند تعرضها للماء أو الحرارة.

وعن أبرز الصعوبات التي تواجهها أثناء مزاولتها لحرفة النجارة، قالت: «تتمثل في انعدام المكان المخصص لمزاولة مهنة النجارة وهي (المنجرة) التي تحتاج إلى مكان واسع، حيث ان والدي لا يمتلك غير غرفة صغيرة في منزلنا يصنع فيها منتجاته، من هذا المنطلق لا استطيع إنتاج أشياء كثيرة لضيق المكان، خصوصا عندما تكون لدية مشاركة في مهرجانات تراثية».

وتتمنى النجارة الشابة أن يوجد معهد مهني للنساء على غرار المعهد المهني للرجال «أكون فيه مدربة ومتدربة حتى نستطيع من خلاله التدريب على اتقان الحرف الشعبية والتزود منها».