ثقافة «الموت» تعود مرة أخرى على منصة إحدى متوسطات الفتيات في الرياض

TT

أثار عرض مسرحي مكون من فقرات متنوعة في إحدى المدارس المتوسطة للبنات شرق مدينة الرياض علامات تعجب واستفهام على وجوه المراهقات واللاتي لم تتجاوز أعمارهن الرابعة والخامسة عشر عاما، عن ماهية موقع ومكانة فن «حب الحياة».

فعلى عكس ما توقعنه صغيرات السن من بحث عن الفكاهة والدعابة في حفل تخرجهن من المرحلة المتوسطة، كان عليهن القبوع أمام مشاهد تمثيلية امتلأت بالألم والأسى عقب أن انصب محتواها على نقد سلوكيات اجتماعية، من واجب المراهقة الممتلئة بالحياة اخذ العظة والعبرة منها.احدها كان مشهدا تمثيليا يصور رجاء فتاة حارا لوالدتها كي تسمح لها بزيارة إحدى صديقاتها إلا أن إصرار الأم على موقفها الرافض عزا بالفتاة الذهاب دون إذن منها، وليكون عقاب معصيتها وخطيئتها وفاة الأم وسقوطها في مشهد درامي على منصة المسرح أمام الطالبات، وبالطبع لم يخل الأمر من خلفية صوتية مؤثرة.

وربما لم تكن لتقصد من أعدت المشهد تسليط الضوء على عقم سياسة (الإغلاق) غير المدروسة، وكيف أنها قد تكون سببا في المعصية والانحراف.

ولم تنته المشاهد هنا وإنما تلاها مشهد من نوع آخر حث الفتاة على الصلاة في المسجد والذي ربما كان سقطة وزلة من قبل كاتبة السيناريو حيث أن النساء لا يؤدين الصلاة في المساجد سوى في شهر رمضان الكريم.

وكان نص الحوار وبعد أن تبادلت مؤديتا الأدوار التحية سألت إحداهما «إلى أين أنت ذاهبة» أجابتها قائلة «لأصلي في المسجد» نظرت إليها الأولى نظرة ازدراء وقالت «دعك من هذه الرجعية».

ولربما تمكنت الفتيات من استنباط معنى الصلاة في المسجد والذي قد تعني به المعدة لهذا المشهد والمخرجة «المصلى» إلا أنهن وبالتأكيد لم يتمكن من تعريب كلمة «رجعية» والتي أصبحت أولى مفردات التقسيم الاجتماعي التي اكتسبنها قبل أن يرددوا «علمانية» و«ليبرالية».وختام المشهد لم يكن اقل وطأة مما دار في نص الحوار وإنما انتهى بموكب جنائزي، حملت خلاله أربع فتيات نعش جسد وهمي بكفنه الأبيض ومرة أخرى صاحبها خلفية صوتية بترانيم حزينة، سببت صدمة ليست للطالبات فقط هذه المرة وإنما أيضا اقشعرت لها أبدان المعلمات.أربع ساعات من الجلوس وتعطيل يوم دراسي لم تتمكن الطالبات من إيجاد مبرر للضحك أو لمجرد الابتسام سوى على ما سببه سقوط احد الممثلات والذي كان خارجا عن النص من نشاط وبث الروح من جديد للمشاهدات.

ورغم استهجان مديرة المدرسة وبشكل علني للمشهد التمثيلي الخاص بالاستعانة بجثة وهمية لتصوير مشاهد الموت والفناء وحقيقة القبر، بقي السؤال عن ماهية الجهة المراقبة للأنشطة المسرحية الطلابية هل هي من وحي المعلمات وباقتباس من إحدى الفضائيات.كما وتبقى ذات المشاهد الرتيبة والمكررة تعاد في السنة تلو الأخرى، دون ملامسة لحقيقة إشكاليات ومعاناة المراهقات، حيث لا تزال تذكر طالبات إحدى الثانويات في مدينة الرياض المشهد التمثيلي لتجسيد الموت وعذاب القبر قبيل أعوام عديدة. إلا انه تم الاستعانة في ذلك الوقت بجسد مليء بالحياة لإحدى الفتيات لتقوم بدور الجثة المكفنة والتي عانت من حالة نفسية شديدة عقب المشهد، لتبقى ثقافة «الموت» و«التخويف» الأسلوب التربوي لإعادة الشباب والشابات إلى جادة الصواب.