رحيل أشهر ساعة للتوقيت في جدة عن 22 عاما

بعد أن طالتها أعمال التوسعة والتطوير في طريق الملك عبد الله

TT

توقفت أشهر ساعة للتوقيت في جدة الثلاثاء الماضي بعد دوران دام 22 عاما. وكانت قد أنشئت وترعرعت في أحد أهم المواقع الرئيسية في مدينة جدة العاصمة الاقتصادية للبلاد، ولكن توقف نبضها عند الساعة الـ11.55 دقيقة إثر أعمال إنشاء جسور وأنفاق تنفذها أمانة المدينة لتوسعة طريق الملك عبد الله.

والساعة التي يعتبرها سكان جدة الأشهر في حياتهم كونها ارتبطت بمواعيد هامة وصفقات كبيرة شهدتها فترة الثمانينيات الميلادية، كانت هدية من شركة «سيكو» اليابانية عبر وكيلها السعودي، والتي كانت هي الأخرى أحد أهم الماركات العالمية عند السعوديين مع بداية اهتمامهم بتقلد الساعات بمختلف أنواعها وماركاتها.والساعة التي بدأت أعمال الحفر حول محيطها صادفت زيارة لولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز لليابان في جولة آسيوية شهدت شراكات كبيرة في مجالات التعاون، كما أنها عززت من العلاقة بين الدولتين.

في وقت كانت تشير فيه العبارة المكتوبة أسفل مجسم الساعة التي ترتفع لأكثر من 15 مترا، إلى شراكة ممتدة بين اليابان والسعودية عمرها 20 عاما في ذلك الوقت.

ويقول عامل آسيوي كان مشغولا بأعمال الحفر حول أساسات الساعة انه سيتم نقلها دون المساس بها حسب ما تقتضيه التعليمات.

ويشير العامل الآسيوي بما لم يستطع التعبير عنه بلغة عربية مكسرة إلى الطريقة التي يفترض بموجبها نقل الساعة من مكانها الذي سيصبح نفقا للمركبات المتجهة باتجاه البحر.

في المقابل يشرح سعيد المطرفي، والذي كان ينتظر دوره عند أحد صوالين الحلاقة المطلة على ساحة الساعة الواقعة على تقاطع طريق الملك عبد الله مع طريق المدينة، كيف أنه كان يضبط مواعيد محاضراته الجامعية كل صباح مع الساعة الصباحية التي كانت في طريقه اليومي: «أحيانا تشعر بفقد الجماد.. كانت الساعة رمزا نفسيا لي يجعلني دائما أنظر لحركة العقارب باحترام وهيبة. حياتي يوما ما كانت مرتبطة بنبضها. معظم أهل جدة يحبونها».

فيما يعتقد محمد يوسف وهو مصري يعمل منذ سنين في أحد المحلات المطلة على ساحة الوقت، أن الساعة فقدت أهميتها منذ سنوات بعد أن تعددت البدائل وقل الاهتمام بصيانتها رغم ما يعنيه الوقت للناس من قيمة «تمر أيام كثيرة والساعة واقفة على توقيت معين قبل أن تعود للحياة من جديد. أيام طوال كنت أحسب فارق التوقيت بين السعودية ومصر. بصدق: شعرت بحزن غريب وأنا أفتقد وجودها صباح الثلاثاء»..

والعبارة المكتوبة نصا في أسفل المجسم الرخامي: «في الذكرى العشرين من التعاون البناء هدية لمدينة جدة» تفتح الباب على مصراعيه أمام التساؤلات في غياب روح المبادرة من الشركات التي أسست وجودها بعد ذلك في مدينة جدة، وحققت أرقاما فلكية من الأرباح أين هو دورها في خدمة المجتمع عبر مبادرات جمالية وإنسانية، كما كان هو الحال في فترة الثمانينات التي كانت تشهد تنافسا محموما بين الشركات العاملة في جدة.

وتظهر تلك الروح التي غابت حاليا في عشرات الميادين التي ما تزال تزين مدينة جدة في معظم ميادينها التي تتميز عن غيرها من المدن السعودية بالمجسمات الفنية والأعمال التراثية المستمدة من طبيعة المدينة وتاريخها الحضاري العريق.