مستشار شرعي: إذا حدث الطلاق قبل الدخول فللمرأة نصف المهر

مطلقات على عتبات القفص الذهبي

TT

«بعد الملكة بــ(سبعة أشهر) أختلف زوجي مع أهلي على أمور كثيرة ليس لي يد فيها، فقام زوجي بتطليقي ثم حاول ردي ولم أقبل، لكنني بعد ذلك ندمت لأني لم أكن أظن أن المجتمع سينظر لي وكأنني امرأة تزوجت، وطلقت بالفعل ويعاملني بطريقة ـ لا أود أن أشرح ـ لكنها سيئة وتزعجني خصوصا أنه استرد المهر كاملا فهل يحق له».

تساؤل أطلقته (الجوهرة) يحمل كثيراً من المرارة بالرغم من وضوح الشريعة الإسلامية في هذا الصدد، إلا أن قصور الفهم لبعض الآيات القرآنية والأحكام الشرعية يقود البعض لمخالفة سماحة الدين وارتكاب الأخطاء في حق شقائق الرجال.

وتعزي ذلك «ي. ق» ـ طلقت بعد ملكتها بسنة واحدة ـ إلى قصور نظرة المجتمع مع الظن السيئ ـ على حسب تعبيرها ـ التي عانت منه بقولها «لم أعامل بطريقة سيئة فأمامي النساء يلتزمن الصمت، لكن يصلني كلام كثير وهو ما المني وكاد يقضي على أبي، فأشيع أني خرجت مع زوجي في فترة الملكة ووقعت معه في أمور سيئة لا يقرها عاقل، خصوصا أن العرف يقضي باسترداد المهر».

غير أن منال السهيمي تؤيد هذا الطلاق قائلة «إن الطلاق قبل الدخول أفضل للفتاة من الطلاق بعد الزواج بشهر أو شهرين مهما كانت سلبياته فبالمقارنة بين سلبيات طلاق ما بعد الدخول وقبل الدخول بالفتاة فهذا أفضل للطرفين».

فيما أشارت شذى التي طلقت بعد ملكتها بـ 10أشهر تقريبا، إلى الآثار النفسية التي لحقت بها نتيجة لعدم التكيف مع المجتمع قائلة «أنا أعيش حالة نفسية سيئة مع أن طلاقي مضى عليه حتى الآن سنة ونصف لكني لم أستطع التعايش مع مسمى مطلقة وما يزيد الطين بلة أن يأتي من يخطبني ويرفض أن يعطيني المهر الذي هو من حقي ويقول مطلقة كيف تطلبون لها مهر بكر مع أن طليقي استرد المهر!! وأنا لم أدخل وحتى لو كنت مطلقة بعد الدخول «متسائلة» ألا يحق لي طلب مهر كغيري دون أن يفرض على حريتي قيود؟».

وتتحدث عن هذه الآثار السلبية من الناحية النفسية الاختصاصية فاطمة عمر بقولها «للطلاق بهذا الصورة أضرارا نفسية على الفتاة قد تكون لدى حالات ما قبل الدخول أبلغ من الحالات الأخرى التي تعقب الدخول بالزوجة، فالطلاق هنا للطرفين قد يعتبر نذير شؤم وللمرأة هنا نصيب الأسد في الآثار النفسية لأن المجتمع يلقي باللوم على المرأة دائما في حالات الطلاق وإن لم يسمع منها ولم يكن زواجا مع دخول فهو أصدر حكمه تجاهها ووصمها بالمطلقة وهو الظلم بعينه» وتواصل: من الآثار النفسية التي قد تعاني منها الفتاة المطلقة بعض المشاعر السلبية كالإحساس بالفشل والخوف من تكرار التجربة وهذا ما نطلق عليه بضد الحاجة النفسية أي العجز بالرغم من كون النجاح حاجة نفسية أولية للإنسان السوي، من ذلك أيضا الإحساس بالتفاهة والدونية أي أن تقدير الذات يكون لديها منخفض أو ربما يكون قد تلاشى وهذا من شأنه أن يشعرها بالحزن واليأس والإحباط وقد يدخلها في حالة من الاكتئاب فلا ترى من الدنيا إلا الجانب السلبي أو المظلم وقد يدفع بها إلى الموافقة على الزواج مرة أخرى بدون تفكير» وتضيف «الطلاق هنا قد يسبب للفتاة صدمة انفعالية كالطلاق الذي يحدث تماما بعد الزواج بدخول فيتحول الاضطراب النفسي إلى سلوك منحرف».

منوهة الى أن «أسباب طلاق ما قبل الدخول قد يكون ناتجا عن أن الزوج أو الزوجة ليس مطابقا لفتى الأحلام أو فتاة الأحلام أو عدم قدرة أحدهما على الانفصال عن أهله وتهيبه من الزواج نفسه هذا إذا استثنينا حالات الطلاق التي يجبر عليها الزوجان لخلاف وقع بين ذويهما ولم يكن لهما طرف فيه وهذا أمر حاصل للأسف وموجود». وتؤكد الاختصاصية الاجتماعية صالحة الأسمري على ضرورة تفعيل دور الأسرة تجاه المطلقة والوقوف مع الابنة وذلك بالعمل على تهيئتها ومساعدتها على تجاوز هذه المرحلة مع ضرورة إفهامها أن ذلك حدث لها لأنه مكتوب عليها من الله عز وجل وتذكيرها بالآية الكريمة «وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون» فمبدأ الخيرة لابد أن يكون موجودا ولكن على أن لا يعلو عندما تريد أن ترجع إليه عندما يطلب ردها مشددة على «أهمية دور الأم في إعادة ابنتها للمجتمع فلها الدور الأكبر في تحفيز ابنتها على الانخراط بالمجتمع سواء بالألفاظ أو العمل على الرفع من روحها المعنوية مع السماح لها بالدخول والخروج كالسابق، أي قبل أن يتم الطلاق، فهذا أمر مهم جدا من شأنه أن يعيد ثقة الفتاة بنفسها ويعطيها حافزا للمواصلة لكن بعض الأمهات يتجاهلن ذلك ـ للأسف الشديد ـ من باب الخوف على السمعة وأنا هنا أعود وأؤكد على كثير من الأمهات بأن بناتهن أغلى أمانة بين أيديهن لا بد لهن من مراعاتهن ومخافة الله فيهن».

وتضيف «على المطلقة أن تدرك جيدا أهمية نظرتها هي للمجتمع فهي لن تنعكس على نفسيتها فحسب بل وعلى المحيطين بها فإن كانت نظرتها للحياة سوداوية سلبية فهي بالتالي لن ترى ولن تفسر أي تصرف يصدر تجاهها إلا من خلال هذه الزاوية الضيقة إذا وجب عليها أن تكون ذات نظرة إيجابية لتصبح النظرة إليها واقعية».

ويفصل ذلك المستشار الشرعي ومأذون الأنكحة الشيخ منصور بن ناصر العضيلة قائلا: لقد قال الله تعالى «يا أيها الذين أمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا» (الأحزاب 49) وقال سبحانه «وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم» (البقرة 237) وهنا يخبر الله تعالى المؤمنين أنهم إذا نكحوا المؤمنات ثم طلقوهن من قبل أن يمسوهن فليس عليهن عدة في ذلك وأمر الأزواج أن يمتعوهن بهذه الحالة بشيء من متاع الدنيا، الذي يكون فيه جبر لخواطرهن لأجل فراقهن وأن يفارقوهن فراقا جميلا، من غير مخاصمة ولا مشاتمة ولا مطالبة ولا غير ذلك. ويستدرك قائلا: إذا طلق قبل الدخول أو الخلوة وقد سمى لها صداقا فلها نصفه لقوله تعالى «وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم» أي لكم ولهن ما أقتضى أن النصف له والنصف لها بمجرد الطلاق وأيهما عفا عن صاحبه من نصيبه وهو جائز التصرف صح لقوله تعالى: «إلا أن يعفون أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح» والذي بيده عقدة النكاح هو الزوج ثم رغب في العفو فقال تعالى: «وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم» أي لا ينسى الزوجان التفضل من كل واحد منهما على الآخر ومن جملة ذلك أن تتفضل المرأة بالعفو لمن النصف أو يتفضل الرجل عليها بإكمال المهر. وهو إرشاد للرجال والنساء من الأزواج إلى ترك التقصي من بعضهم على بعض والمسامحة فيهما لأحدهما على الآخر للوهلة التي وقعت بينهما».

مؤكدا على أنه «إذا فارقها قبل الدخول بطلاق فلها المتعة بقدر يسر زوجها وعسره لقوله تعالى: «لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين» والتحقق أن قدر المتعة لا تحديد فيه شرعا للآيه فإن توافقنا على قدر معين فالأمر واضح وإن اختلف فالحكم يجتهد في تحقيق المناط فيعن القدر على ضوء قوله تعالى (وعلى الموسع قدره). وإن حصلت الفرقة من قبل المرأة قبل الدخول فليس لها شيء كما لو ارتدت أو فسخت النكاح بسبب وجود عيب في الزوج».

ولجهل بعض الناس بمقاصد الشريعة السمحة يحدث الطلاق قبل الدخول وهو إما خلاف على تحديد قصر الأفراح أو عدم توافق العائلات على العادات والتقاليد لديهم أو عدم إعجاب الزوج بزوجته لعدم التفاهم فيما بينهم وبالإمكان تفادي ذلك بالضوابط الشرعية وبالنسبة لأمور الزواج لأن من مقاصد الزواج الستر ودوام العشرة وتكوين أسرة إسلامية طيبة».