أمسية ثقافية أدبية للمعاقين غاب عنها المثقفون والمثقفات

إياد مدني: المجتمع همش ذوي الاحتياجات الخاصة

TT

لم يدر في ذهن الطفل محمد الحازمي ،8 سنوات، أنه يجسد التحدي الذي خلق قبله أسماء خلدت في ذاكرة التاريخ كـ «طه حسين» عميد الأدب العربي الكفيف و«بيتهوفن» الموسيقار العالمي الأصم و«عبد الله البردوني» الشاعر الكفيف و«الظاهر بيبرس» القائد الفاقد لإحدى عينيه وغيرهم ممن اصطفت أسماؤهم ضمن قائمة مشاهير الإنسانية المؤثرة من ذوي الاحتياجات الخاصة التي استحضرتها الذاكرة النخبوية الثقافية لدعم الأطفال المعاقين في أمسية ثقافية أدبية بعنوان «بين القصة والقصيدة» التي نظمتها جمعية الأطفال المعاقين بمكة المكرمة تحت رعاية وزير الثقافة والإعلام إياد أمين مدني الذي حضرها شخصيا ووكيل الوزارة للشؤون الثقافية الخارجية الدكتور بكر باقادر مساء أول أمس الأربعاء بفندق كراون بلازا.

وكانت كلمة «هُنـا» الحروف التي بذل الطفل الحازمي مجهودا كبيرا ليبوح بها من على منصة المسرح أمام الحضور وهو الذي أقعده الضمور العضلي كرسيا متحركا، قد حملت المجتمع السعودي بأجهزته الحكومية مسؤولية ذوي الاحتياجات الخاصة ورعايتهم في تكوين مناخ حياتي لهم كجزء من الشريحة الاجتماعية حينما أجاب عن سؤال «كنت تدرس في الخارج .. هناك أحسن أم هُنا؟» طرحه عليه الإعلامي الدكتور حسين النجار الذي قدم برنامج الأمسية ليبرر بعدها الحازمي عن السبب بإجابة عفوية «لأن أهلي هنا»، وذلك أثناء حوار قصير كان الطفل بطلا فيه خلال الأمسية.

وأوضح مدني صراحة خلال إلقائه كلمته تهميش المجتمع لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة حتى أن الشوارع والحدائق والمؤسسات والمباني لم تهيأ ليكونوا جزءا منها، واستشهد مدني بتجربته العملية التي امتدت منذ انضمامه للخطوط السعودية حتى حمله حقيبة وزارة الثقافة والإعلام في عدم وجود مشاركة حقيقية لهذه الفئة سوى العبور السريع دائما من قبل الأجهزة الحكومية التي من أهمها مجلس الشورى، وقال «حتى عندما كنت ضمن أعضاء مجلس الشورى وداخل القاعة التي تعلوها قبة مهيبة، لم ألمس فيها التفاتا لذوي الاحتياجات الخاصة ولا من الأعضاء الذين حملوا الكثير معهم من المبادرات والقضايا للنقاش فيها».

وكانت الأمسية قد تضمنت ندوة أدارها القاص محمد علي قدس وشارك فيها كل من الكاتب أسامة السباعي رئيس تحرير جريدة المدينة سابقا والذي طرح ورقة بلور فيها أهمية دور الإعلام في خدمة فئة ذوي الاحتياجات الخاصة وطالب خلالها بـ «فتح محطات تلفزيونية تقدم لهذه الفئة بشكل خاص».

بينما ذهب الناقد والشاعر سعيد السريحي المشارك بورقة مؤثرة استشهد فيها بأسماء كبار المبدعين والمفكرين في العالم من المعاقين، وقال «علينا أن نتعلم نحن قبيلة المثقفين الدرس من المعاقين في كيف نتواضع، وألا نضع الشك في قدراتنا التي لم نفقدها وفقدنا التأثير بها بينما فقدها هؤلاء ليعوضوا أنفسهم بقدرات أخرى لا نمتلكها »، واضاف «منا لا يشعر أنه معاق حسيا لو قارن قدراته التي يتمتع بها بقدرات المعاقين التي عوضوا بها عما فقدوه، ومنا لا يرى نفسه متخلفا عقليا إذا ما قارن عقله بعقل أنيشتاين».

وبين إعلامي وناقد جاءت قصيدة الشاعر محمد عويضة من المنطقة الشرقية لتحكي معاناته مع إعاقته والمجتمع الذي لم يتفهمها مسترسلا فيها طفولته ومرحلة شبابه وما يجابه المعاقين من احباطات عاطفية والعمل والزواج حتى تأكيده على وطنيته رغم كل الصعاب التي تواجه رفاقه ممن فقدوا بعض القدرات، وقال «لست متشائما، ولكني أردت استحضار معانة ذوي الاحتياجات الخاصة في حياتهم داخل مجتمع لم يساعدهم على التعايش معه، أما أنا فقد كانت أسرتي هي محفز النجاح، لأنهم لم يشعروني بإعاقتي، فنحن لسنا في حاجة إلى شفقة وإنما إلى تفهم اختلافنا فقط». والأمسية التي غابت عنها قبيلة المثقفين والمثقفات، إذ بقيت أغلب المقاعد خالية لم تجهد الطفل المقعد عبد الله القارحي، 5 سنوات، أثناء تجواله بين الحضور نساء ورجالا الذين توزعوا بين ضفتين فصل بينهما «جدار برلين الكرتوني»، كما علقت إحدى الحاضرات عليه، ليوزع عليهم بطاقات كتبتها أقلامهم الطفولية، قبل توديعهم ليحملوا معهم ابتسامته الصغيرة وعبارة «أذكروني دائما».