بين طعم الورد الطائفي ورائحة البخور تتفاوت طقوس السعوديين لشرب الماء

TT

الصخب الذي يثيره ضجيج طاسات السقايين الفضية المنقوشة بآيات من القرآن الكريم والمترافق مع دعواتهم المنكهة بطعم ماء زمزم في الأسواق المحيطة بالحرمين والتي تشكل اغراء حقيقيا لشرب زمزم، تلك الصورة القديمة خلقت عند بعض السعوديين طقوسا لشرب الماء وإن اختلفت في الشكل الخارجي لم تخرج عن الغرض الأساسي منه، في الوقت الذي ما زال فيه كثير من السعوديين حريصا على وجود الطاسة الفضية في منازل ساكني أرض الحرمين والشرب منها، خاصة وأنها ارتبطت بانفعالات معينة كما جاء على لسان الخالة فوزية «طاسة الرعبة صفة التصقت بطاسة الشرب التي كان يسقى بها الحجاج واستعملتها كثيرا سيدات البيوت في حالات الرعب أو الخوف من باب البركة».

وبين البرودة التي تتسلل عبر قطرات ماء زمزم الساقطة من جوانب المغراف، الذي يفضله غالبية كبار السن، من خلال استبقائه في البرادات لمدة طويلة قبل الإرتواء منه، في محاولة لإطفاء حرارة الجو الملتهبة في أيام الصيف، تطل الدوارق البنية اللون أو تلك المائلة للاحمرار والمنتصبة على المرافع الخشبية لإسناد دورق المياه، الذي يعتبر البعض أن الشرب منه ذو فوائد صحية لأنه وبحسب العم فيض الله بن خضرة مدير أحد مصانع الصناعات الفخارية «تدخل في صناعة الدوارق مادة طينية متماسكة من سيول الأمطار تسمح بمرور الهواء من خلال مسامات تساعد على تبريد المياه بداخله بشكل طبيعي وهو ما يجعل هذه المياه صحية أكثر». اختلاف الطقوس في شرب الماء لا يقف عند السعوديين على الأواني المستخدمة بل تعداه لإضفاء النكهات المميزة للماء كما جاء على لسان بن خضرة «كان لشرب الماء طعم خاص لا يميزه إلا من اعتاد الشرب من الدورق أو الطاسة أو المغراف بخلاف الشرب من القوارير أو الكاسات الزجاجية، وعلى الرغم من طول طريق الهدا والتفافه إلا أن الحصول على ماء الورد المقطر يجعل من شرب المياه المنكهة برائحة الورد الطائفي متعة لا يعادلها إلا شرب زمزم المبخر بطعم المستكة، فيما تحتفظ عشبة الكادي برائحة تغمر الكاسات التي تحرص سيدات البيوت على تبخيرها إلى جانب قوارير المياه.

وزمن السقاية الجوالة تميز فيه السقايين من خلال ثيابهم البيضاء المزنرة بالأحزمة والعمائم البيضاء المخطوطة باللون الأصفر والدوارق التي كانت تستخدم فيها إلى جانب التنكات وبحسب بن خضرة «ارتبطت الدوارق بالسقايين الذين كانوا يسقون الحجيج بشكل خاص في المدن المقدسة مكة والمدينة والتعبئة التي كانت تشكل عبئا يوميا على كل السقايين في وقت كانت تؤخذ فيه المياه من البازانات الموزعة على الحارات الرئيسية في كل المدن كما أوضح ذلك بن خضرة كان السقايون يحملون المياه في تنكات الصفيح المتدلية من على خشبه يضعها السقا على كتفيه».

وبين الأربعة قروش التي كانت تباع بها تنكة الماء وتوصيلها للبيوت بحسب حاجة كل بيت تطل المسافة التي يقطعها السقا من البازان إلى الحارات والتي كانت تشكل المنطلق اليومي لكل ساق، حيث كانت تبدأ رحلة تنكات المياه بين حارات جدة الرئيسة التي تحتضن البازانات فيها من حارة الشام قاطعة الطريق إلى اليمن لينتهي بها المطاف في المظلوم، أما بازانات الحرمين الشريفين وبحسب فيض الله «تتوزع البازانات في مكة بين منطقة محبس الجن وريع بخش ومحلة المسفلة التي تعد أقرب المناطق للحرم المكي، في حين لا تزال بازانات مناطق العنبرية وقبا ومنطقة المسجد النبوي هي وجهة السقا».