سعود المصيبيح: تربية المرأة من المآسي الاجتماعية.. والإرهابيون استغلوها بشكل بشع

رئيس لجنة المناصحة والمستشار الأمني بوزارة الداخلية: نقص واضح في الجهد الدعوي والتربوي لمواجهة الفكر التكفيري

TT

أوضح المستشار الأمني ورئيس لجنة المناصحة بوزارة الداخلية الدكتور سعود المصيبيح أن الجهود التربوية والدعوية والإعلامية المبذولة لمواجهة الفكر التكفيري الإرهابي في المملكة تعاني نقصا وتحتاج إلى تأصيل مهمتها في ظل انتشار الفكر بشكل خطر بين فئة الشباب. وأكد المصيبيح لـ «الشرق الأوسط» على أن كيفية تربية المرأة وإعدادها يجعلها من المآسي الاجتماعية التي قد تخلق منها عضوا سلبيا في مواجهة القضايا كالمخدرات والبطالة والجريمة حتى الإرهاب ـ الذي لا يستبعد فيه المصيبيح مشاركتها ومساعدتها للفئة الضالة ـ بينما أوضح أن لدى الوزارة 51 شهيدا لم يلحظ لهم تقديرا شعبيا أو دعما على مستوى المؤسسات الاجتماعية والحكومية يتعاضد مع أسرهم قائلا «لو شعرنا بقيمتهم لأدركنا مدى خطورة هذه الظاهرة».. وإلى نص الحوار.

> في تصريح لوزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز أشار إلى أن السقف الزمني لمعالجة الإرهاب والقضاء عليه غير محدد رغم إجهاض الداخلية لـ 90 في المائة من المحاولات الإرهابية .. لماذا؟

ـ هذا صحيح، لقد صرح الأمير نايف بن عبد العزيز أن 90 في المائة من المحاولات قد تم اكتشافها وإجهاضها قبل أن يتم القيام بها، بينما 10 بالمائة هي التي تمت في البلد، ولك أن تتخيلي لو لم يتصد رجال الأمن لهذه النسبة المرتفعة من هذه المحاولات؛ فإنها حتما ستكون كوارث مدمرة على الوطن، وسيذهب ضحيتها الكثير من الأبرياء، ومع ذلك فنحن لا زلنا نعاني من محاولات انتشار هذا الفكر، خاصة عندما نتأمل أن بعض من قاموا بمحاولة ابقيق الأخيرة التي تعتبر خطيرة جدا، لأنها محاولة لتفجير مصافي النفط وتهديد للأمن الاقتصادي الوطني، كانوا صغارا في بداية العشرينات مثل التويجري، مما يعني أنه لم يكن ممن التحقوا بأفغانستان ليتأثر بالقاعدة هناك، بل تعرف على هذا الفكر هنا، واعتنقه داخل البلد إما عن طريق الإنترنت أو عن طريق معلمين خانوا الأمانة او غير ذلك، وبالتالي نحن أمام ظاهرة خطيرة جدا.

> هل يعني ذلك أن هذه الظاهرة مستمرة في تفريخها وأصبحت أكثر خطرا لأنها نقلتكم من مرحلة تتبعتم فيها من جاؤوا من أفغانستان المتأثرين بالفكر الجهادي التكفيري للقاعدة إلى آخرين تجهلون هويتهم؟ ـ فعلا، فمن خلال ملاحظتي والرصد المستمر أجد هذا الفكر مستمرا في التفريخ، خاصة في ظل وجود أحداث دولية مثل ما هو حاصل في العراق، فبعض هؤلاء الشباب ممن يذهبون إلى العراق بفكر جهادي يعودون بفكر تكفيري، ومع تقديري الكامل لكافة الجهود المبذولة لمحاربة هذا الفكر إلا أنه في الحقيقة لا يوجد هناك جهود موحدة قوية ضده، فالمؤسسات الأمنية تعمل بكل جهد، وهي مؤسسات تنفيذية مهمتها الضبط الأمني، ولكن أعتقد أن هناك نقصا واضحا جدا في الجهد الدعوي والتربوي والثقافي والإعلامي في تأصيل مهمتها في محاربة هذا التفكير، والفكر لا يجابه إلا بفكر.

> كونك رئيس لجنة المناصحة بوزارة الداخلية.. ترى كم عدد هؤلاء الذين أرجعتموهم عن فكرهم حتى الآن من خلال اللجنة؟ ـ بغض النظر عن ذكر الأعداد، فالظاهرة موجودة ولا ينبغي الاستهانة بها مهما كانت الأرقام، وفي حادثة ابقيق مثلا كان قد خرج مفتي المملكة وأصدر بيانا رائعا ضد هؤلاء، ولكن في المقابل لم أجد أصوات بقية العلماء، وكذلك الدعاة الذين يفترض بهم أن تتحرك المساجد كلها من خلالهم لنبذ هذا الفكر، فالخط الدعوي وبالذات الدعاة غير متفاعلين مع الظاهرة، وكذلك الحال في وسائل الإعلام، وأنا في مكتبي بوزارة الداخلية أحيانا يدخل علي رجال أعمال ومسؤولون في الدولة وموظفون ومعلمون وآباء يعلنون عن فقدان أبنائهم بشكل مفاجئ أو توقيفهم بسبب هذا الفكر، والحقيقة التي ينبغي إدراكها أن هناك اختطافا لهؤلاء الشباب الصغار وهو مستمر، وهذا الأمر ليس له علاقة ببطالة ولا بفقر لأن بعض من انتموا لهذه الفئة التكفيرية ينعمون بمستوى مادي مريح ومتعلمين ولديهم وظائف على مستوى عال.

> هل يعني كلامك هذا أن هناك تقاعسا وإهمالا من المؤسسات التربوية والدعوية والإعلامية؟ ـ لا، لا اقصد أن هناك تقاعسا، فوزير التربية السابق وحتى وزير التربية الحالي الدكتور عبد الله العبيد ونائباه، هم في حقيقة الأمر يقومون بدور كبير جدا من داخل هذه المدارس للتوعية ضد هذا التفكير، ولكن حجم الجهد ضئيل مقارنة بخطورة الظاهرة واتساعها واستمراريتها، فنحن بحاجة إلى ضبط ما يسمى بالمنهج الخفي كما سماه الأمير خالد الفيصل، فمن يؤمنون بهذا الفكر يستغلونه ويعملون على تمريره عن طريق محاربة أي حماس لجهد وطني مثلا بحجة أنه لا يتوافق مع الدين في ظل مفاهيم مغلفة لتعطيل تحقيق الوطنية، ونحن نلحظ أن الشاب لدينا في المملكة بالرغم من أنه يعيش في البلد ينعم بالاستقرار والآمان إلا أنه يفتقد الحماس الوطني، والغريب أنك تجدين دولا من دون أن أسميها يعيش مواطنوها في المقابر وفي فقر وعوز وأوضاع اقتصادية سيئة جدا، إلا أن هؤلاء لديهم حماسة وطنية لا يسمحون بسببها لأحد أن يسيئ إليها، ونحن في الحقيقة نريد تأكيد هذه المفاهيم الوطنية لحماية أبنائنا من هذا الفكر التخريبي، كما أن الخطورة في هؤلاء ولو كانت أعدادهم قليلة أن أعمالهم مميتة وخطرة جدا، فيما لو نجحوا في تنفيذها، وحتى الآن لدينا 51 شهيدا من رجال الأمن، وأتساءل هنا عن دور المؤسسات الخيرية والتربوية والاجتماعية المختلفة ومنهم ذهب إلى أسر الشهداء وأبنائهم وزوجاتهم لتعزيتهم ومواساتهم والوقوف على حالتهم الأسرية، فأنا لم ألحظ ذلك، وأستثني منهم إمارة القصيم والأمير فيصل بن بندر الذي كان له دور مميز في ذلك، أما البقية في الحقيقة لا أجد لديهم تفاعلا على المستوى الشعبي لتقدير ما بذله رجال الأمن جهد، وعندما نقدر هؤلاء سنشعر بخطورة هذه الفئة الدموية وما يحملونه من فكر.

> لقد أشرت إلى وجود تهميش للمواطنة ومحاولة إجهاض تحقيقها من خلال قيم ومفاهيم مغلفة يحملها بعض المعلمين والمعلمات الذين هم على غير قناعة بها حتى الآن ويعملون ضمن نطاق الشلليات، كيف يمكن ضبط مثل ذلك؟

ـ أعتقد أن التوجه الحالي من قبل وزارة التربية والتعليم توجه واضح ولديها استيعاب كامل لهذه المشكلة، والذي أعتقد أنه مهم جدا هو أن يكون لدى الوزارة توجه حازم لأي تعامل يحاول نقل أفكار مغالطة، فإذا كان هناك مشرف تربوي أو مدير مدرسة أو معلم لا يتابع ظواهر معينة تتعلق ببرامج وطنية مثلا، حينها ينبغي لفت نظره وتنبيهه وإذا لم تر الوزارة منه أي تجاوب فلماذا تحتفظ به!.

> هناك إشارات من بعض أعضاء لجنة المناصحة بوزارة الداخلية التي تترأسها كالدكتور محمد النجيمي إلى اتهام المرأة بترويج الفكر التفكيري والمشاركة في الإرهاب، فما مدى حجم مشاركتها في هذا التجريم؟

ـ نعم، لقد صرح بذلك الدكتور محمد النجيمي، وهو أستاذ قدير في الفقه وعضو مجمع الفقه الإسلامي وعندما يتحدث لا شك أنه يتحدث عن تجربة ودراية وعلم، وأنا شخصيا أرى أن المرأة في المملكة من ناحية إعدادها وتربيتها وتثقيفها وتوعيتها في مجتمعها جزء من المآسي والمشكلات التي نعاني منها، سواء كان ذلك في مسألة تعاملها مع المخدرات أو الجريمة أو البطالة وحتى في القضايا الكبيرة جدا كالإرهاب، ونحن بحاجة إلى تأكيد أن الأم مدرسة، ولا بد أن يعاد تربية المرأة لتعي هذه القضايا بشكل صحيح وواع، وهي بالذات أكثر من الرجل، فمتى ما تم إعدادها جيدا سينعكس الأثر على المجتمع بشكل عام، وإن كانت فاقدة لذلك؛ فإن فاقد الشيء لا يعطيه، إذ كيف ستستطيع تربية أبنائها وهي في حاجة إلى التعزيز التثقيفي والتوعية بواجباتها، بل قد تكون مؤثرة في الحماس التكفيري، وممكن أن تشارك في نشره إذا ما كانت معلمة تضلل طالباتها من خلال المنهج الخفي، وهناك شباب من الممكن أنهم دفعوا إلى هذا التفكير بتشجيع الأم أو الأخت أو الزوجة.

> هل تم اكتشاف حالات وجدتم المرأة فيها شريكة للجرم الإرهابي؟

ـ دعيني أخبرك أن النساء شقائق الرجال ويجب عدم الاستهانة بالمرأة، فنحن في مجتمع للمرأة فيه تأثيرها وأهميتها، وبالتالي نحن نتمنى أن نشهد أقساما نسائية في المؤسسات الحكومية خارج نطاق التربية، ونتمنى أن يكون ذلك في وزارة الداخلية بالإدارة العامة للعلاقات والتوجيه الذي أعمل فيه، فمن الضرورة أن يكون هنا قسم نسائي يعمل على إيجاد منظومة تثقيفية إعلامية ضد الإرهاب وضد الجريمة.

> ولكن ألم تشترك المرأة في الجرم الإرهابي واكتشفتم حالات تم اعتقال المرأة فيها كاعتقال زوجة الإرهابي صالح العوفي في وكر الإرهابيين والتي كان في ثلاجة مطبخها رأس الأميركي بول جونسون المذبوح.. ألا يمكن أن تكون مثل هذه النماذج شريكة؟

ـ هناك نساء مغلوبات على أمرهن، ويكن مجبرات من قبل أزواجهن ولا يملكن القرار بيدهن، وهناك من النساء الأمهات والأخوات والزوجات ممن تورطن في هذا الفكر، وكانت لهن مواقفهن الكبيرة جدا في رفض هذه الظاهرة والقيام بالتبليغ، ولا ننسى أن هؤلاء قد استغلوا النساء استغلالا بشعا، إذ كانوا يرتدون الملابس النسائية ويضعون المكياج وأدوات الزينة ويستأجرون المنازل ليضعوا فيها نساءهم وأطفالهم مع الأسلحة، بل هم يتحركون بتحرك نسائي للتمويه، ومن الأكيد أنهم وجدوا مساعدات من النساء سواء في توفير هذه الأشياء لهم أو التخفي بواسطتهن، وقد حصل ضبط لهؤلاء ومعهم نساء استخدمن كغطاء لهم، ولولا يقظة رجال الأمن لما تم القبض عليهم، وقد حقق الأمن نجاحا مذهلا في إجراءات التحقيق سواء مع النساء أو الرجال في كافة التخصصات للوصول إلى الحقيقة.