المجمعات التجارية الملاذ «المنعش» للمصطافين في الداخل

البيت الصيفي للأسر السعودية

TT

اكتظاظ ملحوظ تشهده المجمعات التجارية في معظم مناطق السعودية بسبب ارتفاع درجات الحرارة في هذا الوقت من العام، والتي تجاوزت40 درجة مئوية في مدينة جدة (غرب السعودية)، أجبر هذا الطقس الملبد بالرطوبة العائلات السعودية والمقيمة على قضاء معظم أوقاتها بمراكز وأسواق مدينة جدة (المولات) المكيفة الهواء، التي يصل عددها إلى نحو 180 مركزا منتشرا في أماكن متفرقة من المدينة.

أشهر المجمعات التجارية في جدة تلك التي تحتضنها الشوارع الرئيسية والاحياء الراقية، والتي تأخذ الصبغة الغربية في تصاميمها ووسائل العرض في معظمها، وتلجأ إليها الأسر في الامسيات واليالي الرطبة.

محمد مدني الذي يدير مجموعة من المجمعات التجارية في جدة نفى أن تكون الأسر السعودية تقلد الغرب في هذا المنحى بقوله «في الدول الغربية عادة ما تخصص العائلة يوما في الأسبوع لقضائه في احد المراكز التجارية، وذلك بتوزيع المهام بينهم كأن يقوم رب الأسرة بالتسوق في الهايبر ماركت والزوجة لشراء الملابس والأولاد يتوجهون لأماكن الترفيه والتسلية، والأطفال الرضع تخصص لهم حضانة خاصة بهم تشرف عليها مربيات متخصصات، والشباب يتوجهون عادة إلى دور السينما، ثم يلتقون باحد مطاعم المول لتناول وجبة الغداء ثم العشاء وهذه فلسفتهم». لكن مدني يرى أن هذه الفلسفة أو الثقافة لا ينبغي تقليدها في مجتمعنا لأنه كما يقول «نحن بالكثير نجلس 3 ساعات خاصة إذا كانت السيدة امرأة عاملة».

والقاسم المشترك بين جميع الأسواق العصرية ومراكز التسويق هو أن تلبي جميع حاجات أفراد الأسرة وان كانت أكثرها ترفيهية، فإضافة لضمها عددا من المحلات التجارية التي عادة ما تكون لماركات مشهورة وان لم تكن أوروبية من ملابس وحقائب وأحذية وإكسسوارات، فإنها تخصص دورا كاملا لمطاعم الوجبات السريعة الأميركية والصينية والمكسيكية وأخيرا الهندية والبخارية، أما الجلسات المخصصة لتناول الوجبات فعادة ما تجلس عليها الخادمات الاندونيسيات وبجوارهن عربة بها طفل رضيع وتلم هي بقية الكراسي بعدد أفراد من تخدمهم إلى أن ينتهوا من جولتهم في السوق، وبجوار تلك الجلسات يخصص ركن ترفيهي للصغار وتكون بمثابة قرية إلكترونية عامرة بألعاب كهربائية وإلكترونية حديثة وأحيانا تضم القرية صالة للتزلج الجليدي.

وبين صفوف المحلات التجارية عادة ما تجاورهم المقاهي (الكوفي شوب) الذي يجذب المتسوق برائحة القهوة الفرنسية أو الموكاتشينو أو الكابيتشينو بنكهاته المختلفة، وما أن يختار قهوته حتى تخضع حواسه لقطعة من الدونات الأميركية أو السنابون بالقرفة ثم يجلس على إحدى مقاعد المقهى حاملا صحيفة، بينما تراقب عيناه شاشة التلفاز التي تعرض الأخبار الاقتصادية وأحوال سوق الأسهم، وبينما أطفاله يختارون كرة من الايس كريم أو قرطاسا من الفشار والسناك ويعودون بها إلى قريتهم الترفيهية.

كبار السن والمتقاعدون وجدوا أيضا ملاذا في هذه الأماكن، سواء كانوا بصحبة أهلهم وأبنائهم أو مكتفين بخادمتهم وسائقهم، فهم أيضا تتشبع أعينهم من المناظر التي تحيط بهم أو الأشخاص الذين يحملون أكياسهم ويسيرون من مكان لآخر، مكتفيين بقراءتهم لصحيفة، وشرب قدح من الشاي الخالي من السكر، خاصة بعد أن قاس نسبة سكره في دمه من خلال الأجهزة الصحية الخاصة بالقياس التي تملأ أركان المول.

الشباب السعودي الذي كان ممنوعا من التجول في تلك الأسواق، سمح لهم أخيرا بدخولها والتجول بها مثلهم مثل السيدات كانوا بمفردهم أو مع عائلتهم، لأنه صار من الضروري كما يقول أصحاب المولات بجدة «أن يتعلموا ثقافة السوق وأنه ليس مرتعا للغزل والمعاكسات، كما انه من حقهم التنفيس خاصة في مجتمع محافظ لم يجدوا ما يريدونه».

ويقول طلال الزايدي المدير التنفيذي بمركز جمجوم التجاري «أصبحت هذه المولات بيتا آخر للسعوديين»، والزايدي يفرق هنا بين مصطلح مركز تجاري ومول تجاري قائلا «إن المركز عادة ما يضم مكاتب خدمات أو غيرها من المكاتب، بينما المول عبارة عن سوق لكن بمفهوم عصري» ويضيف «المفهوم الجديد لثقافة أي مركز او مول تجاري هو أن تضم فنادقا أيضا، وهذا متمثل في الفيصلية والمملكة بالرياض فقط».

وحول التشابه الشديد بين تلك الأسواق خاصة في ديكورها وفي أسماء المحلات التجارية والمطاعم أيضا يقول مدني «انه من باب التنافس، فالتضخم الحاصل في عددها هو ظاهرة صحية لأننا كاقتصاديين نعلم انه بعد 5 سنوات ستغلب شريحة الشباب على جميع فئات العمر، ومن هنا لا بد من توفير كل متطلباتهم، أما حول التشابه فهذا خطأ يقع على عاتق أصحابها، فقد صار كل من يملك فيلا أو قطعة ارض على شارع عام يحولها إلى مول بهدف الاستثمار السريع دون أي دراسة أو هدف».

وتختلف أهداف إنشاء تلك الأسواق حسبما يراها أصحابها، هناك من يفضل أن يكون زبائنه من طبقة الـA أي الطبقة المخملية من المجتمع، فيؤجر مواقعه للماركات الأوروبية وخاصة الإيطالية والفرنسية وكذلك يتيح لزبائنه المدللين أن يذوقوا طبقا من الباستا الإيطالية أو البيتزا من احد مطاعم الخمس نجوم، أو طبقا من السوفليه بالشكولا الفرنسية أو طبقا من السيشو الصيني أو الياباني وللفت الانتباه يذكرون هؤلاء بآخر ما توصلت إليه إكسسوارات الجوالات من فصوص ماسية أو من أحجار كريمة.لكن عادة تلك المولات لا تضم ركنا ترفيهيا للأطفال ربما لأن طريقة التعامل مع الطفل الثري صعبة أو لأنه متوفر كل ما لديه فلن يلبي طلبه سوى قرية ديزني لاند.

وهناك من يفضل طبقة الـB وc ليتحول المركز إلى كرنفال من الأذواق المختلفة والمختلطة في كل شيء ابتداء من المطاعم وانتهاء بالملابس وعادة ما تكون وجهة المصطافين بشكل عام ومكانا للتنفيس وللقاء الأصدقاء.

وما صار يميزها في الآونة الأخيرة هو مصادقتها للهايبر ماركت أكثر من السوبر ماركت وهذا ما يتفق معه انس الصيرفي صاحب احد المولات الكبرى في جدة ويقول« لا بد من التغيير والتطوير في كل شيء، فالهايبر ماركت صار سوقا بحد ذاته وهذا ما هو معمول به في أميركا خاصة ووجدناها تجربة ناجحة بكل مقاييسها حينما خصصنا ربع مساحة المول إلى هايبر ماركت شهير».وتبقى مولات السعودية هي الوحيدة في العالم الخالية من ادوار السينما، واستبدلوها بشاشات تلفزيونية ذات الـ40 أو الـ50 بوصة لتعرض المحطات الفضائية بين أروقة (المول).