السعوديون يشربون مليون ليتر شاي يوميا

الحربي لـ«الشرق الأوسط»: نستورد سنويا 11 ألف طن بإجمالي 228 مليون ريال

TT

من المرجح أن يكون كوب الشاي غير بعيد عنك الآن، وأنت تقلب صفحات جريدتك المفضلة، فهذا المشروب ظل وعلى مدى قرون طويلة أهم مؤشر لقياس (مزاج) سكان الأرض، وربما هو أشهر نكهة اخترعها الإنسان لتغيير مذاق الماء عديم اللون والطعم والرائحة.

وشجرة الشاي تبقى خضراء اللون على مدار السنة ويمكنها أن تصل في حالتها الطبيعية إلى ارتفاع بين 5 إلى 10 أمتار ولكن المزارعين يقلمونها باستمرار حتى لا يزيد ارتفاعها على المترين بقصد تقويتها وزيادة أوراقها وتسهيل عملية القطف وتتميز أوراق الشاي بأنها رمحية ذات حافة مسننة وتحتوي على عدد وفير من الغدد الزيتية وأزهارها بيضاء أو قرمزية وتعمر شجرة الشاي ما بين 25 إلى 50 سنة.

ويعود منشأ الشاي الأصلي إلى المنطقة المقفرة الجبلية الواقعة عند حدود بورما والهند والصين، حيث تنمو نبتته الأصلية المعروفة علميا باسم (كاميليا سنسز) ويقال إن إمبراطور الصين شين نوج هو الذي اكتشف الشاي قبل الميلاد بـ 3254 سنة فبينما كان يجمع من غصن شجرة الشاي زهورا يغليها بالماء لصبغ بعض الأقمشة سقطت أوراق من الغصن في الماء فتغير لونه فأعجبه اللون وذاق الماء فاستساغ الطعم وشرب منه وشعر بأنه أحسن حالا وأكثر نشاطا فكان أول من شرب الشاي وأخذ فيما بعد يشربه مع حاشيته فانتشر شربه وانتشرت زراعته.

يذكر أن الشاي وصل إلى منطقة الخليج في بدايات القرن التاسع عشر من الهند، حيث ان الشاي دخل إلى ميناء جدة في القرن التاسع عشر، أي بعد دخول القهوة بنحو 3 قرون، وأصبح منافساً لمشروب البن في المقاهي، ثم بدأ ينتشر الشاي في المنازل والمكاتب في السعودية، بل أصبح المشروب الوحيد تقريباً الذي تقدمه المكاتب التجارية لزوارها ومرتاديها، كما أن الأمهات يستعملنه لخواص علاجية أصبحت معروفة شعبياً، فكمادات الشاي الدافئة لا تزال هي أول الحلول وأنجحها لتخفيف التهابات العين واحمرارها، وذلك لخواصه القابضة، وهي نفس الخواص التي تجعله مفيداً في حالات الإسهال، وتجد في مراكز التسوق في وقتنا الحالي أقساماً كبيرة للشاي لكثرة العلامات التجارية المتعلقة بالشاي وأنواعه، من الناعم والخشن والأكياس والأخضر والمعطر، فليس هناك حد لعدد النكهات التي يفضلها مستهلكو الشاي في السعودية، وإن كان النعناع هو الغالب إلا أن هناك من يضيف الحبق والليمون والقرنفل والزنجبيل والقرفة وغيرها من الأعشاب والزهور العطرية، بل والفواكه في بعض الأحيان.

وقد أظهرت الدراسات في حجم استيراد وإنتاج الشاي أن الإنتاج العالمي من الشاي يبلغ نحو ثلاثة ملايين ومائة وخمسين ألف طن في السنة أما بالنسبة لاستهلاك الشاي بمنطقة الشرق الأوسط فيقدر بنحو 70 ألف طن، تستهلك منها السعودية وحدها نحو أحد عشر ألف طن، منها سبعة آلاف طن معبأة محلياً، ويقدر ما يشربه السعوديون من الشاي يومياً بأكثر من مليون ليتر، ينفقون عليها سنوياً نحو ثمانمائة ألف دولار. غير أن السعودية تستورد من الشاي أكثر من ذلك بكثير، لأن القسم الأكبر مما تنتجه مصانع التعبئة فيها يصدر إلى الخارج، خاصة للدول العربية، فهناك ستة مصانع لتجفيف وتعبئة الشاي في السعودية بإجمالي تمويل181مليون ريال وعماله وصلت إلى 480 عاملا، تتركز أربعة منها في جدة، وواحد في الرياض، والآخر في الأحساء وتنتج هذه المصانع نحو ثلاثة وعشرين ألف طن من الشاي، منها سبعة آلاف للاستهلاك المحلي، أما الباقي وهو نحو ستة عشر ألف طن فتصدره للخارج، وكون الشاي لا يتم زراعته بالسعودية فإنها تعتمد على الاستيراد من الخارج.

ويذكر محمد الحربي أحد وكلاء استيراد الشاي بالسعودية أن السعودية تستورد سنويا ما متوسطه نحو11ألف طن وبإجمالي فاق الـ 228 مليون ريال، ويعتبر الشاي الأسود من أكثر أنواع الشاي استيرادا، حيث بلغ حجم المستورد عام 1999م 9954 طنا، وبقيمة إجمالية تفوق الـ 228 مليون ريال، وبالنظر إلى سعر الطن فسنجد أن الشاي الأسود هو الأغلى، حيث يبلغ سعر الطن الواحد 21.764 ريالا في مقابل 15358ريالا للشاي الأخضر، ويتمركز متذوقو الشاي الأخضر لدى فئة معينة من السكان بالسعودية، أغلبهم من المغاربة والتوانسة أو جنسيات أخرى محددة، أما الفئة الأغلب فتتذوق الشاي الأسود.

ويضيف الحربي أن أغلى شاي موجود في السوق السعودي هو الشاي المصري، فيعتبر من أغلى أنواع الشاي، حيث يبلغ سعر الطن الواحد أكثر من51 ألف ريال، وقد يرجع ذلك إلى طبيعة الشاي المصري ذات الرائحة المتميزة، ثم يأتي الشاي الإنجليزي وبقيمة تزيد على 35 ألف ريال للطن، ثم الشاي العماني وبقيمة 27 ألف ريال للطن، ثم الأميركي وبقيمة 22 ألف ريال للطن، ويبلغ سعر الطن من الشاي الهندي نحو 21 ألف ريال، ويعتبر الشاي الصيني والسيرلانكي هو الأرخص ويبلغ سعر الطن منه نحو 12ألف ريال للطن.

ويذكر فاضل السهلي احد محبي شرب الشاي في السعودية أن الشاي يتم شربه طوال النهار والليل، وليس له توقيت محدد والمجتمع السعودي من محبي شرب الشاي، ويعتبر تقديمه نوعا من أنواع الكرم و حسن الضيافة، لذلك نشاهد نموا متسارعا لسوق الشاي في السعودية. وتقتصر فوائد الشاي على المادة الموجودة فيه والمسماة (شايين) الشبيهة (بالكافين) العنصر الفعال للقهوة أما الرائحة الخاصة فتأتتي عن الزيت الطيار الموجود في الأوراق أو عن بعض الروائح التي تضيفها المعامل أحيانا إلى الأوراق لتزكي رائحتها والشايين مادة منبهة للأعصاب مقوية للقلب والذاكرة إذا لم يفرط المرء في استعمالها وشرب الشاي ضمن الحدود المقبولة يجنب الإنسان الكثير من المضار وفي الشاي أيضا ماده التيوفيلين المقوية للقلب والمدرة للبول بآن واحد وفي الشاي عنصر الكالسيوم بكثرة كما أن فيه مادة الاكسالات والحماضات وهما مادتان نافعتان للإنسان إذا أخذتا بمقادير محددة وبخاصة الكالسيوم الهام لتكوين العظام والأسنان ويفيد الشاي في بعث النشاط الكأمن في الجسم وفي معالجة الصداع، خصوصا صداع المراقين والمصابين بالرعن (ضربة الشمس) وهو هاضم إذا اخذ بعد الطعام بثلاث أو أربع ساعات على أن يكون خفيفا مرققا وإلى جانب هذا تقول أبحاث حديثة إن الشاي غني بالفلورايد وهو معدن يضاف إلى مياه الشرب لوقاية الأسنان من التسوس وقد أثبتت التجارب التي أجريت على الفئران أن الشاي كان عاملا مساعدا في الوقاية من تسوس الأسنان.

وتأتي أضرار الشاي عن المادة القابضة الموجودة فيه فهي علاوة على أنها تسبب الإمساك والقبض فهي تشكل طبقة على الغشاء المخاطي للمعدة والأمعاء إذا شرب قبل الطعام فتتحول دون إفراز العصارات الهاضمة اللازمة لهضم الطعام بعد تناولة فيسوء الهضم ولا يمتص الجسم أغذيته جيدا ومن الأضرار انه يساعد على تشكل حصوات الكلى والرمال البولية لغناه بمادتي الكالسيوم والاوكسالات وبخاصة للمرضى الذين لديهم استعداد لذلك والشاي إذا اخذ بعد الطعام مباشرة فإنه يحول دون امتصاص مادة الحديد في الجسم وانتفاعه بها وهي مادة لا بل ريب مهمة جدا، خصوصا للنساء الحوامل وأخيرا فإن الإكثار من شرب الشاي مؤذ لبعض الأشخاص الذين لديهم تقبل للسمنة والبدانة ولتوليد الحصيات لأنه يسبب عندهم خللا في احتراق الأغذية وبالتالي تراكم الرمال وترسبها في الجهاز البولي. ومعروف انه لكل شعب طرقه الخاصة وعاداته المتميزة في شرب الشاي وإعداده، ففي روسيا يشربونه ممزوجا بالليمون ويشربه بعضهم بإضافة صفار البيض مع السكر ثم خلط الجميع لتمتزج العناصر الثلاثة ويرون انه من الأفضل شرب الشاي بإناء البورسلين لما له من خاصية مدهشة في الحفاظ على طعم المشروب وعطره، ويشرب أهالي التبت الشاي بعد خلطه جيدا بالملح والزبدة لئلا يصابوا بالبرد وقد يصل ما يحتسيه الأفغاني من الشاي خلال الساعة الواحدة إلى 15كوبا وفي الصين شاي يسمى الياسمين يشربه الصينيون من غير إضافة سكر على الإطلاق وهو يمتاز بنكهة ورائحة عطرية تغري بشرب اكبر قدر منه، وفي تركيا يعدون الشاي في إبريق صغير جدا ويضعون فيه مقدارا كبيرا من أوراق الشاي ويغلونه في قليل من الماء وفي وعاء آخر يغلون ماء كثيرا ويقدمون الشاي لكل شارب كما يريد بتغير التركيز بصب الماء المغلي عليه، وفي جمهورية التشيك يؤكل مع شرب الشاي نوع لذيذ من الكعك، أما اليونانيون فلا يشربون إلا الشاي الأخضر يضيفون عليه كمية كبيرة من النعناع مع كثير من السكر وفي زواجهم يهدي العريس إلى عروسه هدايا كثيرة من بينها الشاي.

ويعتبر الشعب الليبي أكثر شعوب العالم شربا للشاي الأسود، ويشربه الإيرانيون بوضع قطعة من السكر في الفم ثم احتساء الشاي بعدها، أما نحن معشر العرب فلنا طريقتنا المعروفة في شرب الشاي ويحسن بعضنا نكهته ومذاقه بإضافة بعض المواد كالنعناع والحبق والميرمية والبابونج والزهراوات وغيرها.