المفتي: صلاة التراويح من سنن النبي والسعودية لم تبتدع باطلا لتدخله في الدين

ردا على ما نشرته صحيفة «السياسة» الكويتية

TT

استغرب الشيخ عبد العزيز آل الشيخ مفتي عام السعودية، الدعوة لإيقاف صلاة التراويح في الحرم المكي الشريف طوال شهر رمضان المبارك، والطعن في مشروعيتها، موضحا أن «التراويح» من سنن النبي عليه الصلاة والسلام.

وجاء رد سماحة المفتي، على ما نشرته إحدى الصحف الكويتية في 26 مايو (أيار) 2006، حيث فند المزاعم التي تدعي أن الدولة السعودية أحدثت بعض الأمور في المشاعر المقدسة أو الشعائر الشرعية، وعده «أمرا باطلا»، مؤكدا أن هذا الطرح بمثابة «غمز» في الدولة، التي تحرص على ما سار عليه السلف الصالح، منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وخلفائه الراشدين رضي الله عنهم أجمعين، وما عليه أئمة الدين، وقال المفتي مشددا «لا يوجد شيء مبتدع في العهد السعودي، سواء في المشاعر أو في الشعائر». وفي ما يلي نص البيان التوضيحي:

«الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد. فقد اطلعنا على ما نشرته صحيفة السياسة الكويتية في 26 مايو (أيار) 2006، تحت عنوان «ايقاف صلاة التراويح»، وتعرضت فيه لعدة أمور أهمها ما يلي:

أولا: ذكر اتفاق العلماء والفقهاء والمؤرخين على أن أول من جمع صلاة التراويح في جماعة هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه. ثانيا: ذكر اتفاق العلماء والمؤرخين على أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم لم يجمعها في جماعة. ثالثا: ذكر أن صلاة التراويح والقيام تسبب الازدحام حول الكعبة والتدافع ونحو ذلك. رابعا: الطلب من هيئة كبار العلماء الاجتماع لاتخاذ قرار بايقاف صلاة التراويح والتهجد في المسجد الحرام، وتبرير ذلك بأن مكة المكرمة كلها حرم، وأن صلاة التهجد لم تصل في جماعة بالمسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف إلا في العهد السعودي.

خامسا: ان أهل مكة حين يصلون في الحرم يسببون مضايقة للمعتمرين والزوار الذين عانوا مشقة السفر في سبيل القدوم لاداء العمرة. سادسا: الدعوة إلى توزيع أئمة المسجد الحرام على المساجد الكبيرة في مكة لتقام صلاة التراويح بها بدلا من اقامتهم لها في المسجد الحرام. سابعا: إن المراد هو تفريغ المسجد الحرام لاداء صلاة العشاء والطواف بالكعبة المعظمة والسعى بين الصفا والمروة من دون ازدحام ولا فوضى أو مشكلات وحتى يتم القضاء على ظاهرة حجز الأماكن بالمسجد الحرام أو بيعها أو تأجيرها بوضع السجاجيد.

وبعد تأمل المقال رأيت أن أكتب توضيحا يبين للكاتب وللقراء الكرام حقيقة الأمر وذلك من وجوه:

الوجه الاول: أصل جمع الناس على صلاة التراويح كان في عهد النبي، صلى الله عليه وسلم، وذلك لما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد فصلى رجال بصلاته فأصبح الناس فتحدثوا فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال: «أما بعد، فإنه لم يخف علي مكانكم لكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها» هذا لفظ البخاري، وفي رواية له بزيادة «وذلك في رمضان». وفي رواية عند أبي داود عن أبي ذر قال: صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان، فلم يقم بنا شيئا من الشهر حتى بقي سبع فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل فلما كانت السادسة لم يقم بنا فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل فقلت: يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة، فقال «إن الرجل اذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة»، قال فلما كانت الرابعة لم يقم فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح قال: فقلت: ما الفلاح؟ قال: السحور ثم لم يقم بنا بقية الشهر، قال ابن حجر رحمه الله لما ساق الحديث وشرحه: وفي حديث الباب من الفوائد «غير ما تقدم» ندب قيام الليل ولا سيما في رمضان جماعة، لأن الخشية المذكورة أمنت بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك جمعهم عمر بن الخطاب على أبي بن كعب، انتهى المقصود من كلامه رحمه الله. فأصل صلاة التراويح في جماعة ثابت من سنة النبى صلى الله عليه وسلم، الا أنه عليه الصلاة والسلام لم يواظب عليها خشية أن تفرض على الأمة، فلما توفي صلى الله عليه وسلم، وانقطع الوحي وأمنت خشية فرضية صلاة الليل في جماعة، جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فجمع الناس عليها وجعل امامهم أبي بن كعب رضي الله عنه. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما قيام رمضان فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنه لأمته وصلى بهم جماعة عدة ليال وكانوا على عهده يصلون جماعة وفرادى، لكن لم يداموا على جماعة واحدة لئلا تفرض عليهم، فلما مات النبى صلى الله عليه وسلم استقرت الشريعة، فلما كان عمر رضي الله عنه جمعهم على إمام واحد وهو أبي بن كعب، الذي جمع الناس عليها بأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وقال ايضا رحمه الله: وقيام رمضان قد سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن الله قد فرض عليكم صيام رمضان وسننت لكم قيامه». وكانوا على عهده صلى الله عليه وسلم يصلون أوزاعا متفرقين، يصلي الرجل وحده ويصلي الرجل ومعه جماعة جماعة، وقد صلى بهم النبى صلى الله عليه وسلم جماعة مرة بعد مرة وقال: ان الرجل اذا صلى مع الامام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة لكن لم يداوم على الجماعة، كالصلوات الخمس خشية أن يفرض عليهم، فلما مات أمنوا زيادة الفرض فجمعهم عمر على أبي بن كعب. وبهذا يتبين أن دعوة الاتفاق المذكورة في صدر المقال غير صحيحة.

الوجه الثاني: الطلب من هيئة كبار العلماء الاجتماع لاتخاذ قرار بايقاف صلاة التراويح والتهجد في المسجد الحرام، فلي معها وقفات.. الوقفة الأولى: التقدير للكاتب في أصل الطلب وأن الواجب الرجوع الى أهل العلم في مثل هذه الأمور.

الوقفة الثانية: كنا نؤمل في الكاتب أن تكون كتابته هذه إلى الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء أو الينا في مكتبنا بالرئاسة العامة للافتاء، لا أن تكون عن طريق الصحافة، خصوصا أن الكاتب يعلم أن مثل هذه الصحف يقرأها المتعلم والعامي ومن لا يدرك أبعاد الامور، فالقضايا الشرعية العامة لا تطرح بمثل هذا الطرح. الوقفة الثالثة: من الأدب مع العلماء طرح الاشكال عليهم وهم المرجع في التحقق من الإشكال، فان وجد أنه اشكال واقعي يستحق النظر درسوه فبحثوا عن الحل الشرعي المناسب، كما قال تعالى «واذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم»، أما أن نطلب منهم أن يتخذوا قرارا نحدد لهم معالمه ونلزمهم باصداره فهذا لا يليق كالقول: «إن من المفروض أن يجتمع كبار علمائنا بهيئة كبار العلماء لاتخاذ قرار بإيقاف صلاة التراويح أو القيام والتهجد في المسجد الحرام من أول يوم رمضان».

الوجه الثالث: أما دعوى الزحام أو القصد الى تفريغ المسجد الحرام لأداء صلاة العشاء والطواف بالكعبة المعظمة والسعى بين الصفا والمروة، فإن الزحام اذا وجد في المواسم فإنه لا يرفعه ترك التراويح، بل سيبقى لأن من قصد المسجد الحرام سيبقى طائفا أو تاليا أو عاكفا أو مصليا، والحرم انما وضع لذلك يقول الله عز وجل «واذ بوأنا لابراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود»، قال ابن كثير رحمه الله: وقد اختلف الفقهاء أيهما أفضل الصلاة عند البيت أو الطواف به، فقال مالك رحمه الله: الطواف به لأهل الامصار أفضل، وقال الجمهور: الصلاة أفضل مطلقا. وفى سنن أبى داود وابن ماجة وغيرهما، عن جبير بن مطعم رضي الله عنه يبلغ به النبى صلى الله عليه وسلم قال: «يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا يطوف بهذا البيت ويصلي أي ساعة شاء من ليل أو نهار». والمقصود أن منع الناس من صلاة التراويح في المسجد الحرام لأجل تفريغه للطائفين تحكم لا يسنده الدليل، ثم ان المسلمين لا يزالون يصلونها في المسجد الحرام منذ قرون، فقد أخرج الفاكهي بسنده إلى عكرمة بن عمار قال: أمنا عبد الله بن عبيد بن عمير في المسجد الحرام وكان يؤم الناس فكان يقرأ بنا في الوتر بالمعوذات يعني في شهر رمضان. وقال في نفس السياق: وقال بعض أهل مكة: كان الناس بمكة في قديم الدهر يقومون قيام شهر رمضان في أعلى المسجد الحرام تركز حربة خلف المقام بربوة فيصلي الامام دون الحربة والناس معه، فمن أراد صلى ومن أراد طاف وركع خلف المقام، ثم استرسل في ما أقره خالد القسرى بعد، وذكر ذلك الازرقي بأتم من سياق الفاكهي وأن خالدا القسري هو أول من أدار الصفوف حول الكعبة لما ضاق عليهم أعلى المسجد، فلما قيل له: تقطع الطواف لغير المكتوبة، قال: فأنا آمرهم يطوفون بين كل ترويحتين سبعا، الى اخر ما ساق في خبره، والمقصود أن صلاة التراويح جماعة في رمضان حول الكعبة أمر معهود منذ زمن قديم، ومن تتبع تواريخ مكة وكتب التراجم والرحلات علم ذلك واجتمع له عدة ممن أموا الناس في قيام رمضان بالمسجد الحرام. أما ما ذكر من أن المسجد الحرام يشمل حدود الحرم جميعها فهذا حق ونحن نقول به ونقول ان التضعيف الوارد في الحديث يشمل جميع الحرم بدلالة قول الله تعالى «يا أيها الذين أمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا»، ولكن هذا لا يبرر ايقاف صلاة التراويح في الحرم ومنع المصلين من صلاة القيام في الحرم.

وقبل أن أختم هذا البيان والايضاح أحب التنبيه الى أمر مهم وهو قول الكاتب «وإن صلاة التهجد لم تصل في جماعة بالمسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف الا في العهد السعودي، والمقصود بصلاة التهجد في هذا السياق هو صلاة القيام في جماعة في رمضان وتصلى آخر الليل، بعد أن يصلي الناس أول الليل شيئا من التراويح ثم ينصرفون للراحة أو العشاء ليتقووا على صلاة الليل وهذا في العشر الأواخر».

والاصل في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر من رمضان، تقول عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا دخت العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وجد وشد المئزر،أخرجه مسلم. فالعشر الأواخر من رمضان لها مزيد فضل على غيرها من الليالي لفضلها، ولأن ليلة القدر فيها، فالاجتهاد فيها مطلوب.

وأما دعوى أن العهد السعودي هو الذي بدأ بذلك فهذا باطل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، كما مر معنا في أول هذا الإيضاح قد صلى بالناس في العشر الأواخر أربع ليال، كان آخرها إلى قريب الفجر حتى خشوا فوات الفلاح وهو السحور، فهذا هو الأصل، وفى هذا السياق أحب أن أنبه الى أمر مهم وهو أن بعض الكتاب ما فتئوا يذكرون أشياء في المشاعر المقدسة أو الشعائر الشرعية ويزعمون أن الدولة السعودية هي التي أحدثتها، وهذا غمز في هذه الدولة السلفية التي حرصت على السير على ما سار عليه السلف الصالح من عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين وبقية الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وما عليه أئمة الدين، ولم يوجد في العهد السعودي لا في المشاعر ولا في الشعائر شيء مبتدع ولله الحمد والمنة وهذا من فضل الله تعالى على حكام هذه البلاد المباركة، وانما هم حريصون أشد الحرص على السعي في التسهيل على الحجاج والمعتمرين والزوار بالتوسعة والتكييف وشق الطرق وعمل ما من شأنه تسهيل القيام بالشعائر مع المحافظة على المشاعر. هذا ما نشهد الله عليه مما علمناه من حكام هذه الدولة أدام الله بعز الاسلام عزها».