موقف الملك عبد الله من «التصنيفات الفكرية».. سابقة في تاريخ الخطاب السياسي

TT

مع مرور عام على بيعة الملك عبد الله ملكاً للمملكة العربية السعودية، تحضر الكثير من الإنجازات والمواقف التي احتضنها ملك الإنسانية في جميع المجالات، وقد كان خطابه التاريخي الذي اتسم بالعفوية والمباشرة فيما يخص نبذ التصنيفات الفكرية ـ التي انتشرت بين عامة الناس مع بداية التسعينات ـ أحد الأحداث البارزة التي ساهمت في إرساء دعائم الوحدة الوطنية، خاصة بعد الجدل الكبير الدائر حول هذه التصنيفات الفكرية.

والملك عبد الله دائماً ما يكون كالوالد الحاني، من خلال مواقفه الإنسانية وخطاباته البليغة، كونه يسعى ـ دائماً ـ لغرس مبادئ الدين والوطنية داخل أبناء الشعب، بعيداً عن مسالك العنف والتطرف، محاولاً توحيد أفكارهم وجمعهم تحت راية الوطن الواحد، ليغلق الباب بصورةٍ نهائية أمام الأقطاب المُتنافرة التي لا تلبث أن تنشط في دك الصفوف عبر بوابة التيارات الفكرية المتناحرة في كتابات بعض الصحف المحلية وساحات الحوار الإلكترونية. وقد جاء خطاب الملك عبد الله التاريخي والذي ألقاه في احتفال أهالي القصيم احتفاءً بزيارته الكريمة للمنطقة في الخامس عشر من يونيو (حزيران) عام 2006، ليشكل علامة سابقة في تقاليد الخطاب السياسي السعودي، والذي قال فيه: «سبق لي أن قلت وأكرر أمامكم الآن أن هناك أمرين لا يمكن التساهل فيهما وهما شريعتنا الإسلامية ووحدة هذا الوطن، وأصارحكم القول إنني أرى أنه لا يتناسب مع قواعد الشريعة السمحة ولا مع متطلبات الوحدة الوطنية أن يقوم البعض بجهل أو بسوء نية بتقسيم المواطنين إلى تصنيفات ما أنزل الله بها من سلطان، فهذا علماني.. وهذا ليبرالي.. وهذا منافق.. وهذا إسلامي متطرف.. وغيرها من التسميات. والحقيقة هي أن الجميع مخلصون ـ إن شاء الله ـ لا نشك في عقيدة أحد أو وطنيته حتى يثبت بالدليل القاطع أن هناك ما يدعو للشك لا سمح الله». وقد طالب الملك عبد الله كافة المواطنين وطلبة العلم والصحافيين بنبذ التصنيفات الفكرية، لما أدركه بحكمته البالغة من أثر هذه التصنيفات في بث الفرقة وتمزيق وحدة الصف بين أبناء الوطن الواحد، بقوله: «إنني أطلب من المواطنين كافة وطلبة العلم والصحافيين والكتاب خاصة أن يترفعوا عن هذه الممارسات وأن يتذكروا قوله عز وجل «يا أيها الذين أمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون»».

ورأى كثير من المثقفين أن اختيار الملك عبد الله بن عبد العزيز لتوقيت الخطاب التاريخي حكمة بالغة، خاصة بعد أن شكلت هذه التصنيفات الفكرية التي يتبادلها بعض أفراد المجتمع أسلحة للترهيب النفسي المستخدم في الحوار، وأداة لتراشق التهم وإثارة التوتر والحساسية بين أبناء الوطن الواحد، ليدرك الملك عبد الله وبنظرته الثاقبة حجم الأضرار السلبية والخصومات التي خلفتها هذه التصنيفات على المستوى الثقافي والاجتماعي. ويأتي ليقطع الطريق على من يسعى لتفتيت وحدة المجتمع بجهل أو بسوء نية، مؤكداً ضرورة التلاحم بين أبناء الوطن بعيداً عن التشنجات والتصنيفات الآيديولوجية، ومهتماً بتعزيز تماسك وحدة أبناء الشعب وتوثيق إحساسهم المشترك باللحمة الوطنية.

وقد سجل التاريخ للملك عبد الله رؤيته الثاقبة في اهتمامه بالبنية التحتية لثوابت الوحدة الوطنية، واختياره الشرخ الاجتماعي ليكون الأسبق بالمعالجة قبل أي شأن تنموي آخر.