كتاب وصحافيون يطالبون بسن قوانين تضمن استمرارية «ربيع الإعلام»

كتاب الرأي الأكثر استثمارا بالمناخ الربيعي

TT

لم يكن خروج وزير الثقافة والإعلام الدكتور إياد بن أمين مدني صبيحة الاثنين الفاتح من أغسطس 2005م على شاشات التلفزيون ليعلن بنفسه نبأ وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، ومبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ملكاً للبلاد، سوى إشارة عابرة لكنها تحمل دلالة عميقة في معناها.

فللمرة الأولى في تاريخ التلفزيون السعودي وتاريخ وزارة الثقافة والإعلام يقوم وزير مفوض بإعلان النبأ شخصيا، هذه الإشارة العابرة التي فهمها كثير من المثقفين والإعلاميين السعوديين ـ ولم يكونوا مخطئين ـ كوعد بأن ربيعاً مشرقاً زاهياً ينتظر الإعلام السعودي، ما لبثت أن تكشفت شيئاً فشيئاً من خلال كلمات وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين لرجال الصحافة والإعلام لتعكس مدى الاهتمام والتقدير الذي تكنه القيادة للإعلام، والدور المنتظر منه، ولتسفر في النهاية عن ربيع حقيقي عاشه الإعلام السعودي خلال عام كامل.

ربيع الصحافة السعودية.. هل يكفي؟

الكاتب الصحافي ورئيس تحرير صحيفة «الوطن» السابق، قينان الغامدي، أحد السباقين إلى الإشارة إلى وجود الربيع الإعلامي السعودي، واتساع هامش حرية التعبير فيه، يؤكد بأن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: كيفية استمرار هذا الربيع دون أن يتأثر بأي ظروف مفاجئة.

ويجيب الغامدي عن السؤال الذي طرحه بقوله «استمرارية هذا الربيع والتي من المفترض أن تكون الشغل الشاغل للإعلاميين لن تتم إلا عبر التقعيد له ومأسسته بوضع قواعد وقوانين تجعل هذه الحرية دائمة، بحيث لا تتجاوز وسائل الإعلام لا على المسؤولين ولا على المواطنين ولا على بعضها بعضا، وفي الوقت ذاته لا يستطيع أي كان أن يتجنى على هذه الوسائل وأن يكذب ما تنشره من غير أي دليل، أي أن يكون لنا قوانين لحرية التعبير والرأي كما في العالم المتقدم».

ويضيف «هذا بالطبع هو دور وزارة الإعلام التي يفترض بها أن تتقدم بمشروع مماثل إلى مجلس الشورى لمناقشته، وأعتقد بأن رغبة القيادة في إعطاء هذا الهامش من الحرية من أجل دعم وتعزيز مسيرة الإصلاح التي بدأها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود منذ كان ولياً للعهد لبسط المزيد من الشفافية والوضوح وتعزيز ثقافة الحوار في المجتمع السعودي، وتوجه وزير الإعلام الجديد الدكتور إياد بن أمين مدني في الإطار ذاته بطبيعة الحال، هي معطيات أفضت جدياً إلى ما يمكن تسميته بالربيع الإعلامي، الذي تزهو به كافة وسائل الإعلام في المملكة مقروءة كانت أو مرئية ومسموعة، وهي تعطي الانطباع بأن الغد يحمل المزيد». إلا أنه يعود ليؤكد بأن الصحافة تحتاج لوقت حتى تستوعب المرحلة، فهي ليست تحت إشراف مباشر من وزارة الثقافة والإعلام لتوجهها إلى الوجهة التي تريدها الوزارة أو القيادة، كما أن الصحف تتراوح في طرحها وفي سقف الحرية المتاح فيها، وهذا يعود بشكل أساسي لقيادات هذه الصحف.

ويركز الغامدي الضوء على واقع المؤسسات الصحافية في السعودية بقوله «واقع كل صحيفة يختلف كثيراً بالاعتماد على قياداتها وعلى أنظمتها والمنهجية المهنية الموضوعة داخلها، فقد يكون هناك خط أحمر في صحيفة ولا يلفت النظر إطلاقا في صحيفة أخرى تبعاً لسقف الحرية والحوار. وأكرر ما قلته مراراً بأن من واجب مجالس إدارة الصحف الوطنية أن تضطلع بدورها الهام في اختيار كفاءات مهنية قادرة على قيادة الصحف، ولم يعد هناك مانع في تغيير المسؤولين ورؤساء التحرير فيها، لكن ما يحدث هو أن مجالس الإدارة عندما ترى بأن توزيع الصحيفة ممتاز ومبيعاتها جيدة في الجانب الإعلاني فإنها لا تهتم كثيرا بعدد السنوات التي قضاها رئيس التحرير، ولا مشكلة هنا إلا أن المشكلة الحقيقية تكمن في بعض الصحف المتردية من ناحية التوزيع ومن الناحية المادية ومع هذا تتمسك بهذه القيادات التي هي السبب الأساسي في تدهور وضعها». ويعتبر الغامدي بأن الربيع الإعلامي الحالي، هو فرصة ذهبية يجب أن يغتنمها الصحافيون، خاصة الناشئين الموهوبين والمؤهلين لإثبات أنفسهم طالما أنهم يتوخون الموضوعية والمصداقية، وسيتيح لهم مناخ الحرية الجديد تنمية خبراتهم وهو ما لم يتح لمن سبقهم من الصحافيين، لكنه يشترط أن تكون هناك قيادات صحافية تقدر مثل هؤلاء وتمنحهم الفرصة ليثبتوا وجودهم في الساحة الإعلامية. محمد العصيمي الكاتب الصحافي ورئيس تحرير مجلة «القافلة» الصادرة عن شركة أرامكو السعودية، بدوره يرى أن مظاهر الربيع الإعلامي السعودي لا تخطئها العين، خاصة لمن عاصر الصحافة السعودية عبر تاريخها، لكنه يحذر من الاستغراق في الوصف الربيعي، بقوله «يجب أن نكون حذرين في توصيف هذا الربيع، فما زلنا ننتظر الكثير كصحافيين، وما زال المواطن ينتظر الكثير من هذا الربيع كذلك».

فمن الجانب الخبري لا يزال المسؤول الحكومي يحتاج إلى المزيد من الشفافية ويحتاج إلى المبادرة لدعوة الصحافيين وإخبارهم بما لديه دون أن يخجل ويتوارى، ويضيف «أما في ما يتعلق بمقالات الرأي، فليس هناك شك بأنها تشهد قفزة نوعية من حيث ارتفاع سقف الحرية والانفتاح، لكن ما أود أن ألفت إليه هو ظاهرة (كتاب الكليب) على وزن مغني الفيديو كليب، فإذا كان كتاب الرأي في المملكة قبل الربيع الصحافي الذي نعيشه حالياً 300 كاتب فإنهم اليوم بدون شك أصبحوا 3 آلاف، ولم يعد غريباً أن نطالع يومياً أسماءً جديدة تكتب في قضايا حساسة، لكن بشكل سطحي وغير معمق، وأنا أتحفظ على هذا الملمح في ربيع الرأي في الصحف السعودية، وإن كنت أظن أن هناك ربيعاً جميلا يشهده هذا الجانب على أية حال».

ويعتبر العصيمي بأن الكاتب الذي يتمتع بحس المسؤولية هو الذي يضع الخطوط الحمراء بنفسه، ولكنها بشكل عام موزعة بين رقابة الكاتب على ذاته ورئيس التحرير في الصحيفة التي يتبع لها، ووزارة الإعلام، لكنه يستدرك منبهاً بأن الحرية الصحافية تضاعفت بشكل كبير مقارنة بالثمانينات، وما ينقصنا هو أن نكون شفافين أكثر في الجانب المتعلق بالأخبار، لأنه ما زال المسؤولون في القطاعين الخاص والحكومي يقيمون الحواجز بينهم وبين الصحافيين، والخبر يأتي قبل الرأي في حرية الصحافة.

وحول ما إذا كانت الصحافة السعودية فاعلة ومشكلة للرأي العام، قال العصيمي: أعتقد أن صحافتنا حققت ذلك في جانب الرأي على الأقل، لكن فيما يتعلق بتعرية وكشف أخطاء الأجهزة الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص فالإجابة هي لا ليست لدينا صحافة فاعلة مع الأسف.

ويرى العصيمي بأن العقبة الكبرى أمام تقدم الصحافة السعودية لا تتعلق بسقف الحرية الذي صار يعلو يوماً بعد يوم، لكنها أزمة تدريب وتأهيل، ويقول: لا توجد صحافة تقدمت في العالم سواء في مستواها التحريري والفني ومن جهة إيجاد محررين متخصصين دون وجود برامج تدريب وتطوير لمهارات الكادر الصحافي وهو ما تفتقر إليه الصحافة السعودية بشدة. ويحذر العصيمي من أنه إذا لم تبادر المؤسسات الصحافية في تدريب كوادرها بشكل صحيح فسوف تظل تعاني من ضعف في المستويات التحريرية ونقل الخبر وفي مستوى التحليل بالذات.

مديرة التحرير بصحيفة «الوطن»، الدكتورة أمل الطعيمي، من جانبها أكدت على الأجواء الربيعية التي تعيشها الصحافة السعودية من جانب اتساع هامش الحرية، وقالت: لم تعد أقلأمنا مقيدة، كما لم تعد عقولنا تتردد في طرح أي موضوع مهما كانت درجة حساسيته، لكننا نطمح فيما هو أكثر. وشددت الطعيمي على ضرورة العمل على استدامة الربيع الإعلامي عبر تقويم بعض نقاط الضعف التي لا تزال قائمة، ويأتي على رأسها الوضع المتردي للصحافيات السعوديات داخل المؤسسات الصحافية والتمييز بينهن وبين الصحافيين الذكور في المعاملة.

وتابعت: نحتاج أيضاً إلى الغربلة في المؤسسات الصحافية لنعرف من هو الصحافي حقاً ومن هو الدخيل، ونحتاج إلى دعم قدرات الصحافيين بالتدريب ذكوراً وإناثاً دون تمييز، كما نحتاج بشدة إلى زيادة وعي المجتمع في التعامل مع الصحافيين فما زال هناك غموض في العلاقة بين الصحافيين ورجل الشارع وقد يكون هذا ناجما عن عدم ثقة وتخوف بأن القلم الصحافي قد يكون هداماً وغير بناء. واعتبرت الطعيمي بأن التغيير والتجديد في منصب رؤساء التحرير سيكون كفيلا بحل أكثر هذه المشاكل.

من ناحية أخرى أكدت الطعيمي على أنه لا خطوط حمراء في الصحافة السعودية، وأنها لا تعدو أن تكون خطوطاً وحواجز وهمية في نفس الصحافيين، وهي حجة الصحافي غير المحترف، وعليه تخطيها، واستشهدت على ذلك بقولها: قبل بضع سنوات لم نكن نستطيع أن نطرح موضوعات مثل الشذوذ الجنسي والانحرافات الفكرية واليوم تزخر صحفنا بمقالات وتحقيقات تتحدث عنها، فالانتقاد هو من باب الحرص على الوطن وهو شاهد على حرصنا على تقويم أي اعوجاج نلمسه كصحافيين، لكن ومع الأسف فإن هناك شريحة تحور أي فكر نقدي للرغبة في الإفساد وأعتقد أن الأوضاع ستتغير بمرور الزمن.

كتاب الرأي.. والربيع! يعتبر الكاتب الصحافي الدكتور حمزة المزيني بأن الربيع الإعلامي السعودي لا يحتاج إلى أدلة فهو واقع معاش بحسب رأيه، ويستدل على ذلك بالموضوعات التي تطرحها الصحف السعودية والمستوى العالي من النقد دون أي تحفظ أو مواربة فيها؛ ويعيد المزيني الربيع الإعلامي إلى عوامل متعددة على رأسها رؤية القيادة السياسية واليد العليا للملك عبد الله بن عبد العزيز في تشجيع الشفافية والانفتاح وحرية الرأي التي تحترم الآخر، إضافة إلى عوامل أخرى منها تغير العالم الخارجي الذي استتبع تغييرا داخليا.

ويرى المزيني بأن مساحة الحرية المتوافرة ليست حكراً على كتاب الرأي كما قد يتصور البعض، وأنها متاحة للصحافيين وكتاب الرأي بالقدر نفسه، إلا أن مستوى التجربة والخبرة والقدرة التعبيرية هي التي تجعل كاتباً أو صحافياً أقدر من غيره على الاستفادة مناخ الحرية السائد، وتخطي الخطوط الحمراء التي ستبقى مهما بلغت درجة الانفتاح، وجرأة الكتاب على الحديث عن قضايا الناس وطرقها بأمانة هي السبيل الوحيد لتقليص الخطوط الحمراء، ويضيف: الكاتب في النهاية هو من يتحدى الخطوط، لأن من واجبه الإسهام فعلياً في توسيع هامش الحرية فيما لا يمس بالثوابت والمقدسات.

وتتفق الكاتبة إيمان القويفلي مع ما ذهب إليه المزيني من تساوي هامش الحرية بالنسبة للصحافيين وكتاب الرأي على حد سواء، وتشدد بأن استثمار مناخ الحرية ودعمه لن يكون إلا عبر استمراريته، وضمانته الوحيدة هي أن تتخلص الصحافة من أي تبعية حتى ولو كانت تبعية وزارة الثقافة والإعلام، وأن تصبح مستقلة ومعتمدة على تمويلها الذاتي، ولها استقلاليتها التي يحميها القضاء بكونه السلطة الوحيدة القادرة على محاسبتها إذا أخطأت.