ربيع حذر تشهده الشاشة الفضية وأثير الإذاعة.. لكن الكلمة الفصل في التغيير

توجيه فكر المتلقي متلازمة لم يتخلص منها إعلام الصوت والصورة

TT

يعيد مراقبون الى أن بشائر بداية التحول الى الربيع الإعلامي الذي شهدته وسائل الإعلام السعودي جاءت خلال كلمة وزير الإعلام إياد مدني التي ألقاها في اجتماع الجمعية العمومية للثقافة والفنون في الرياض في يوم 13 يوليو (تموز) 2005 عندما نفى وجود رقابة من وزارته على الوسائل الإعلامية المختلفة. مؤكدا إن قنوات الإعلام ستكون متاحة للعمل المسرحي وغيره من قنوات التعبير الثقافي، وتمثيل المرأة بإعتبارها جزءا من المشهد الإعلامي والثقافي في البلاد.

ويرى آخرون أن أجواء الربيع التي بدأت تلامس البيت الإعلامي تمثل في فتح المجال للبرامج الحوارية المباشرة، والتي تعد أحد مظاهر الانفتاح والثقة بين الوسيلة ومتابعيها، كونها جسر يصل بين المواطن والمسؤول، يعمق ثقافة الحوار لإرساء قواعد التعددية والقبول بالرأي الآخر.

وتقول دلال ضياء المدير العام المكلف بالبرنامج الثاني في الإذاعة السعودية «نحاول ان نرسي لقاعدة الحوار والتعددية في طرح الآراء».

إلا أن خروج هذه البرامج من شرنقة الشأن المحلي، لتحلق اقليميا ودوليا على المستوى السياسي، كان كفيلا بأن يجعل منها مقياسا يقيس كفاءة الإعلاميين، بحسب رأي مشاعل الشبيلي معدة برامج بالقناة الثانية. وأضافت «تعد البرامج المباشرة اختبارا حقيقيا يقيس مدى كفاءة الإعلامي»، مشيرة إلى أن مناقشة الشأن المحلي السياسي عادة ما يخضع لارتفاع سقف الحرية.

وفي مقابل الإلتزام بارتفاع سقف الحرية، كان فتح النوافذ محاولة لتمرير نسمات هواء تجدد المناخ السائد، مثلتها جرأة الطرح في الموضوعات المتناولة. تقول هناء الركابي المذيعة بالقناة الأولى «أي طرح إعلامي يتطلب جرأة وتعدد مشارب الأسماء المشاركة إنما بموضوعية وهو المأخوذ به حاليا»، مشيرة إلى دور الإعلام الوقائي في وضع الأصبع على مكمن الجرح.

وتقول المخرجة التلفزيونية هيام الكيلاني إن من مظاهر ربيع الإعلام هو تخلص البرامج التلفزيونية من الثوب التقليدي السائد سابقا. موضحة أن مجالات النقاش باتت متعددة، ولم يعد هناك تصنيف ذكوري وأنثوي عند اختيار الضيوف المشاركين في البرنامج. في المقابل تؤكد بثينة النصر المذيعة في قناة الإخبارية أن واقع التطبيق يبرهن على أن اختيار الضيوف يخضع عادة للعلاقات العامة.

من جهته أوضح ياسر العمرو مدير عام البرامج بالقناة أن اعلام الصوت والصورة يتحدث بلغة العاجز من خلال هذه البرامج كونها لا تتطلب مجهودا ولا تمثل عملا حقيقيا مقابل البرامج الوثائقية التي تقوم على حجم معلومات هائل ومصادر حقيقية تتطلب عملا جادا في حين يأتي تقديم هذه البرامج على طبق من الشفافية يعدها البعض أبرز مظاهر الربيع الذي تعيشه الأوساط الإعلامية. تقول دلال ضياء «الشاهد في الربيع الإعلامي يمثله البث المباشر لجلسات الحوار الوطني من دون أي رقابة في مواكبة للتحديات الجديدة». وفي الوقت الذي يجتمع فيه المختلفون على طاولة واحدة في ممارسة لأول طقوس الديمقراطية. أرجعته مشاعل الشبيلي إلى ارتفاع سقف الحرية. الذي أتاح للجميع التعبير، لكن بدون تجاوز الخطوط الحمراء. وإثارة المسائل الطائفية بشكل سلبي. معتبرة إياها معايير يتم تطبيقها في كافة البرامج، إلا أنه ومقابل تطبيق الدرس الأول تنطلق تهمة توجيه فكر المتلقي كرصاصة لقتل الربيع الإعلامي على الرغم من نضج المجتمع الفكري. ولغة الحوار السائدة بين أطيافه، كبرهان على بطلان التهمة كما أشار ياسر العمرو. مؤكدا على صفة المشاركة، بأبعادها الثلاثة الوطني والديني والثقافي، كعنوان للمرحلة الحالية. وعلى الرغم من بعد المسافة بين إبداء الرأي، التي تكفلها حرية التعبير والمواطنة، إلا أن إثارة الغبار عمل مجد أحيانا في بعض القضايا. خاصة ما تعلق منها بالتغيير الذي تعده بثينة النصر بأنه «الكلمة الفصل» وسط حشود المخالفين لك. في المقابل تؤكد هيام الكيلاني أن «تعدد الأطياف ليس هو المشكلة، وإنما طغيان الصوت الواحد». وفي الواقع تتعالى في الأفق أصوات عدة تطالب بتوسيع هامش الحرية في إعلام الصوت والصورة، مقارنه بنظيره في الصحافة المكتوبة.

يقول أحمد العقيلي الإعلامي بالقناة الثانية السعودية «توسيع هامش الحرية في الإعلام أمر أساسي كونه اللاعب الرئيسي في التنوير وإثارة الوعي، في ظل حاجة المجتمع إلى تأسيس حرية الفكر، باعتبار أنه ما زال يفكر بأفق واحد»، مشيرا إلى أن حرية الطرح وجرأته التي يتسع لها ارتفاع السقف الحالي لا تكفي للبعد عن التعصب.

«حواء تحاور» عبارة رددها آلاف السعوديين في الفترة المنصرمة، كون هذه الحواء لم تكن مخولة بتوجيه أي خطاب، سوى لبنات جنسها. إلا أن الربيع الذي لفها بمعطفه المخملي خلال العام المنصرم جعل من وجودها الكثيف عبر أثير الإذاعة ومن خلال الشاشة الفضية مظهرا ربيعيا، لا تمثله إطلالتها الصباحية الموجهة للأسرة فحسب، بل كمحاورة أنيقة لقضايا الساعة أخيرا. إلا أن التحول الأكبر خلال العام كان في اتساع المساحة عبر تغطيات مونديال كأس العالم الأخيرة في ألمانيا.

المخاض الحالي كما وصفته بثينة النصر، يعد فرصة للإعلاميات الشابات، مع وجود الدعم والتشجيع، إلا أن سوق العرض والطلب في مجال الشاشة الفضية، حولت الوزارة إلى مؤسسة تدريبية. مشيرة إلى أن الكثير من المتدربين والمتدربات لا يتوانون في اقتناص الفرص التي تتيحها أمامهم الفضائيات المنافسة. وتساءلت النصر «في ظل ندرة العقود واستحالة الترسيم واقتصار الدفع على نظام التعاون الذي ليس فيه أي ضمانات مهنية، فمن يلومهن وزملائهن الشباب على التحليق خارج شاشة البيت السعودي؟». وتشير هيام الكيلاني الى أن عجلة التغيير والتطوير المدفوعة بعزيمة القائمين على الإعلام، وعلى الرغم من وجود الحرس القديم، إلا أنها استطاعت توظيف الهامش المتاح، لخدمة مصالحها المستقبلية للمحافظة على مكتسبات وان بدت قليلة، إلا أنها تعد منجزا حصده الإعلاميون خلال عام.

وفي ظل التخوف من تحول الربيع إلى خريف شاحب، بفعل مقص الرقيب الاجتماعي، وحائط البيروقراطية، في محاولة لوضع العصي في الدواليب. الأمر الذي يصعب استمرار فصل الربيع، بحسب كلام هناء الركابي، مشيرة إلى أن ضمانة استمرار الربيع، يجسدها احترام قيم الآخر حتى لا يحجب المدى الأخضر.