«صقر العروبة» في الوجدان الشعبي

السعوديون يحبون مليكهم ويجدونه ملبياً لتطلعاتهم

TT

تجوب آلاف السيارات المدن والقرى السعودية الرياض، وهي تزين زجاجها الخلفي بصورة كبيرة للملك عبد الله بن عبد العزيز، كتب تحتها (صقر العروبة)، وإمعاناً في المقاربة، يتم وضع صورة اخرى جانبية لصقر ينشر جناحيه بشموخ.

ولا يعلم متى ومن اين جاءت المقاربة، بين مناقبية الملك عبد الله وبين طائر طالما سماه العرب بالطائر (الحر)، لكن من الواضح أن الاتجاه نحو إسباغ لقب (صقر) على جانب قومي في سيرة خادم الحرمين الشريفين، وهي (العروبة)، تمثل ثيمة متلازمة في عمل الملك عبد الله الذي عرف باحتضانه الهم العربي.

على الصعيد المحلي، هناك اتجاه عفوي لدى اغلبية السعوديين للتعبير عن حبهم لهذا الملك، فالعبارات التي قفزت دون تخطيط لواجهة المشهد، تربطه بالقلب دوماً، وتنسبه للصقر كثيراً، معلوم أن الصقر، أو (الطائر الحر)، اكثر أنواع الطيور الجارحة تشبهاً بالإنسان في قوته وكبريائه وعفته وشجاعته وذكائه. والصقر أيضاً يتصف بالحنان والاستماتة في الدفاع عن حماه بالاضافة لقدرته الفذة على المناورة.

قبل الملك عبد الله لم يعهد السعوديون موقفاً مماثلاً، فهذه الدولة على خلاف بعض البلدان التي تنصب صور زعمائها على نواصي الطرقات، أو فوق زجاج السيارات، أو أعمدة الإنارة، لكن الإتجاه الجارف لاستعارة هذا المشهد وتسويقه جرى بسرعة بالغة وبطريقة شعبية وعفوية، فحين كان الحب عنصراً مستقراً، فإن الذي اختلف هو طريقة التعبير، حيث برزت في عهد الملك عبد الله الطريقة العفوية الشعبية التي يلجأ إليها المواطنون للدلالة عن صدقهم في التعبير عن هذا الحبّ. في جلسات السمر المسائية، تتبادل سيدات طاعنات في السن في القطيف شرق السعودية نتفاً من سيرة الملك عبد الله بكثير من الإعجاب، تقول إحداهن وترتشف الشاي ان زميلاتها يلهجن بالدعاء أن يحفظ الله مليكهم عبد الله ويطيل عمره.

تقول واحدة منهن، أن «الملك يستوطن قلوبنا»، وتضيف، «لا أحد يشك أنه يشعر بحاجات الضعفاء والفقراء من ابناء شعبه»، وترد عليها امرأة أخرى «كلنا نشعر أنه والدنا».

يتمتع الملك عبد الله باحترام بارز على الصعيد العالمي، لكنه في داخل بلده يتمتع بحب شديد، ويشعر الكثير من الطبقات الاجتماعية انه يعبر عن مشاعرهم، ويلامس تطلعاتهم.

وحين يتحول الإعجاب إلى حبّ غامر، تستولي على المخيلة الشعبية روايات وعبارات تختلط فيها مضامين الشهامة والفروسية، وصولاً لتعميق مفهوم البطل الكارزمي.

الشباب السعوديون هم ايضاً مولعون بمليكهم، وينقلون عنه قصصاً تبرز جانباً من طموحاتهم، حيث يتغنون بالعديد من مشاريع المستقبل التي يتحدثون عنها من قبيل اطلاقه لمشروع واعد للابتعاث الجامعي في الدول الغربية استفاد منه اكثر من عشرة آلاف طالب، وعمل دون كلل لتوفير فرص عمل زاهية للشباب.

وبسرعة البرق، أصبح الملك عبد الله قريباً جداً من مشاعر مواطنيه، وبالعديد من اللفتات الانسانية التي اتسم بها، سواء في مجلسه حيث يقرب بنفسه الكرسي للعاجز والشيخ الكبير، أو في جولاته حين يتوقف أمام الأطفال والضعفاء من الناس، ليصافحهم ويداعبهم، أو في بساطته حين ينزل الى الأسواق في المجمعات ليأكل مع الباعة والمتسوقين، أو حين ينزل بنفسه للأحياء الفقيرة في الرياض ليسلط الضوء على معاناتهم، أو حين ينشيء الاسكان الخيري من خلال مؤسسة الملك عبد الله لوالديه للإسكان التنموي، أو مشاريعه في رعاية الشباب وتوظيفهم، أو خطواته الشجاعة في ارساء قيم التسامح والحوار الوطني، أو غير ذلك..

لا توجد فاصلة بين الملك عبد الله وشعبه، لذلك فقد كان قريباً من شغاف قلوبهم، وكان يتحسس تطلعاتهم في تنمية اقتصادية تضمن مستقبلاً أمناً لأبنائهم، وإرساء نظام تعليمي قادر على المنافسة والملاءمة مع خطط التنمية التي تنتظرهم.

من قراراته التي لقيت صدى واسعاًَ يشير الى تواضعه الجمّ، حين أمر بوقف عادة تقبيل الأيدي لكبار المسؤولين، معتبراً انها تضفي سلوكاً غير محبذ في التعامل بين القيادة والشعب.

كما كانت قرارات الملك عبد الله تعكس اهتمامه بالطبقة الوسطى، وحمايتها، ويذكر له السعوديون قراراته التي سعت لاعادة التوازن لسوق الاسهم بعدما عصف بمدخرات الشريحة الواسعة من الناس، كما يذكر له قراراته الأولى لشعبه عندما تولى مقاليد الحكم، حين أمر بزيادة رواتب منسوبي القطاع العام من مدنيين وعسكريين، حيث جاء القرار في وقت انتعاش اقتصادي جراء الزيادة في اسعار البترول، مما اشار الى توظيف هذا الرخاء لصالح المواطنين.

تلى ذلك قراره بتخفيض أسعار الوقود، وهو القرار الذي ادى لانخفاض أعباء المعيشة عن كاهل المواطنين، وتحسين دخلهم.

في جولاته الأولى بعد توليه مقاليد الحكم، سعى الملك عبد الله لارساء مفهوم جديد ينطلق من تكثيف حركة التنمية الاقتصادية وضخ مزيد من الحوافز لرجال الأعمال والمستثمرين، والاهتمام بمشاريع البنية التحتية ومشاريع التنمية الاقتصادية الخدماتية والانتاجية.

ففي زيارته للمنطقة الشرقية في العاشر والحادي عشر من يونيو (حزيران) دشن خادم الحرمين عدداً من المشاريع الصناعية بلغ حجم الاستثمار فيها نحو 82 مليارا و150 مليون ريال، شملت استثمارات للهيئة الملكية وشركة سابك، واستثمارات للقطاع الخاص (بقيمة 18 مليار ريال).

وكان الملك عبد الله بن عبد العزيز قد اعلن عن انشاء (مدينة الملك عبد الله بن عبد العزيز الاقتصادية) برابغ بالساحل الغربي، وهي مدينة ضخمة سيتجاوز حجم الاستثمارات فيها من خلال القطاع الخاص فقط نحو (100) مليار ريال وستوفر أكثر من (30) ألف فرصة وظيفية جديدة.

وفي زيارته لمنطقة حائل، شمال السعودية، اعلن خادم الحرمين الشريفين عن قيام ثاني مدينة اقتصادية تعلن عنها الحكومة السعودية حملت اسم مدينة الأمير عبد العزيز بن مساعد الاقتصادية، بتمويل كامل من قبل القطاع الخاص، يصل الى 30 مليار ريال (8 مليارات دولار)، يدفع على مدة عشر سنوات. وبدأت اعمال التنفيذ في المخططات التفصيلية للمشروع، على ان يتم بدء التنفيذ في الموقع في سبتمبر (ايلول) المقبل.

وأثناء زيارته للمدينة المنورة أمر الملك عبد الله ببناء (مدينة المعرفة الاقتصادية)، وسترفد هذه المدينة حقول البحث العلمي والمعرفة والمعلومات الاقتصادية التي ستساعد المستثمرين السعوديين والمحليين والدوليين للتعرف على الآفاق الاستثمارية للاقتصاد السعودي.

وتبلغ مجموع الاستثمارات في مدينة المعرفة الاقتصادية نحو (25) مليار ريال، وهي قادرة على توفير نحو 20 ألف فرصة عمل جديدة.

حتى في عهد الفهد (رحمه الله)، وحين كان ولياً للعهد، لعب الملك عبد الله دوراً بارزاً في ارساء منظومة من العلاقات الداخلية تقوم على استيعاب الحراك الداخلي والسعي لإحداث تطوير تدريجي، وفسح المجال أمام مختلف الآراء، والسعي الحثيث لتعميم مبادئ المواطنة والحوار.

تمثّل ذلك منذ عام 2003 في انشاء مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، الذي عقد أول ملتقى للحوار الوطني في منتصف يونيو 2003 وشارك فيه 35 معظمهم من رجال الدين والأكاديميين، يمثلون ولأول مرة مختلف الاتجاهات المذهبية في السعودية، وناقش المؤتمر على مدى ثلاثة ايام قضايا الوحدة الوطنية ودور العلماء في ترسيخها. وفي العام التالي اعلن عن قيام الجمعية الوطنية لحقوق الانسان، في التاسع من مارس (آذار) 2004 بهدف العمل على حماية حقوق الانسان وفقا للنظام الاساسي للحكم وما ورد في الاعلانات والمواثيق الخاصة بحقوق الانسان الصادرة عن الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامى والامم المتحدة ومنظماتها المتخصصة بما لا يخالف الشريعة الاسلامية. وفي يونيو 2004 تم الانتهاء من انتخاب أول هيئة للصحافيين السعوديين وفاز بعضويتها 5 من رؤساء تحرير الصحف السعودية، وهي «الرياض» و«الاقتصادية» و«الجزيرة» و«اليوم» و«البلاد»، إضافة إلى نائب رئيس تحرير وكاتب بجريدة «الوطن» السعودية، وصحافيتان (سيدتان) من جريدة «الرياض». وكان اللافت ان الوزارة تخلت عن تعيين ثلث الأعضاء في مجلس الهيئة وطرح جميع المقاعد التسعة للتصويت.

كذلك وفي خطوة اصلاحية اخرى، تم توسيع مشاركة المواطنين في ادارة الشؤون المحلية عن طريق الانتخاب، وذلك بتفعيل المجالس البلدية وفقا لنظام البلديات والقرى على ان يكون نصف اعضاء كل مجلس بلدي منتخبا، وشهدت المملكة منذ بداية العام الماضي 2005، فعاليات التسجيل للانتخابات البلدية.

كذلك كان الملك عبد الله قريباً جداً من الحراك الثقافي المحلي الذي أعقب احداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 حين طفت على السطح مجموعة كبيرة من العرائض والبيانات السياسية بعضها وجهت للحوار نحو الخارج، والبعض الآخر من البيانات استهدف تمتين الجبهة الداخلية السعودية وتشكيل (إنتلجيسيا) تعنى بالشأن السياسي، واقحام النخب الثقافية في الاحداث اليومية.