«البرقع».. من عوالم الموضة والتقليعات إلى عالم الرهاب الاجتماعي

د. البدري لـ الشرق الاوسط: المرأة التي لا تكشف عن وجهها أمام النساء بحاجة لعلاج

TT

أصبح تطور الأزياء الشرقية طرديا في عواصم صناعة الأزياء والموضة وذلك مع تطور باقي الأزياء الأخرى، والمجتمع النسائي السعودي يواكب تلك التطورات عن كثب بل إنه أصبح يطرح عبر شرائحه المختلفة تطورات جديدة وخصوصا فيما يتعلق بارتداء المرأة للحجاب والذي يمكن ملاحظته على البرقع رمز العادات والتقاليد بالنسبة للمرأة السعودية وبذلك يكون البرقع قد ركب موجة الموضة، وهو عبارة عن غطاء تلبسه المرأة على وجهها وذلك للستر والاحتشام كما أنه يستخدم للزينة والتجمل، ويعتبر من أهم القطع الموجودة في الأزياء الشعبية الخليجية عموما، كما أنه موجود في بعض البلدان العربية بأشكال متنوعة، ومسميات مختلفة كعادة الأزياء الأخرى ومن أنواعه البرقع الأحمر وهو أغلى وأجود هذه الأنواع يليه الأصفر فالأخضر من حيث الجودة.

جدير بالذكر أن المرأة في بعض القبائل البدوية، لا يجوز لها سواء كانت عذراء أو متزوجة أن ترفع البرقع عن وجهها، ما لم تكن قد نذرت نذرا كأن يتزوج أخوها أو ولدها وذلك لتحيي هذه المناسبة بالرقص مع الفتيات على أن يقتصر هذا الأمر على الأهل دون الغرباء كباقي نساء القبيلة الأخريات والجارات.

ونتيجة للتعليم والانفتاح على الآخر فقد تراجع قليلا هذا العرف فأضحى ارتداؤه يقتصر عند الخروج كالغطاء واللثمة ورمي الطرحة على الرأس مع إظهار الرقبة وفي حال الدخول إلى الأوساط النسائية فإن غالبية النساء يتخلين عن أي نوع منها مما يثر عدة تساؤلات واستفهامات حول المرأة التي تضرب اللثمة أو ترتدي البرقع أو النقاب داخل الأوساط النسائية الأمنة كمكاتب العمل والمحافل والأماكن العامة المختلفة.

بداية تؤكد هذا العرف السائد السيدة أم رشيد ـ إحدى الكبيرات في السن ـ حيث تقول: «يستخدم البرقع منذ زمن بالنسبة للمرأة للحشمة وهو عادة وتقليد موروث أخذناه عن جداتنا وأمهاتنا لذا كان يعاب على المرأة التي لا تلبسه ولم نكن أصلا نجرؤ على مخالفة ذلك ومن هنا فهو رائج بين النساء المسنات في قبائل معينة بالسعودية والخليج» منتقدة البراقع الحديثة بقولها: «البرقع اليوم أصبح يغري ويلفت الانتباه للبنات سواء من حيث الشكل أو التصميم وبذلك يبتعد كليا عن الحشمة التي لبس لأجلها» وتسرح بالاتجاه الماضي وهي تقول «كانت البنت تضع البرقع على وجهها عند بلوغها ولا تغيره إلا ليلة زواجها حيث تعطى برقعاً يبرز جمالها لزوجها كما أنها كانت لا ترفعه عن وجهها أبدا حتى في بيتها لا تخلعه إلا وقت الصلاة أو إذا أرادت أن تنام وهذا عرف قديم لم يعد مستحبا عند أكثر الشابات ولكنه موجود وشائع».

وتقول جيهان الصقر بامتعاض واضح وبجملة من الاستفهامات «كم أستاء من رؤية المغاتير في الأماكن النسائية المغلقة، فلماذا لا تكشف من ترتدي البرقع أو اللثمة عن وجهها ومم تخاف بالضبط؟ ألا تعتقد بأنها تسبب لنا نحن الأخريات قلقا» وتواصل «كلنا نرتدي الحجاب الشرعي أمام الرجل لكن أن نرتديه أمام بعضنا البعض كالنساء القديمات فهذا جهل ورفض للواقع».

وتبدي نفس الاستياء الجوهرة الحوشان مؤكدة بـ «أن لبس البرقع عرف وتقليد قديم ومن تريد أن تحافظ عليه كلباس فلتفعل ولكن عليها أن ترفعه بمجرد دخولها لأي مكان به تجمع نسائي فالزمن تغير عن ذي قبل ومن غير الممكن أن تتوقع صاحب البرقع أو حتى اللثمة أن أثق فيها أو أتقبلها بأي شكل من الأشكال وهي تنزوي مع مبرقعات أخريات كل ما نراه منهن العيون المكحلة والخدود».

فيما ترى مضاوي العقيلي بـ «أن أناقة الفتاة السعودية تقتضي عليها الاهتمام بالبرقع لأنه جزء من أناقتها في الشارع ولكن ضمن إطار المباح والشرعي منها ومع ذلك من لا تنزعه حال دخولها للأندية النسائية أو المراكز عليها أن لا تأتي فهي تريد أن تقضي وقت ممتعا في مكان نسائي مغلق على حساب أعصابنا إذ لا نرى أياً من انطباعاتها وهي تكتفي بالمراقبة من بعيد أو التطاول علينا إذا طلبنا منها التخلي عنه وهي معنا بنفس المكان بقولها: «أنا امرأة ولست رجلاً لتخافوا مني».

وتجد تفسير لهذا التصرف لطيفة الحسين حيث تشير إلى عالم الموضة في الحجاب بقولها «أنا أرى المبرقعات والمتلثمات في الأماكن النسائية وحتى العمل ولا أرتاح لهن ولكن ربما أن هذه هي موضة تسعى بعض النساء والفتيات لإحلالها كما فعلن بالسابق فلم يكن موجوداً برقع التندة أو العنيد ولا حتى اللطمة واللثمة ما كان موجوداً هو غطاء كامل للوجه أو برقع عادي مجرد من هذه التسميات التي صنفت على أنها تقليعات ومع ذلك حدث وإن تداولتها النساء والفتيات وبالتالي انتشرت».

تدافع عن هذا الوجود الملثم أو المبرقع صيتة حمدان بقولها: «إذا كنت مستعجلة ولم أكن قد سرحت شعري أو لبست لبسا أنيقا ما المانع في أن أظل مبرقعة أو ملثمة» وتضيف «هناك من تتزين وتلبس وتضعه فلماذا لا يعتبرن باقي النساء ذلك حرية شخصية أو أنه فعلا عرف وتقليد لدينا».وتكتفي بالتعليق رجاء بقولها: «لست مضطرة للتبرير ولا شأن لأحد بي فأنا أدفع رسوم دخولي إلى أي مكان نسائي»، في حين تنوه هاجر الضعيان على مبدأ الحلال والحرام قائلة: «الفتاة التي تلبس برقعاً أو تضرب لثمة أكثر إغراء بالنسبة للشباب وعلى النساء والفتيات مخافة الله والتستر كما يجب أو كشف وجوههن بدون ماكياج كما بدأت تفعل بعض النساء ولم يفتن أحد أما البرقع مع الكحل وتنزيل خصلة طويلة من الشعر الملون من على البرقع فذلك سيئ بل ومثير يفتن به الشباب وهن للأسف قبيحات فهن لا يعطين انطباعاً سيئاً عنهن فحسب بل يخدعن الشباب بجمالهن المبرقع وهذا ما يحاول أن يفعلنه في الأماكن النسائية المغلقة فهن يبدون جميلات ولكنهن غير ذلك.. إنها مجرد خدعه مصبوغة بالتقاليد والأعراف» وتضيف «إنهن بدويات والبدوية لا تعرض نفسها».

وعن أسباب ذلك أجاب استشاري الطب النفسي منذر البدري بقوله «إن البرقع عادة اجتماعية عريقة منتشرة في أماكن كثيرة من الوطن العربي ولكن المسألة هنا تتعلق بمرض نفسي يدعى الرهاب الاجتماعي قد تصاب به المرأة بعد استخدام طويل و متكرر للبرقع أو اللثمة داخل الأوساط النسائية فتصبح إذا كشفت عن وجهها أمام النساء تشعر بالخوف والقلق وتظهر عليها أعراض الرهاب الاجتماعي فتتصبب عرقا أو ترتجف يداها أو تتغير نبرة صوتها وبمجرد أن تكشف وجهها يحمر وتخاف فجأة ويحدث هذا كما أسلفت أمام نساء مثلها لذا ترفض أن تكشف المرأة وجهها هنا بسبب مرضها النفسي وليس بسبب العرف الاجتماعي كما تحاول أن تظهر».

ويضيف «عندما تأتي إلينا مريضة نفسية ولم يكن واضحاً عليها الرهاب الاجتماعي وتمكث مدة في المستشفى فإنني كطبيب نفسي أستطيع أن أحكم على استجابتها للعلاج النفسي عندما تبدأ تغطي وجهها عني بالبرقع وهذا تصرف إيجابي فقط لبعض المتدينات أما بقية الفتيات فهن وخصوصا ممن لا تلبس في الأساس إلا الغطاء العادي أو لا تتغطى أمام الرجال فهي لا تكون حريصة على تغطية وجهها بهذه الصورة المريضة أي المصحوبة بأعراض الرهاب الاجتماعي» مؤكدا «على حاجة المرأة في مثل هذه الحالة للعلاج النفسي».