قرار يسمح للممرضين بصرف الأدوية يثير جدلا في الأوساط الصحية السعودية

مختصون: الإجراء مخالف للأنظمة * مسؤول: تنفيذه في المراكز الصحية يجعل منه محدودا

TT

أثار تعميم إداري صادر عن وزارة الصحة جدل في الأوساط الصحية السعودية، كونه أعطى الضوء الأخضر للممرضين في كافة المناطق بصرف الأدوية للمرضى في المرافق الصحية التي لا يوجد بها صيدلاني أو مساعد صيدلاني.

وجاء القرار الذي أصدره الدكتور منصور الحواسي وكيل وزارة الصحة للشؤون التنفيذية، بناء على خطاب مدير عام الشؤون الصحية بالمنطقة الشرقية، والمتضمن طلب السماح للتمريض بصرف الأدوية في المرافق الصحية التي لا يوجد بها صيدلاني أو مساعد صيدلاني، في إشارة غير مباشرة للاحتياج الذي تعانيه المرافق الصحية في شرق البلاد للكوادر الصيدلانية.

واعتبر الكثير من المختصين والمهتمين بالشأن الصحي في السعودية، هذا القرار بأنه من الممكن أن يودي بحياة الكثير من المرضى.

وقال لـ«الشرق الأوسط» عبد الرحمن السلطان، وهو باحث دوائي ومتخصص في الإدارة الصيدلية، إن هذا القرار مخالف لكافة الأنظمة والقوانين الصحية المعمول بها في كافة أنحاء العالم، خصوصاً البلدان المتقدمة، ومنها السعودية.

وفند السلطان معارضته لهذا القرار من منطلق «أن المادة الثالثة والعشرين من «نظام الممارس الصحي»، الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/53 بتاريخ 4/11/1426 هـ، ونظام «مزاولة مهنة الصيدلة والاتجار بالأدوية والمستحضرات الطبية» الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/18 بتاريخ 18/3/1398هـ، يحظر صرف الأدوية إلا من قبل صيدلي مرخص».

وشدد السلطان على أن الأنظمة المعمول بها داخل السعودية، تحظر على الممارس الصحي أن يقوم بعمل يتجاوز تخصصه، كون الفقرة (ب) من المادة التاسعة من نظام الممارس الصحي تنص على أنه لا يجوز للممارس الصحي ـ في غير حالة الضرورة ـ القيام بعمل يتجاوز اختصاصه أو إمكاناته».

ورأى المتخصص السعودي في الإدارة الصيدلية، أن القرار يتعارض بالكامل مع المادة الثانية عشرة من ذات النظام الطبي، والتي تؤكد على عدم جواز مزاولة الممارس الصحي أكثر من مهنة واحدة، كما أنه يتعارض أيضا مع المادة الثالثة والعشرين، التي تؤكد في البند الثالث من الفقرة (أ) على أن الصيدلي هو فقط من يصرف الأدوية.

ومن منطلق الفقرة (ب) من المادة الثالثة والعشرين من نظام الممارس الصحي، التي تؤكد عدم السماح لفني الصيدلة أن يصرف الوصفة الطبية إلا تحت إشراف صيدلاني مرخص له، يتساءل السلطان «أليس من باب أولى أن يمنع طاقم التمريض من صرف الأدوية؟».

وحذر السلطان المسؤولين في وزارة الصحة في حال استمرار تطبيق هذا القرار، من مغبة الوقوع في مأزق مزاولة المهن الصحية دون ترخيص، حيث إن تنفيذ هذا القرار قد يوقع الممارس ضمن اختصاصات الفرع الثاني، المادة الثامنة والعشرين، من نظام الممارس الصحي، خصوصا الفقرة الأولى منه، وهي مزاولة المهن الصحية دون ترخيص.

وأكدت الدراسات العالمية، بحسب السلطان، على ضرورة أن يقوم على صرف الأدوية صيدلاني، دون غيره من التخصصات الصحية.

وفي شأن متصل، حذر أحد المختصين في الشأن الدوائي، فضل عدم ذكر اسمه، من هذا القرار، في حين ذكر أن من شأن هذا القرار زيادة الأخطاء الدوائية، بشكل قد يؤدي إلى موت المريض، في وقت شدد فيه السلطان على أن تطبيق القرار سوف تكون آثاره جسيمة، نظرًا لأنه سوف يطبق في مراكز الرعاية الأولية والمستشفيات الطرفية التي تفتقد للكوادر الصيدلانية مما يفاقم المشكلة ويزيدها.

ويؤكد السلطان على أن مسؤولية الصيدلاني عن صرف الدواء، تفوق مجرد معرفته الكيميائية بالمركب الدوائي، ولا تنتهي بإلمامه التام بالتداخلات الدوائية والغذائية، بل تنطلق من تفعيل تطبيقات مبادئ (الرعاية الصيدلانية)، التي تزيد الصيدلاني قربًا من المريض وتجعله مساهماً رئيساً في الخطة العلاجية والرقابة الدوائية.

من جانبه علق مسؤول صحي على القرار، بأن هذا الإجراء محدود التنفيذ في المراكز الصحية، كونها لا تشهد إقبالا كثيفا في العادة، ولا يوجد بها صيدلي.

وعلى الرغم من تحفظ المسؤول على القرار، إلا إنه تمنى أن يكون إجراءا وقتيا لضرورة معينة، وألا يطول العمل به، كونه قد يوقع العديد من الأخطاء الدوائية في صفوف المرضى. وأوضح المسؤول الصحي لـ«الشرق الأوسط» أن هذا القرار جاء نتيجة لوجود قصور في القوى الصيدلانية العاملة في المجال، لافتا إلى أن الإدارة التي أصدرت هذا القرار هي من ستتحمل تبعاته في حال ألحق الضرر بأي من المرضى، نتيجة قصور وعدم إلمام التمريض بشكل عام بمهام الصيادلة. التعميم الإداري أثار العديد من التساؤلات، ففي الوقت الذي تؤكد فيه الوزارة من خلال تعميمها الأخير على احتياجها للكوادر الصيدلانية، تضغط من جهة أخرى على الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، بهدف وقف قبول الطلاب في مهنة (فني صيدلة)، وهو المجال الذي اعتبره السلطان من المجالات الحيوية الصحية.

ويعمل في مجال التعليم الطبي في السعودية قرابة الـ11 كلية صيدلة ما بين حكومية وخاصة، في حين توقع السلطان أن يبلغ عدد خريجيها خلال السنوات المقبلة ما يزيد على الـ 1500 صيدلاني وصيدلانية سنويا.

ويقدر احتياج السوق السعودي من خريجي الصيدلة بأكثر من 50 ألف صيدلي للعمل في القطاعات الصحية الحكومية والخاصة خلال السنوات المقبلة، في حين تؤكد الأرقام، بأن نسبة السعودة في القطاع الخاص العامل في هذا المجال، لا تتجاوز 1 في المائة.