الأمير تركي بن طلال لـ«الشرق الأوسط»: معالجة المخدرات في العالم العربي تتطلب الإقرار

لا إحصاءات دقيقة عن حجم الظاهرة عربياً.. والأمم المتحدة تشير إلى تجاوز المدمنين نصف مليون

TT

في عام 1991 بادرت الملكة سيليفيا ملكة السويد ومعها عدد من الشخصيات العالمية ومن بينهم الامير طلال بن عبد العزيز الناشط في مجال الخدمات الانسانية والتنموية بإنشاء مؤسسة منتور العالمية لمحاربة المخدرات ووقاية وحماية المجتمعات الانسانية منها، ولان من اهداف المؤسسة العالمية غير الحكومية تأسيس فروع اقليمية ووطنية لها في مختلف دول العالم، فقد توج الامير طلال بن عبد العزيز جهوده في هذا المجال بإنشاء «منتور العربية» التي تعد الفرع السابع في العالم لمؤسسة منتور العالمية، وأول مؤسسة غير حكومية عربية تعنى بمشاكل المخدرات بين الشباب والاطفال على مستوى الوطن العربي. وتم الشهر الماضي انتخاب الامير تركي بن طلال بن عبد العزيز رئيساً لمجلس أمنائها وذلك خلال انعقاد الاجتماع التأسيسي للمؤسسة في بيروت.

«الشرق الأوسط» التقت الامير تركي بن طلال واجرت معه هذا الحوار عن المؤسسة واهدافها واستراتيجيتها والافكار التي يحملها الامير للنهوض بهذه المؤسسة الوليدة، كما تطرق الحوار الى واقع مشكلة المخدرات والتعاطي والادمان في العالم العربي في ظل غياب الاحصاءات الدقيقة عن حجم هذه الظاهرة العالمية.

بداية يرى الامير تركي أن انتخابه لمنصب رئيس مجلس أمناء مؤسسة «منتور العربية» للوقاية من المخدرات هو تكليف لتحمل المسؤوليات التي ستطلع بها المؤسسة يتطلب بالضرورة مشاركة جميع أعضاء مجلس الامناء ضمن اطار الفريق الواحد لتحمل هذه المسؤولية المهمة اتجاه اطفالنا وشبابنا العربي. كما يعني المزيد من التصميم والارادة لمحاربة هذا العدو غير التقليدي.

> كيف جاءت فكرة إنشاء منتور العربية؟

ـ فكرة انشاء المؤسسة لم تأت من فراغ، بل جاءت من خلال منهجية علمية وعملية بناءً على توصيات ورشة العمل التي عقدت قبل سنتين تحت عنوان «من اجل وقاية فعالة من المخدرات» وشارك فيها ممثلو العديد من الجهات الحكومية والاهلية والدولية العاملة في مجال الوقاية من المخدرات الى جانب الخبراء الاكاديميين والاعلاميين المتخصصين في هذا المجال، وكانت احد اهداف الورشة التعريف بمؤسسة «منتور» ومشاريعها في مجال وقاية الشباب والاطفال من المخدرات والتعرف إلى المشاريع الجارية في المنطقة العربية وتحديد وتقييم احتياجات المنطقة العربية في مجالات الوقاية من المخدرات واهم التحديات التي لا تزال تعيق التصدي لهذا الظاهرة، كما صدر عن هذه الوثيقة عدة توصيات أهمها الدعوة الى تأسيس فرع لمؤسسة «منتور» في العالم العربي ووضع استراتيجية اعلامية وطنية وعربية لحماية «النشء» من المخدرات.

> يلاحظ في العالم العربي وجود نقص في الدراسات والإحصاءات المتعلقة بحجم ظاهرة المخدرات وأسبابها. هل ستساهم «منتور» العربية في سد عجز هذا النقص.

ـ صحيح. فهناك نقص كبير في الدراسات الدقيقة حول حجم ظاهرة المخدرات وأسبابها، في دول العالم الثالث على وجه العموم والدول العربية على وجه الخصوص، كما أن انتشار هذه الآفة في وطننا العربي لا يقتصر على فئة معينة من الناس، بل أنه يكاد يشمل جميع الفئات، الأغنياء، الفقراء، الشباب ذكوراً وإناثاً. ومن هنا لا بد من معالجة هذه المشكلة من خلال الإقرار بوجودها في المقام الأول. وإذا استمررنا في التعاطي مع هذه المشكلة على أنها إما غير موجودة أو أنها طارئة، فإننا قد نجد أنفسنا يوما أمام تحد كبير قد لا نقوى على تحمل كلفته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وعلى الرغم من وجود أجهزة حكومية متخصصة في الصحة والوقاية على مستوى عالٍ من الجاهزية، إلا أننا ما زلنا نفتقر إلى تشخيص المشكلة بشكل دقيق· ومن هنا فإن من أهم مسؤوليات «منتور» العربية ذات الأولوية العمل مع جميع الأطراف المعنية لرفع درجة الوعي بأهمية اعتماد مبدأ الشفافية والمصارحة في التعامل مع هذه الظاهرة الخطيرة.

> ما هي الاستراتيجية التي وضعتها منتورالعربية لوقاية النشئ من المخدرات؟

ـ أولا الاستراتيجية لم تضعها منتور لوحدها· ففي الفترة من 2-4 ديسمبر (كانون الأول) 2004 قمنا بتوجيه الدعوة إلى كافة اللجان الوطنية لمكافحة المخدرات في الدول العربية وممثلي الجمعيات الأهلية، والمنظمات العربية والدولية، وممثلي الإعلام والشباب والأهالي لعقد ورشة عمل علمية في مجال الوقاية من المخدرات وتم إعداد وتنفيذ هذه الورشة مع القيادة العامة لشرطة دبي. وقد أجمع المشاركون في الورشة على أهمية تأسيس منتور العربية وتم تكليف لجنة المتابعة للتحضير. وقد ضمت هذه اللجنة ممثلين لمنظمات الأمم المتحدة وفي مقدمتها المكتب الإقليمي للمخدرات والجريمة، ومنظمة الصحة العالمية، إلى جانب ممثلين عن جامعة الدول العربية، والمجلس العربي للطفولة والتنمية والمجلس القومي للطفولة والأمومة بجمهورية مصر العربية، وممثل عن القيادة العامة لشرطة دبي، وممثل عن الشباب، والأمين العام لمؤسسة منتور العالمية.

وقد عقدت لجنة المتابعة عدداً من الاجتماعات وشارك أعضاؤها في عدد من المؤتمرات العربية والدولية، وقامت بإعداد مسودة استراتيجية وخطة عمل منتور العربية 2006 ـ 2008، تسعى لتنفيذ المشاريع في كافة الدول العربية بناء على رغبة الجهات المعنية بذلك لتنفيذها وتوفر الدعم الفني والمالي لذلك· وكذلك تعتمد على تنفيذ المشاريع مع أكثر فئات الأطفال والشباب فقراً واحتياجاً، والتقيد بالشفافية التامة في نشر نتائج هذه المشاريع ومصادر تمويلها، إضافة إلى منح المساهمين والمتبرعين الصلاحية الكاملة في المراقبة والتقييم الميداني المباشر لهذه المشاريع لمعرفة بنود صرف مساهماتهم والاستخدام الفعّال لكافة وسائل التكنولوجيا لتخطيط ومراقبة وإدارة هذه المشاريع ولنشر نتائجها والتعريف بها.

لذا فإن تأسيس منتور العربية لم يأت متسرعاً ولم يخطط بمعزل عن كافة الشركاء بل جاء تلبية لرغبات عبّر عنها أولاً الشباب أنفسهم وأولياء أمورهم إلى جانب باقي الشركاء.

> ما هي الأفكار والمشاريع التي تحملونها للنهوض بهذه المؤسسة وتفعيل أهدافها؟

ـ تم تحديد عدد من المشاريع ذات الأولوية من قبل المشاركين في الورشة العلمية التي انعقدت في دبي ومن توصيات عدد من المؤتمرات العربية وكذلك من متطلبات الأهالي وأولياء الأمور والشباب والمسؤولين في الأجهزة الحكومية والأهلية العاملة وقد اعتمدها مجلس الامناء في اجتماعه الأول في هذا المجال وهي: ومشروع حماة المستقبل بالتعاون مع مؤسسة رايت ستارت، شرطة دبي، منظمة الصحة العالمية، والمكتب الإقليمي للأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة، ومشروع تدريب الأطفال منذ مرحلة الطفولة المبكرة «رياض الأطفال» وتدريب المربيات والمشرفات في مجالات الوقاية، مشروع الموقع الالكتروني لمنتور العربية والمرتبط بمشروع تأسيس مركز المعلومات والبحوث والتنسيق، مشروع تطوير ودعم السياسات في مجالات الوقاية من خلال تنظيم ورش العمل، والمؤتمرات، والتدريب والتوعية للمسؤولين والعاملين في هذا المجال، مشروع تدريب وتمكين وتوعية الوالدين في ما يتعلق ببناء علاقات التواصل والحوار والثقة مع أبنائهم، مشروع المهارات الحياتية التربوية لأولياء الأمور والشباب والأطفال والمدرسين والإعلاميين.

> ما هي في نظركم الاساليب الأكثر فعالية لعلاج مشكلة الإدمان في العالم العربي التي تزايدت في الآونة الأخيرة؟

ـ نحن في منتور العربية نعتقد أن أفضل أساليب العلاج هي الوقاية، الفرص، الحماية، وهذه العناصر الثلاثة هي جوهر استراتيجية المؤسسة. كما لا بد أن نعمل جميعاً على تعزيز مبدأ المشاركة والتكامل بين القطاعين العام والخاص ومؤسسات المجتمع المدني في صناعة كافة القرارات والسياسات تخطيطاً وتنفيذاً ليتحمل الجميع المسؤولية في هذا الإطار.

> ما هو حجم ظاهرة المخدرات في العالم العربي وعدد المتعاطين والمدمنين؟

ـ تكمن مشكلة المخدرات في العالم العربي في غياب الاحصائيات والارقام، وعادة ما يكون القياس مبنياً على وسائل تفتقر الى الدقة والمصداقية، واذا نظرنا الى تقارير عالمية حول المخدرات نلاحظ أنه عند الحديث عن المنطقة العربية فلا نجد ارقاماً ولا احصائيات، والمعضلة هنا تكمن في عدم الاقرار صراحة بوجود هذه المشكلة ـ وحتى عندما يتم التحدث عنها فينظر اليها بأنها مشكلة طارئة ولا تشكل خطراً على المجتمعات. ووفقاً لتقرير صدر عن الامم المتحدة عام 2004 عن المخدرات والجريمة تضمن احصائيات مهمة عن هذه المشكلة التي يرى التقرير بأنها مشكلة عالمية حيث تشير احصائيات الامم المتحدة إلى أن مواطني 134 دولة مدمنون على المخدرات وانه يتم التهريب بين 170 دولة، كما كشف التقرير عن أن عدد المدمنين في العالم العربي قدر باكثر من نصف مليون شخص، كما اشار تقرير صادر عن الامم المتحدة العام الماضي الى أن استعمال الهروين والافيون في العالم العربي زاد عن استعماله قبل 3 أعوام، كما وصل انتشار مرض نقص المناعة (الايدز) الى نسبة حوالي 60 في المائة بين الذين يستعملون حقن مخدرات في الشرق الاوسط وافريقيا.