العودة إلى زمن «الحنة»

غزت صالونات التجميل ويعتقد أنها تجلب البركة

TT

«الحنة» عادة قديمة جداً ومتوارثة تحرص عليها السعوديات، وبشكل خاص ليلة العيد، وهي تمثل طقساً نسائياً محترماً جداً تكاد تشترك فيها كافة مناطق السعودية، وتحرص النساء على «بل» الحنة بماء الورد وتخميرها في الهواء الطلق أو داخل الثلاجة في اليوم الذي يسبق ليلة العيد، لتكون جاهزة بحلول الليلة الكبرى، فيقمن بوضع الحناء على الأيدي والأرجل ولتلوين الشعر أحياناً وإكسابه لوناً وبريقاً ورائحة تحبها الجدات والأمهات، وفي مجلس يعبق بالبخور والأنس، والصلاة على النبي.

هذه العادة التي قاربت على الاندثار بمرور الوقت بقيت عادة تحرص عليها النساء الكبيرات في السن كنوع من الحنين إلى الماضي الجميل، وبسبب قناعة راسخة لديهن منذ الصغر بأن الحناء ليلة العيد تجلب البركة والسعادة، وهي مفيدة جداً إلى جانب خصائصها الجمالية التي لا تضاهيها فيها حتى أشهر مستحضرات التجميل بحسب اعتقادهن.

الجديد أن الحنة عادت بقوة من خلال محلات التجميل التي أصبحت تقدم من بين خدماتها خدمة الحناء ليلة العيد، وهناك محلات توفر خدمة الحنة بنقوش وأشكال جميلة جداً في المنزل إذا أرادت السيدة الاستمتاع بأجواء الأنس والسرور بين العائلة والصديقات بدلا من صخب صالون التجميل. تقول مريم الأحمدي (27 عاماً) بأنها على الرغم من عدم حبها الشديد لطقس الحناء، إلا أنها تحرص على تنظيمه كل عام في منزلها إرضاءً لوالدة زوجها التي تصر على هذا الطقس، وتقوم مريم بدعوة القريبات الكبيرات في السن لحضور المناسبة والحنة الجماعية، التي تشترك فيها صغيرات العائلة أيضاً.

وترتفع أجور الـ«محنيات» وهي العبارة التي تطلق على المتخصصات بنقش الحناء كثيراً ليلة العيد لتصل إلى مئات الريالات، تماماً كما ترتفع أجور صالونات التجميل التي تتراوح أسعار نقش الحناء فيها ليلة العيد من الـ100 ريال وحتى الـ300 بحسب النقش الذي تختاره الزبونة.

الخالة «أم الحسن» وهي «محنية» شهيرة في منتصف العمر ممتلئة الجسم وتجلس بهدوء اعتادت عليه من خلال عملها الذي يتطلب مهارة وهدوءا وتركيزا شديدا أحوجها إلى نظارتها التي تضعها دائماً كما تقول، وتؤكد الخالة أم الحسن بأن ما تجنيه خلال ليلة العيد وحدها يكاد يضاهي ما تجنيه في عدة شهور. وهو أمر يسعدها جداً إلى جانب التقدير الكبير الذي تحظى به من قبل زبوناتها اللاتي يفهمن قيمة الحناء، وتنتقد بشدة انصراف فتيات اليوم عن الحناء، وتقول «الحناء سنة عن الرسول وبركة وفيها جمال وصحة للجسم والشعر» عدا عن أن «أي أمرأة جميلة حقاً لا يمكنها أن تشعر بالعيد دون نقش الحناء على يديها وقدميها».

سوق الحناء ليس بسيطاً كما يبدو للوهلة الأولى، فهناك النقشات الهندية والسودانية والمغربية، إلى آخر الأشكال التي تبدعها المحنيات المحترفات، أو تباع جاهزة في محلات العطارة كلصقات يكفي أن تضعها السيدة على يدها وتغمرها بالحناء لتحصل على النقش الذي تريد دون اللجوء إلى خدمات صالونات التجميل أو المحنية، وبتكلفة ضئيلة جداً لا تتجاوز الـ 50 ريالا متضمنة الحناء وماء الورد من العطار.

التطور الحديث في سوق الحناء وتعدد النقشات واستخدام تقنيات حديثة على أيدي متخصصات داخل محلات التجميل، أثر في ذائقة الزبونات الكبيرات في السن، وجعلهن يبدين اهتماماً بخدمات هذه المحلات متغاضيات عن تاريخ طويل لم تكن النساء يعترفن فيه بالنقشات الهندية والسودانية والمغربية، وإنما كانت تقتصر الحنة لديهن على غمس اليد بالكامل، أو رسم نجمة أو دائرة في باطن اليد.

الحناء التي هي في الأساس شجيرات صغيرة ذات أزهار بيضاء زكية الرائحة، تباع لدى العطارين أو بسطات البائعات الأفريقيات بعد أن يتم تجفيفها وطحنها، وأجود أنواعها اليمانية التي تمتاز بلون أحمر قانٍ، وهناك الهندية والإيرانية، كما يقول العطار حسين مرداد (43 عاماً) الذي يبدأ بشراء كميات كبيرة من الحناء ابتداءً منتصف شهر رمضان لأن الطلب عليها يكثر قبيل حلول يوم العيد.