أخطاء تشخيص الأمراض بأمراض خطيرة تصدم المراجعين بطريقة لا تراعي مشاعرهم

د. الجارالله: تطوير وسائل التشخيص وتوفير أنسبها يحد من تكرار الحالات

TT

ليس من السهولة أن تواجه نزفا بسيطا في دمك ويفاجئك الطبيب بالقول «أنت مصاب بسرطان في الدم».. وليس من السهولة أيضا أن تأتي للطبيب بسبب تسارع بسيط في نبضات القلب.. ويقول لك: أصدقني القول: هل تتناول الحشيش؟! إن خطأ التشخيص أمر ليس ببعيد وليس بمستغرب، فالخطأ وارد لكن الإشكال الذي يواجه بعض المراجعين بالإضافة لخطأ التشخيص هو الطريقة أو الأسلوب الذي يوصل به الطبيب المعلومة للمريض.

هذه نماذج بسيطة لتشخيصات طبية سريعة خاطئة يعيش فيها المرضى للحظات أو أيام أشبه بالموت الوقتي والكآبة المضطربة.. نتيجة للتشخيص الخاطئ وغياب العلمية بالإضافة إلى عدم الأخذ بأخلاقيات المهنة التي تحتم النظر لنفسية ومشاعر المراجع أو المريض.

يقول فهد الصحبي إنه عاش يومين من أصعب أيام حياته نتيجة إهمال وعدم اكتراث أحد الأطباء لمشاعره. ففور توجهه لأحد المستوصفات الأهلية نتيجة تعب وإرهاق طلب منه الطبيب عمل تحليل للدم وهو ما عمله بالفعل وبعد ساعة كاملة استدعاه الطبيب وبأسلوب مخيف أخذ يطرح عليه بعض الأسئلة حول هذا الإرهاق والتعب وبعد لحظات قال له الطبيب: دعني أكون صريحا معك، إنك مصاب بسرطان الدم.

ويؤكد الصحبي انه عاش لحظات لا يستطيع تفسيرها وفقد فيها التركيز نتيجة الأسلوب الأرعن الذي أوصل فيه هذا الطبيب نتيجة التشخيص. ويشير الصحبي إلى أنه عاد لوعيه وتمالك أعصابه وذهب لأحد المستشفيات الكبيرة للتأكد من النتيجة المفزعة، لكن مصادفة التشخيص الأول ليوم الخميس وإغلاق معظم المختبرات الطبية لإجازة نهاية الأسبوع جعلته ينتظر ليومين صعبين حتى أتى يوم السبت، واتجه صباحا للمستشفى ليتم تحليل الدم مرة أخرى ويقابل الطبيب المختص الذي ذكر له أن حالته سليمة وما يعانيه ما هو إلا نقص بسيط في الحديد. وعند ذلك يقول الصحبي: أخرجت للطبيب التقرير السابق وعندما شاهده ذكر أن التحليل غير صحيح وان معظم أجهزة التحليل في المستوصفات الأهلية تخلط بين كريات الدم الحمراء والبيضاء وهو ما ينتج عنه بالطبع تشخيصات خاطئة.أما تركي فهد البقمي فيشير إلى قصة حدثت معه في إحدى محافظات السعودية، حيث يسكن، فقد توجه بوالدته للمستشفى نتيجة شعورها بالتعب وفور جلوسها أمام الطبيب وقيامه بالفحص السريري، نظر إليه سريعا وقال له: يجب أن تنقل والدتك فورا وبدون تأخير إلى المستشفى. وهو الذي يبعد عن المحافظة 300 كيلومتر واتجه البقمي لقسم الطوارئ لطلب سيارة الإسعاف لكن المستشفى اعتذر عن عدم نقل والدته بسيارة الإسعاف بحجة تعطلها. واتصل البقمي بأحد أقاربه الأطباء الذي أشار إليه بالاتجاه لأحد المستوصفات ليعيد عمل الفحوصات اللازمة وبعد ذلك وجد أن هناك إصابة بفقر دم بسيط لا يستلزم النقل لمستشفى رئيسي. ويضيف البقمي أنه اتجه فور تحسن حالة والدته لذلك الطبيب ليوبخه على طريقة تعامله مع الحالة، لكنه تفاجأ بوجوده وثلاثة شبان يقنعون رجلاً كبيراً في السن بضرورة التوجه لمستشفى المدينة الرئيسي بسبب خطورة حالته. وهنا يقول البقمي: اتضح لي أن الطبيب ذكر لأبناء المسن أن حالة الأب خطيرة وتستدعي نقلة للمستشفى الرئيسي.

اما م. ح. خ فله مع الأخطاء الطبية قصة لا يمكن نسيانها، حيث تعرض لظهور بعض البثور والحبوب في منطقة العضو الذكري واتجه بسبب ذلك لأقرب مستوصف أهلي وعند معاينة الطبيب له أخذ يقول «لا حول ولا قوة إلا بالله» دون طرح أية تساؤلات له.

وهذه العبارة كانت كفيلة بانضمام م.ح.خ (نفسيا) للمصابين بمرض نقص المناعة المكتسبة «الايدز» كما يذكر، وفور ذلك قاطع الطبيب ليسأله عن الحكاية فقال له الطبيب: من الأفضل أن تعيد الكشف السريري لدى طبيب آخر. واستجاب م.ح.خ لنصيحة الطبيب حيث تم الكشف عند طبيب آخر في احد المستشفيات المتقدمة وعمل الفحوصات اللازمة وثبت له أن الحالة بسيطة وبالفعل فقد زالت تلك البثور بعد أيام قليلة من أخذ العلاج. أما مصلح القحطاني فيذكر أن أحد الأطباء وبعد فحصه العام بسبب سعال شديد قال له بالنص «يبدو أنك ستنضم لنادي الربويين» قاصدا إصابته بمرض الربو.

واستغرب مصلح طريقة الطبيب في إيصال المعلومة للمريض وقال له إن ذلك لا ينبغي من الطبيب. فرد الطبيب بقوله : هل تريدني أن أكذب عليك. ويشير مصلح إلى أن الطامة الكبرى أن الفحص المخبري أكد أنه لا وجود لمرض الربو عنده.أما رسام الرسام فقد اعتبر بسبب تشخيص أحد الأطباء أنه متناول لمادة الحشيش، فبعد شعوره بتسارع نبضات قلبه اتجه لأحد المستشفيات وعند فحص الطبيب لنبضات القلب وجه له سؤالا صعبا: هل تتناول الحشيش؟ وهو ما استغربه رسام لكنه أدرك أن الطبيب أبعد ما يكون عن المهنة الشريفة وهو ما ثبت بعد مراجعته لطبيبين أشارا إلى أن حالته طبيعية.محمد الزهراني يذكر أنه أجرى تحليلا مخبريا لطفلته ذات الست سنوات وبعد انتهاء التحليل وعده قسم المختبر بالنتيجة في اليوم التالي، لكنه تفاجأ باتصال المستشفى في نفس اليوم ليخبره بضرورة حضوره وبعد أن حضر للمستشفى أخذ الطبيب يوبخه على عدم الاهتمام بطفلته وانه ليس جديرا برعايتها ثم قال له إن ابنته لا بد أن يحجر عليها لأن لديها مرضا معديا وخطيرا. وبعد يومين عاشت خلالها أسرة الزهراني لحظات عصيبة جاء الاتصال من المستشفى ليوجه مديره اعتذارا شديدا للزهراني عن الخطأ الذي ارتكبه المختبر والطبيب المشرف على الحالة.

وفي هذا الصدد يوضح لـ «الشرق الأوسط» الدكتور جمال صالح الجار الله أحد الباحثين في مجال الأخطاء الطبية وأستاذ طب الأسرة في جامعة الملك سعود أنه لا يمكن الجزم بوجود الخطأ في التشخيص كظاهرة في المستشفيات السعودية، فالحديث عن «ظاهرة» (كما يقول الجار الله) يتطلب رصدا أكثر دقة، مضيفا أن الدراسات والتحليلات الموجودة في الساحة الطبية لا يمكن أن تعطي مؤشرات مؤكدة عن وصول أخطاء التشخيص لمرحلة «الظاهرة».

ويضيف الجار الله «هناك أخطاء في التشخيص ينتج عنها إزعاج للمراجع وربما ترتب عليها مضاعفات خطيرة لا تحمد عقباها».

وأشار الجار الله إلى أن التشخيص في المجال الطبي قائم على الاحتمالات واستبعاد بعضها وتأكيد بعضها يكون بناء على قرائن علمية وعملية. مشددا على أن تطوير الوسائل الطبية وتوفير أنسبها وأكفئها للوصول إلى التشخيص السليم والتدريب الجيد للكوادر الطبية يعتبر من أهم العناصر التي يمكن أن تحد من أخطاء التشخيص في المستشفيات.وأكد الجار الله أن هناك جملة من الأخلاقيات التي يجب أن يلتزم بها الطبيب عند إبلاغه مراجعه بوجود مرض خطير أهمها عدم مفاجأة المريض بالتشخيص ومراعاة التدرج وإعداد المريض نفسيا لتقبل الخبر السيئ بالإضافة إلى الاقتصار على المعلومات التي تفي بالغرض دون الدخول في تفصيلات قد تزيد من قلق المريض.