تكريم ثقافي لأول مدرسة دينية في الجزيرة العربية يعود عمرها لـ137 عاما

في ليلة شهدت حضورا غفيرا معظمهم من طلاب العلم الشرعي

TT

هبّت رياح الجدل الثقافي الراقي، مساء أول من أمس، على إثنينية عبد المقصود خوجة في ليلة تكريم المدرسة الصولتية ـ أول مدرسة دينية نظامية في الجزيرة العربية يعود عمرها لأكثر من 137 عاما مضت ـ وسط حضور جماهيري مختلط من «العمائم» البيضاء التي تميز طلبة العلم في الحجاز، و«الشمغ» الحمراء المسبلة التي تميز طلاب العلم في نجد.

وشجعت المداخلات الاحتفائية لشخصيات تمثل ثقلا في الوسط الديني والثقافي من إصغاء الجمهور للمداخلات التي استمرت زهاء ثلاث ساعات، كان المحور الأساسي فيها مناقشة مناهج وتوجهات المدرسة الصولتية ضمن منظومة التغيير والإصلاح في مناهج التعليم السعودي.

ودعا راعي الاثنينية عبد المقصود خوجة في كلمة الاحتفاء بتكريم المدرسة الصولتية، التي يعود مسماها ـ لسيدة هندية اسمها «صولت النساء» كانت مولت قيام المشروع في بداياته ـ لأن تنسجم المدرسة ومعطيات العصر الحديث في استخدام التقنية الحديثة، ومراعاة المناهج التي تلبي حاجة سوق العمل في معرض إشارته لنسبة العلوم الشرعية في المدرسة التي تغطي 45 في المائة، و32 في المائة لعلوم اللغة العربية، بينما لا تزيد علوم الهندسة والحساب والفلك والعلوم التقنية الحديثة سوى 18 في المائة، وهو ما اعتبره خوجة ضرورة آنية لأن تظل المدرسة الصولتية حاملة للواء التنوير في أم القرى ومشوارها الممتد لقرابة قرن ونصف القرن من الزمان.

غير أن عبد الوهاب أبو سليمان، عضو هيئة كبار العلماء في السعودية، الذي كان أحد المتحدثين في ليلة الاحتفاء، رأى بأن تظل المدرسة الصولتية محافظة على طابعها الديني كجزء من شخصيتها التي قامت عليها وفي إطار التنوع الثقافي والمعرفي أمام طلبة العلم.

وأضاف بأن المدرسة الصولتية لم تكن الأولى في عهدها، إنما سبقتها مدارس أخرى كانت موجودة في ذلك الوقت، غير أن ما ميز «الصولتية» هو سعيها لتنظيم مسألة طلب العلم في أوساط الطلاب وفق منهجية واضحة.

على الجانب الآخر، أعطى ماجد سعيد بن مسعود رحمت الله، حفيد مؤسس المدرسة الصولتية (محمد رحمت الله)، سيرة مطولة لتاريخ المدرسة الصولتية، وأعاد الحضور لذكريات «الريال المجيدي» الذي كان العملة الرسمية في الحجاز، حينما قامت المدرسة على دعم بلغ2271 ريال مجيدي تشكل كل ما كانت تملكه السيدة الهندية صولت النساء لتدعم به قيام أول مدرسة دينية نظامية.

وجاء السرد التاريخي ليجيب عن محاور كثيرة طرحت في الأمسية حول دور المدرسة الصولتية، وموقفها من رياح التغيير استشهد فيها برأي عضو هيئة كبار العلماء عبد الوهاب أبو سليمان، الذي قال إن «بقاء المدرسة الصولتية حتى الآن معجزة».

وأضاف رحمت الله أن المدرسة الصولتية كانت أول مدرسة تفتح قسما للبنات وتعين مدرسات، وأول مدرسة تفتح قسما للحرف الصناعية، وقسما للتعليم الزراعي، لكن كل تلك الاولويات توقفت في الثمانينات حسب مقتضيات الأنظمة الحكومية التي علق عليها رحمة الله بكلمتين «توقفنا سمعا وطاعة».

غير أن رحمت الله التزم في معرض إجاباته عن أسئلة الحضور بالحكمة العربية الشهيرة (خير الكلام ما قل ودل)، وهو يرد حول كيفية الحصول على كتبهم التي تدرس للطلاب بالقول «كتبنا موجودة في الأسواق وليس بها ما يمس العقيدة أو الحكومة أو السياسة»، مشيرا في اجابة أخرى لكون المدرسة الصولتية تخضع لاشراف وزارة التربية والتعليم.

وحول نية المدرسة الصولتية في افتتاح فروع لها في بعض المدن، اكتفى رحمت الله بالقول «المشكلة الأساسية تكمن في التصريح أو الرخصة بذلك».

ولأن للمرأة دور ريادي في إنشاء المدرسة الصولتية، كان طبيعيا أن يأتي السؤال من إحدى الحاضرات عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة كالتالي: «أين هي المرأة اليوم عطفا على دورها في السابق؟»، ليأتي الرد حاضرا ويحمل أكثر من مغزى «الإجابة أين هي المرأة اليوم عند السائلة!».

والذي ميّز النقاش في رأي معظم الحضور أنه جاء هادئا في الطرح والتفاعل، وأعطى قيمة مضافة لأجواء التكريم تمثلت في رصد أكثر من مشهد ماضوي في علاقات العلماء والمشايخ والتنافس بين المدارس الدينية في تقديم أجيال من المتعلمين والقيادين في مختلف المجالات.