«الشويحطية».. أقدم موقع أثري استوطنه الإنسان في الجزيرة العربية.. تحفه مليون شجرة زيتون

4000 عام من التاريخ فوق وادي السرحان بالجوف

TT

يعتقد بعض السعوديين أن هناك مدينة سعودية تسمى «الجوف»، وأنها العاصمة الإدارية لمنطقة الجوف، الواقعة في الجزء الشمالي الغربي من المملكة، غير أن هذا الاعتقاد لا يعكس الواقع، لأن اسم «الجوف» يطلق على المنطقة فقط، مثل منطقتي «عسير» و«القصيم».

ويطلق لفظ الجوف على عدد من الأماكن في الجزيرة العربية، منها الساحل الممتد بين مكة والمدينة، والإقليم الواقع بين نجران وحضرموت، أما الجوف القابع في شمال الجزيرة العربية، والذي كان يسمى قديما «جوف آل عمرو»، نسبة إلى بني عمرو من قبيلة طي، وكانت تسكن دومة الجندل، والتي ذكرت باسم «أدوماتو» في القرن الثامن قبل الميلاد، ثم دومة الجندل من قبل الإسلام وحتى وقت قريب.

وتعني كلمة الجوف في اللغة العربية، المطمئن من الأرض؛ وذلك لانخفاض أرضه عما حولها، وكان هذا الانخفاض يوصف «بالنقرة»، وذكر عمر رضا كحالة في كتابه «جغرافية شبه جزيرة العرب»، الجوف مدينة صغيرة تقع في واد منخفض، تكتنفها الجبال من جميع جهاتها، وهي منطقة زراعية كبيرة واقعة إلى شمال النفود على رأس وادي السرحان.

ويعود تاريخ الجوف الى أكثر من أربعة آلاف عام، بحسب الشواهد التاريخية القائمة، ومنطقة الجوف عموماً والجوف خصوصاً منطقة زراعية وفيرة المياه، تشتهر بزراعة النخيل، حيث يتجاوز عددها نصف مليون نخلة، فيما يبلغ عدد أشجار الزيتون مليون شجرة، إضافة الى المنتجات الزراعية الأخرى.

ويعد مناخ الجوف بشكل عام صحراويا قاريا، بارد شتاء وحار جاف صيفا، ومتوسط درجة الحرارة العظمى فيه 42 درجة مئوية في الصيف، ومتوسط درجة الحرارة شتاء 8.5 درجة مئوية، أكثر شهور العام سخونة شهر يوليو، في مقابل شهر يناير الذي تنخفض فيه الحرارة، حيث تصل الى ما بين 2 ـ 7 درجات تحت الصفر، ويصل متوسط سقوط المطر إلى 200 ملليمتر تقريبا.

وتشترك منطقة الجوف في حدودها من الشمال والشرق مع منطقة الحدود الشمالية، ومن الجنوب مع منطقتي حائل وتبوك، ومن الشمال والغرب المملكة الأردنية الهاشمية بحدود دولية بطول 500 كيلومتر، وترتفع المنطقة بـ 580 متراً عن مستوى سطح البحر، وتقدر مساحة منطقة الجوف بنحو 64.1 ألف كيلومتر مربع، أي ما يعادل 3.4 في المائة من المساحة الإجمالية للسعودية.

وأسبغ هذا الموقع الجغرافي على منطقة الجوف مكانة مهمة منذ العصر القديم، فهي طريق التجارة بين الجزيرة العربية وبلاد الشام ومصر، كما أنها طريق الحجاج البري إلى بيت الله الحرام، وما زال موقع المنطقة يحتل مكانة أساسية كمنطقة حدودية للمملكة، خاصة أنه يوجد بها منفذ «الحديثة»، الذي يعتبر أكبر منفذ بري في الشرق الأوسط، وتعتبر المنطقة البوابة الشمالية للمملكة.

وتعد مدينة سكاكا العاصمة الإدارية لمنطقة الجوف، وتقع في الطرف الشمالي لصحراء «النفود الكبير»، وهي من أهم مدن المنطقة وأكثرها سكاناً ومساحة، فيها فروع الدوائر الحكومية، كما تحتضن المدينة عددا من مزارع النخيل والزيتون والفاكهة، كذلك فيها منطقة صناعية وبعض المراكز التجارية، أيضاً بقربها أقدم موقع أثري استوطنه الإنسان في الجزيرة العربية، وهو «الشويحطية»، وقد كانت مدينة سكاكا في سابق عهدها عبارة عن مزارع من النخيل أكثر من كونها مدينة ذات مظهر حضاري.

وإلى جانب مدينة سكاكا، توجد في المنطقة محافظتان، هما القريات وتضم سبعة مراكز، ومحافظة دومة الجندل وتضم أيضاً سبعة مراكز، أما بقية المراكز، والبالغ عددها 16 مركزاً، فتتبع إدارياً لمركز المنطقة في مدينة سكاكا، وبحسب بيانات التعداد السكاني 2004، بلغ عدد سكان منطقة الجوف حوالي 362 ألف نسمة، 85 في المائة منهم سعوديون.

ويوجد في منطقة الجوف طرق معبدة بطول 1140 كيلومترا، في مقابل 1700 كيلومتر من الطرق الزراعية الممهدة ترابياً، تخدم المزارع والهجر والقرى، كما يوجد في منطقة الجوف مطاران جويان، الأول مطار «الجوف سكاكا»، ويقع في منتصف المسافة بين سكاكا ودومة الجندل، ويبعد عن مدينة سكاكا حوالي 25 كيلومترا، أما المطار الثاني فهو مطار «القريات»، ويربط هذان المطاران منطقة الجوف بمناطق السعودية الأخرى، كما ساهما بشكل كبير في تدفق حركة البضائع والنقل بين المنطقة وباقي مدن المملكة.

ويعتمد السكان في منطقة الجوف على استخدام مياه الشرب من الآبار الخاصة أو الحكومية، كما يوجد في منطقة الجوف 24 محطة توليد ونقل وتحويل للكهرباء، تتوزع بين 12 مدينة ومركزا تابعا لإمارة المنطقة، وتغطي هذه الخدمة غالبية مراكز الإمارات الفرعية التابعة للمنطقة، كما تتوفر خدمة التلكس في 12 مركزا بالمنطقة، وبلغ معدل تغطية الخدمة الواحدة للهاتف العادي والريفي بالمنطقة 14 ألف شخص، وحوالي 22 ألف شخص للهاتف الجوال.

بينما بلغ عدد المستشفيات الحكومية بالمنطقة ثمانية مستشفيات، طاقتها الاستيعابية 852 سريراً، إلى جانب 47 مركزاً صحياً تابعة لوزارة الصحة، كما يوجد بها 10 مستوصفات خاصة، إلى جانب مركزين لطب الأسنان، ومحجر صحي وعيادة مكافحة التدخين، ومعهد صحي للبنين ومعهدين صحيين للبنات.

من جهة أخرى، بلغ عدد المصانع حتى نهاية 2002، 20 مصنعاً بإجمالي رأسمال مستثمر بها 181 مليون ريال سعودي، وتعمل هيئة المدن الصناعية على إنشاء مدينة صناعية جديدة في منطقة الجوف، ويوجد بالمنطقة العديد من المكامن المعدنية، وتم إصدار عدة صكوك تعدينية للاستفادة من تلك المعادن والخامات. ويعتبر القطاع الزراعي في منطقة الجوف من القطاعات الإنتاجية المهمة بالمنطقة، نظراً لجودة تربتها ووفرة وعذوبة المياه، ومناخها المناسب، مما يجعلها بيئة صالحة لزراعة العديد من المحاصيل الزراعية، ما أدى إلى احتلال القطاع الزراعي المرتبة الأولى في قائمة الأنشطة الاقتصادية، بل ويعد النشاط الأول للسكان، ويوجد في منطقة الجوف حوالي 120 مشروعا زراعيا بالقرب من سكاكا، وحوالي ألف مشروع زراعي في بسيطا، إضافة إلى ذلك فإن بالمنطقة مشاريع أخرى لبعض الشركات الزراعية، مثل شركة الجوف للتنمية الزراعية، وشركة نادك، وشركة الراجحي للأعمال الزراعية، وتتميز منطقة الجوف منذ القدم بزراعة النخيل، واشتهرت المنطقة مؤخراً بزراعة وإنتاج محصول الزيتون، كما نجحت بالمنطقة زراعة محاصيل الفاكهة من الموالح والحمضيات واللوزيات.

وتحظى منطقة الجوف بمقومات سياحية جيدة، تؤهلها إلى تحقيق مركز متميز على خارطة السياحة الداخلية في السعودية، وتم إنشاء شركة متخصصة بالمنطقة للمشاريع السياحية والترفيهية، ويتوقع لها تنفيذ العديد من المشروعات، لا سيما في توفر العديد من الآثار القديمة بالمنطقة، والتي تظهر بعضاً من تاريخها العريق، إلى جانب النهضة الحديثة التي تشهدها المنطقة، إلى جانب توفر البيئة الأساسية التي تخدم النشاط السياحي كالطرق والفنادق والمتنزهات والمزارات السياحية والأسواق التجارية وغيرها، كما توجد «بحيرة دومة الجندل»، والتي تعد من أهم عناصر الجذب السياحي للمنطقة، فيما لو تم استثمارها سياحياً.