«التربية والتعليم» تعتمد معلمات ومشرفات تربويات لتأليف المناهج التعليمية

مشاركات: اعتمدنا على مجهودنا الذاتي.. والإدارة لم توفر لنا دراسات أو تأهيلا مناسبا

TT

تباينت ردود الأفعال حول تخصيص إدارة التربية والتعليم في منطقة مكة المكرمة لمجموعة من المعلمات والتربويات من حملة درجة البكالوريوس لإعداد المنهج المطور للغة العربية، لمراحل التعليم العام في السعودية، والتشكيك في قدراتهن العلمية وخبراتهن القليلة في هذا المجال الحيوي الذي يفترض أن يقوم به خبراء متخصصون يملكون الكفاءة اللازمة لتطوير مستقبل التعليم في البلاد الى مستويات تواكب العالم المتقدم.

وكانت الوزارة أقرت المشروع الشامل لتطوير المناهج، وانتهت من إعداد وثائق المناهج البالغة 12 وثيقة في عام 1422هـ، لكنها ركنت الى تمكين معلمين ومعلمات ومشرفين ومشرفات تربويين، لأداء هذه المهمة المفصلية، فيما هم لا يملكون تجارب أو خبرات سابقة في التأليف التعليمي، وغير متخصصين به، معتمدين على تجربة فردية وميدانية طويلة في تعليم المناهج القديمة.

هذا ما تكشّف لـ«الشرق الأوسط» عبر الاقتراب من تطوير مقرر اللغة العربية الذي تعكف حاليا إدارة التطوير التربوي بجدة التابعة لوزارة التربية والتعليم على تطويره وفق منهج المنحى التكاملي، معتمدة على مجموعة يسيرة من المعلمات والمعلمين والمشرفات والمشرفين غير المتخصصين؛ تم إعدادهم بدورات متواضعة وقصيرة، بينما كانت خلال السنوات الثلاث الماضية قد عملت على تطوير كل من مقرري اللغة الإنجليزية والرياضيات اللذين أوكل أمر تطويرهما هذا العام لإدارات أخرى.

وفيما كان المتوقع أن يشترك ويتفرغ عدد غير قليل من شرائح التعليم المتنوعة من المؤهلين والمختصين من الخبراء والأكاديميين والتربويين في عملية تأليف المقررات التعليمية، التي تحملت وزارة التربية والتعليم مسؤوليتها ورصدت لها ميزانية عالية؛ لم تعتمد إدارة التطوير التربوي بجدة في عملية التأليف للمقررات التعليمية على متخصصين وأكاديميين سوى في مرحلة المراجعة والتعديل لهذه المقررات.

وكانت وزارة التربية والتعليم تعيش منذ أكثر من ثلاث سنوات مخاض تطوير وتأليف المناهج التعليمية لمختلف مراحل التعليم للبنين والبنات، بعد مطالبات ملحة بذلك، مماشاة لحاجات العصر وتقنياته وتطور المجتمع السعودي السريع كما صرحت بذلك الوزارة في عدة مناسبات وأوضحته في موقعها الإلكتروني، وهو ما كلف الدولة السعودية ميزانية مادية عالية لإجراء التطوير اللازم، وإرسال الوزارة وفودا من قبلها للاطلاع على التجارب الدولية في مجال التربية والتعليم، وإجراء الدراسات والأبحاث المتخصصة. وكان قد أوضح عدد من اعضاء سابقات تحتفظ «الشرق الأوسط» بأسمائهن، ضمن فريق عمل تأليف منهج اللغة العربية؛ الذي تواصل إدارة التطوير التربوي بجدة عملها في تأليف الحلقة الأخيرة منه وفق المنحى التكاملي، فيما سحبت وزارة التربية والتعليم كلا من اللغة الإنجليزية والرياضيات من الإدارة وتم تكليف إدارات أخرى لمواصلة عملية التأليف والتطوير لمناهجها؛ بأنهن لا يمتلكن خبرات سابقة في عملية التأليف وليست لديهن تجربة منهجية سوى الاتكاء على خبراتهن الميدانية التربوية في تدريس المناهج القديمة. وقالت (ن) إحدى اللاتي عملن في الفريق منذ البداية: «لقد تم إعطاؤنا دورات ضعيفة وغير مجدية في عملية التأليف وفق المنحى التكاملي الذي اعتمدته الوزارة لتطوير مقرر اللغة العربية».

وتتابع حديثها «لم نستفد منها لأنها غير عميقة ولا تعتمد فترة زمنية كافية تنتهي باختبارات تقيس إمكانية عملنا في التأليف التعليمي، وغير كافية للإلمام بالمنحى التكاملي الذي يعتبر منهجا جديدا ليس لدينا عنه أي فكرة مسبقة». وتصف هذه الدورات بقولها «كانت مجرد لقاءات وأوراق عمل أشبه بالمحاضرات قدمها لنا خبير أردني، هو الوحيد الذي جاء ولم نلتق بغيره من الخبراء الدوليين العرب، بقي لمدة أسبوعين كما أتذكر، تم خلالهما تكثيف اللقاءات به، وبصراحة لا يمكن حتى تسميتها دورات». وتؤكد كلامها (د) عضو سابقة في فريق العمل قائلة: «الخبير الأردني لم نستفد منه شيئا، وربما ما نمتلكه من معلومات كان أكثر مما أعطانا إياه»، ولهذا تشير كل منهما بقولهما «اعتمدنا على أنفسنا في تطوير قدراتنا على التأليف وبشكل ذاتي، ومجهود فردي، دون مساعدة الإدارة لنا أو توفير ما يلزمنا لهذه المهمة الصعبة».

وعن اطلاع فريق التأليف على دراسات سابقة أو مناهج تعليمية عربية أخرى طورت وفق المنحى التكاملي أكدت كل منهما أنه لم يتم تقديم أي دراسات أو تجارب تطويرية لهم كفريق عمل يعينه على التأليف التعليمي، وقالت (ن) «لقد طالبتُ الإدارة عدة مرات بتزويدي بدراسات سابقة ومناهج تعليمية أخرى يمكننا أن نستفيد منها إلا أنها لم توفر ذلك لنا». وتكمل «حتى أني طالبت بالانتداب إلى الخارج كي نطالع التجارب التعليمية العربية التي سبقتنا وكان لدي استعداد لذلك، لكن للأسف لم يوافقوا». وتتابع «هذا ما جعلنا جميعا نتكفل ماديا بشراء المراجع والكتب التي تتحدث عن كيفية التطوير التربوي والمناهج التعليمية كي نعتمد عليها بمجهود فردي أثناء عملنا في عملية التأليف».

وتضيف «الحمد لله هذا لا يعني أن هناك قصورا من قبلنا في إتمام هذه العملية فقد اجتهدنا بقدر استطاعتنا ووضعنا كل إمكاناتنا لأداء هذه الأمانة». وأشارت (د) إلى أنهم وعدوا بمكافآت وإغراءات مادية لم تتسلمها حتى بعد خروجها من فريق العمل، وتقول «لقد أخبروني بأنهم بدأوا بتسليم مكافآت حاليا، وأن المبلغ كما سمعت ولست متأكدة هو 40 ألف ريال، يتم تقسيمها على فريق العمل». فيما أشارت زميلتها (ن) التي أمضت أكثر من سنتين ضمن الفريق ولم تتسلم أي مكافأة خلال هذه الفترة بأنها سمعت أن الميزانية التي وضعت لهم حينها هي 300 ألف. لكنها خلال اليوم التالي لحديثها، هاتفت «الشرق الأوسط» وذكرت أنه تمّ الاتصال بها من قبل الوزارة، وطلبوا منها رقم الحساب، وأخبروها بأن لها مكافأة سيتم وضعها في حسابها».

وعن المبلغ تحديدا تقول «لا أعلم كم سيصرف لي، لكن أشيع بأنه يقدر بـ15 ألف ريال ولست متأكدة من ذلك». وتشير (د) إلى أن عدد الفريق النسائي الذي كان يعمل في تطوير وتأليف مناهج اللغة العربية للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة كان يقارب تسعاً فقط معظمهن معلمات وقليل منهن مشرفات تربويات، تم تقسيمهن وفق ثلاثة صفوف، بدأت بالصفوف الأول والرابع الابتدائي والأول المتوسط، لينتقل العمل التطويري سنويا إلى الصفوف التالية، حتى الحلقة الأخيرة من منهج اللغة العربية الذي تعمل حاليا الإدارة عليه، ويتمثل في الصفوف الثالث والسادس الابتدائي والثالث المتوسط. وتقول (ن) «لم يتم إشراك أكاديميات أو متخصصات في المناهج ولا طرق التدريس من الجامعات السعودية ضمن فريق عمل التأليف، وهذا ما جعلنا نعتمد بشكل كبير على مجهودنا الفردي، خاصة أنها أمانة ثقيلة جدا، فنحن نؤلف منهجا سيدرسه ملايين الطالبات والطلبة في المدارس وهم من شأنهم سيكونون ثروة الوطن ومستقبله».

هذه الأمانة الثقيلة والصعبة كما أشارت (ن) جعلتها تشعر لأول مرة بالهزيمة على حد قولها، وتقول «لي سنوات طويلة في الميدان التربوي، ولم اهزم خلالها أبدا، لكنني بصراحة شعرت بالهزيمة في عملي هذا، لأنه لم يتم توفير الإمكانات اللازمة لنا لإتمام هذه المهمة الصعبة، وهو ما جعلني انسحب واعتذر عن مواصلة العمل في الفريق».

ولم تكن هي وزميلتها الوحيدتين اللتين انسحبتا من فريق العمل فقد أكدتا أن «كثيرات اعتذرن عن عدم مواصلة العمل ضمن الفريق في إدارة التطوير التربوي بجدة، وكانت هناك انسحابات متعددة، خاصة من قبل المشرفات التربويات بأعذار مختلفة، لكن أهمها عدم توفير ما يلزم من أدوات ودراسات لمواصلة العمل، بجانب المعاملة الإدارية السيئة وغير اللائقة التي لا تحتمل داخل الإدارة النسائية» وأوضحتا أنه على مدار السنة توجد انسحابات من بعض الزميلات واعتذارات مستمرة عن مواصلة العمل؛ الأمر الذي أدى إلى تغيير مستمر وغير مستقر لعدم استقرار أعضاء الفريق لعملية التأليف التعليمي للمنهج. وأضافتا، هذه الاعتذارات والانسحابات أدت إلى وجود عجز في الفريق النسائي الذي يعمل حاليا على تطوير منهج اللغة العربية، وبرغم من توفر عدد كبير من المشرفات التربويات بإدارة التعليم بجدة إلا أنهن يعتذرن عن أي طلب إداري للانضمام إلى فريق العمل في التطوير التربوي بعدما عرفن من زميلاتهن عن ما يدور خلف الكواليس النسائية، وهذا ما أوضحته إحدى المشرفات التربويات في قسم اللغة العربية رفضت ذكر اسمها.وقالت «لقد جاءنا طلب إداري يفيد بالحاجة الماسة إلى مشرفات تربويات يعملن ضمن فريق تأليف اللغة العربية ولكن جميع المشرفات كتبن (لا أرغب) بالانضمام إلى الإدارة»، موضحة أن سوء المعاملة الإدارية كانت سببا من الأسباب المهمة في رفضهن واعتذارهن المستمر.

وهو ما لم تفد به مسؤولة قسم الإشراف التربوي للغة العربية وسيلة باموسى التي اعتذرت عن المشاركة بشكل شفوي في الطرح والرد على استفسارات «الشرق الأوسط» حول هذا الموضوع، فيما طالبت أن يكون ردها مكتوبا مشروطاً بموافقة إدارة التعليم بجدة على تجاوبها.