العائدون من غوانتانامو متفائلون بالمستقبل.. وسط تأكيدات بتوظيفهم وتزويجهم

شقيق: المجتمع متعاطف مع أخي.. ولا خوف على مستقبله * آخر: الفراغ هو الذي دفع بأخي إلى مغادرة البلاد * عائد بعد 5 سنوات من الاعتقال: لا يزال مهووسا بتربية الإبل

TT

لم ينفك أنور حمدان النور، وهو واحد من أصل 16 مواطنا سعوديا استعادتهم الرياض من معتقل غوانتانامو الأسبوع الماضي، من سؤال عائلته كلما أتت لتزوره في السجن الذي يحتجز داخله جنوب العاصمة، عن أوضاع «الحلال»، وهو مصطلح يستخدمه السعوديون للتعبير عن مجموعات الإبل وقطعان الغنم التي يمتلكونها، ويقومون برعايتها خارج أسوار المدن.

فقد كان أنور حمدان، البالغ من العمر 37 عاما (الآن)، مهووسا بالإبل إلى درجة كبيرة، وفقا لشقيقه عبد الله الذي يصغره سنا، والذي كان يتحدث لـ«الشرق الأوسط» مساء أمس، وهو اليوم الأخير الذي سمحت به وزارة الداخلية لعائلات العائدين من زيارة أبنائها، استعدادا لبدء التحقيقات معهم، واستكمال الإجراءات النظامية بحقهم.

وما يدلل على عشق العائد أنور للصحراء، هو الوعد الذي قطعه لأبنائه الستة، بأنه في حال خروجه من السجن، سيأخذهم في نزهة على المناطق الصحراوية الأكثر شهرة في البلاد.

وكانت وزارة الداخلية السعودية قد سمحت لعائلات العائدين بزيارة أبنائهم الـ16 منذ الرابع عشر من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، حتى أول من أمس، بواقع زمني يتخطى حاجز الـ4 ساعات يوميا، تبدأ من الثانية ظهرا، وتنتهي في تمام السادسة مساء، فضلا عن تكفل الوزارة بكافة تكاليف سفر وإقامة عائلات المعتقلين العائدين.

وسعت عائلات العائدين الـ16 من غوانتانامو، أن تكون حلقة وصل بين أبنائهم العائدين، وعائلات المعتقلين الذين لا يزالون رهن الاعتقال في المعتقل الأميركي سيئ السمعة.

ولا تزال العائلات السعودية التي لها أبناء في معتقل غوانتانامو، تعاني من انقطاع أخبار ابنائها عنها، وتستغل كل فرصة تعود فيه دفعة جديدة، للاستفسار منها عن أوضاع أبنائها داخل المعتقل.

وقال عبد الله النور لـ«الشرق الأوسط» إن عائلته لعبت دوراً مهماً خلال زيارته لابنها أنور داخل السجن، في نقل أخبار المعتقلين السعوديين في غوانتانامو إلى عائلاتهم.

ولم تكتف عائلات المعتقلين: فهد الفوزان، جابر القحطاني، زيد الغامدي، نايف العتيبي، نايف النخيلان، الذين لا يزالون رهن الاعتقال في خليج غوانتانامو، بالتطمينات التي كانت تبثها إليها عائلة العائد أنور حمدان النور، بل كانت تصر كل من تلك العائلات على مكالمة العائد أنور شخصيا وغيره من العائدين، للاطمئنان على أبنائهم، وشرح أوضاعهم داخل المعتقل منذ اعتقالهم وحتى اللحظة.

خلفية الاعتقالات

* تعود خلفية اعتقال أنور حمدان النور، الذي كان يعمل موجها للتربية الإسلامية في إحدى المدارس السعودية، إلى عام 2001، بعيد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، حيث كان وفقا لشقيقه عبد الله موجوداً في ذلك الوقت في باكستان، بهدف مد يد العون والإغاثة للمتضررين في ذلك البلد، قبل أن يعتقل من قبل من أسماهم عبد الله ببعض «المرتزقة»، الذين قاموا بتسليمه إلى القوات الباكستانية، لتقوم بدورها بتسليمه إلى القوات الأميركية، التي أودعته في معتقل غوانتانامو.

ووصف عبد الله بأن ما جرى لشقيقه طيلة الفترة الماضية، كان قضاء وقدرا، رافضا في السياق ذاته أن يكون شقيقه أنور قد أخطأ في ذهابه إلى دولة باكستان· فهو على حد تعبيره لم يذهب لقتال أحد، بل ذهب لتقديم الخدمات الإنسانية.

وكان أول شخص تنامى إلى أذنيه صوت العائد النور، هو والده الشيخ حمدان، حيث كان يبعد عن ابنه في تلك اللحظة بمسافة تجاوز الـ1000 كيلومتر حيث مقر إقامته في مدينة الجوف شمال البلاد.

وعلى الفور باغت الوالد ابنه بعبارة وقعت كالسكين على الابن، حيث قال بلهجته البسيطة «وين هالصوت صار لنا زمان ما سمعناه»، ثم بتر الأب عبارته تلك، مجهشا بالبكاء، فتناول سماعة الهاتف بعده ابنه الأكبر، الذي لم يتمكن بدوره من كبح جماح مشاعره حيث أجهش بالبكاء هو الآخر.

ولم يتعرف العائد أنور حمدان في بداية الأمر على بعض أشقائه الذين فارقهم، وكانت أعمارهم لا تتجاوز الـ11 سنة، حيث من المعروف أن هذه الفترة الزمنية تحدث تغيرات كبيرة على هيئة من هم في مقتبل سن المراهقة.

ولكن المفاجأة التي حلت على العائد النور هو رؤيته لأول مرة لابنه الأصغر والذي يبلغ من العمر خمس سنوات، والذي لم يكن ليولد إلا بعيد اعتقال والده الذي هو رب أسرة لعائلة مكونة من 3 أولاد و3 فتيات.

وعن أصعب ما كان يواجه المعتقل العائد أنور حمدان النور، هو حلول موسم الحج لكل عام قضاه في المعتقل الأميركي، حيث تعود صعوبة هذا الموقف، كما يرويه شقيقه الأصغر، لرؤيا كان قد شاهدها شقيقه العائد في منامه، والتي شاهد فيها نفسه يخرج من معتقل غوانتانامو في أحد مواسم الحج.

وكان أنور كلما انقضى موسم حج لأحد الأعوام التي قضاها هناك، يعرف أنه لن يفرج عنه إلا في الموسم الذي يليه، حتى طال الانتظار فيه لخمسة مواسم حج، ليأتي موسم حج هذا العام، حاملا خبر الإفراج عنه.

وفي موضوع آخر، يبدو أن العائد النور، وفقا لشقيقه، ليس لديه اهتمام كبير بما سيواجهه بعد إفراج السلطات السعودية عنه، فهو إنسان متوكل على الله، ولديه أمل كبير أن أموره الحياتية ستتحسن إلى أفضل مما كانت عليه في السابق قبيل مغادرته أراضي البلاد.

الأمهات في سهر دائم

* وقبيل انتهاء شقيق أنور من حديثه، ينضم إليه محمد ساري العنزي، شقيق المعتقل العائد سلطان ساري، الذي قال ممازحا، لو كنت أعلم أنكم تجرون لقاء صحافياً لما جئت إليكم، فهو على حد قوله، عانى كثيرا من تجاوزات بعض الإعلاميين المحليين.

ويقول محمد العنزي، ان والدته كانت أكثر القلقات على ابنها سلطان أيام كان رهن الاعتقال في أميركا، وقال بصراحة تامة «لا أخفيك سرا فالفاقد الوحيد له كان أمه»، مستدركا بالقول «لكن هذا لا يعني أننا لم نكن في قلق عليه».

وشاركنا الحديث عبد الله النور، مقسما «أن والدته لم تكن تذوق طعم النوم طيلة الفترة التي كان فيها شقيقه رهن الاعتقال في غوانتانامو»، وأنها لم تهنأ بنومها إلا بعيد استعادته من هناك.

وهنا ذكر محمد العنزي أن والدته لم تقف دموعها طيلة الزيارات التي قامت بها العائلة لابنهم العائد سلطان.

وقال محمد ان اللقاء المبدئي بين العائلة وبين شقيقه سلطان، كان يشوبه الجفاء نوعا ما، نظرا لطول الفترة التي قضاها الابن بعيدا عن عائلته، غير أن حميمية اللقاء ما لبثت إلا أن عادت خلال بقية أيام الزيارة.

وعن أسباب ذهاب الشباب إلى مناطق النزاع، يؤكد محمد العنزي، أن أسباب ذهاب شقيقه سلطان إلى باكستان للالتحاق بركب من يقدمون الأعمال الخيرية هناك، هو الفراغ، حيث ان شقيقه توقف عن الدراسة بعد إكمال دراسته المتوسطة، ولم يجد وظيفة ليؤمن بها مستلزماته الشخصية على أقل تقدير، باعتبار أن أسرته من الأسر محدودة الدخل.

وذكر محمد العنزي، أن الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية، طمأن عائلات العائدين من غوانتانامو، بألا يخافوا على مستقبل أبنائهم، حيث سيتكفل الأمير محمد وباعتبار أن هناك توجها لوزارة الداخلية لإعادة تأهيل العائدين لانخراطهم في المجتمع، بتوظيف المفرج عنهم، والمساهمة في تزويجهم أيضا، في خطوة تعكس الاهتمام الذي توليه وزارة الداخلية بالعائدين، وضرورة أن يعودوا أعضاء فاعلين في المجتمع.

وبعد أن أنهى 11 سعوديا كانوا قد عادوا من معتقل غوانتانامو ضمن مجموعة تضم 28 معتقلا عائدا، بعد أن أنهى هؤلاء محكومياتهم، أفرجت وزارة الداخلية السعودية عنهم قبل يومين.

وأكد ثامر العويضة، شقيق راشد عواد العويضة، وهو واحد من مجموعة الـ11 التي أفرجت الداخلية السعودية عنهم، أن شقيقه المفرج عنه متفائل جدا بالمستقبل الذي ينتظره.

وجاء الإفراج عن الـ11 عائدا من غوانتانامو، بعد قرابة الـ5 أشهر من إعادتهم إلى أرض الوطن.

واستبعد ثامر العويضة، أن يواجه شقيقه المفرج عنه وغيره من زملائه، بعض المعوقات المجتمعية، والتي عادة ما تنبذ الشخص الذي لديه سوابق في ماضيه· مؤكدا في السياق نفسه أن المجتمع الخارجي متعاطف مع قضية شقيقه بشكل كبير.

وتضم الدفعة التي أفرجت عنها الداخلية السعودية أخيرا، 4 مواطنين، جميهم من منطقة الجوف، شمالي البلاد، وهم: راشد العويضة، عادل النصيري، راشد القايد، ووسم الوسم· وهنا أكد العويضة أن الأربعة المفرج عنهم والذين واجهوا نفس المصير، لم يكونوا على صلة ببعضهم في السابق، حيث جمعهم فقط المعتقل الأميركي.