شتاء القنفذة.. قوارب تحمل المتنزهين في رحلات صيد استثنائية إلى جزر البحر الأحمر

شواطئها تغازل رجال الأعمال والشركات السياحية بفرص استثمارية ناجحة

TT

«على القودي شمرنا، بحور الله نسعى».. بهذه العبارة كان الصيادون في «محافظة القنفذة» يبدأون يومهم الصباحي قبل عشرات السنين، بالبحث عن الأسماك في أعماق البحر الأحمر، معتمدين على الله، ثم على تلك الأدوات البدائية والسفن الشراعية التي كانوا يصنعونها لاصطياد الأسماك وتصديرها إلى المدن المجاورة بغية الحصول على قوتهم اليومي.

أما اليوم فلقد أصبح الأمر أكبر من مجرد فكرة «صيد أسماك». فلم تعد تلك المهنة “مهنة الصيد تُمارس من أجل الحصول على القوت اليومي فحسب، بل أصبحت تعني لسكان القنفذة أداة ترويجية لمحافظتهم في مجالات الإعلام والسياحة والاقتصاد· قوارب الصيادين تنطلق يومياً من شواطئ القنفذة وعلى متنها عشرات السائحين الذين يقصدون الجزر البحرية القريبة من محافظة القنفذة· ذات القوارب التي تستخدم في صيد الأسماك، أصبحت اليوم تستخدم في الترفيه والسياحة والقيام بجولات بحرية والتمتع بممارسة صيد الأسماك والاستماع إلى «مغامرات البحر» التي يحكيها «النوخذة» وهو يقود قاربه المتواضع، مستمتعاً برذاذ البحر وتلاطم الأمواج، ومنشداً لأغاني البحر التي تعلمها من آبائه وأجداده الذين سبقوه إلى هذه المهنة.العم «أبو عمر الجدعاني» والذي يطرب كثيراً لمن يلقبه بـ«النوخذة»، بدا صوت محرك قاربه المتواضع يتقاطع مع صوته العذب وهو يغني «يا حوته كيف الجلب صادك... يا حوته ما أنا من أندادك».

«العم أبو عمر» يقوم بجولاته البحرية متى طلب منه زبائنه ذلك. يحمل معه «السائحين» في نزهة بحرية إلى إحدى الجزر القريبة، ولا ينسى أن يعطيهم أدوات الصيد ليتمتعوا «بهواية صيد الأسماك»، ولا ينسى أيضاً أن يحكي لهم قصصه اليومية التي عاشها مع البحر.

ينطلق «العم أبو عمر» في الصباح الباكر بزبائنه إلى إحدى الجزر البحرية القريبة من محافظة القنفذة كجزيرة أم القماري، أو جزيرة البطائن، وجزيرة شعاريين. ويحكي لنا وهو يجهز أدوات الصيد لزبائنه: «عندما نقوم بهذه النزهة البحرية، أترك للمتنزهين حرية اختيار طريقتها، فإما أن تكون نزهة فقط لأقوم بتعريفهم بالجزر وإعطائهم فرصة التمتع بمنظر طيور البحر والجزر المرجانية، أو نتفق على أن تكون نزهة لصيد الأسماك يستمتع فيها المتنزهون بصيد الأسماك من أعماق البحر وبجوار الجزر المرجانية، والأخيرة هي التي تستهوي الناس كثيراً وخاصة الشباب». ويؤكد «العم أبو عمر» بأن رحلاته البحرية التي يقوم بها تلقى إقبالاً شديداً من المتنزهين، وأنه وزملاءه يقومون يومياً ـ خاصة في فصل الشتاء ـ بعشرات الرحلات.

ويضيف: «بات البعض يفضل هذا النوع من الترفيه والسياحة، لأنه يشعر بأنه قد أخذ حريته في التصرف، وأن هذا الأسلوب يضيف إلى عالمه تجربة جديدة، كتجربة الصيد، وخاصة للذين يقدمون إلينا من جبال السراة».

مهنة صيد الأسماك التي يتقنها «العم أبو عمر» من عشرات السنين، لا يرى حرجاً في تعليم أسرارها لزبائنه المتنزهين، وإعطائهم الطرق الصحيحة في ممارستها، والحصول على أفضل أنواع الأسماك، ويشير إلى أنه سبق وأن علم الكثير من المتنزهين أساسيات «هواية صيد الأسماك»، وأن الكثيرين منهم بات يتردد عليه لأجل ممارسة هذه الهواية.

ولا يكدر صفو «العم أبو عمر» سوى تجاهل المسؤولين في المنطقة لدورهم في تنشيط السياحة، على الرغم من توفر كل مقومات السياحة في القنفذة، ويوضح بأنه وزملاءه عانوا كثيرا من “تجاهل دورهم الحقيقي في جلب السياح للمنطقة وتنشيط الحركة السياحية والاقتصادية فيها، والترويج للقنفذة إعلامياً»، مشيراً إلى أن هذه الصناعة الترفيهية «المتواضعة» بحاجة إلى الدعم والرعاية من المسؤولين في المنطقة.

أمام ذلك التجاهل، لم يكن يقف «العم أبو عمر وأصدقاؤه» مكتوفي الأيدي بل اتفقوا معاً على جمع مبلغ من المال ليقوموا بتجهيز إحدى الجزر القريبة بالمقومات الأساسية حتى يستطيع «المتنزهون» النزول إليها والتمتع بالجلوس على جنباتها.

من «شاطئ حنيش»، مرفأ قوارب الصيادين، والذي يمتاز بهدوئه وبكثرة مرتاديه، يؤكد سلطان يحيى عسيري من مدينة أبها، والذي قدم للتو من رحلة بحرية، بأن رحلة الصيد التي قام بها أضافت إلى حياته تجربة جديدة ورائعة في عالم البحر، وتعلم معها الحياة البسيطة التي يعيشها «الصيادون».

وأضاف «هذه الصناعة السياحية الجديدة بحاجة إلى دعم وتفعيل أكبر من المسؤولين في هيئة السياحة ومن المسؤولين في المنطقة حتى تأخذ مكانها المناسب، ولكي تصبح مدينة القنفذة وجهة سياحية جديدة لسكان السعودية وخاصة في فصل الشتاء».

محافظة القنفذة، والتي كانت إمارة في السابق، كانت تلعب دوراً مهماً في خدمة المناطق الأخرى وتوفير البضائع البحرية والأسماك وصناعة السفن الشراعية المتوسطة الحجم. وتسعى هذه المحافظة البالغ عدد سكانها أكثر من نصف مليون نسمة والتي تمتد حتى جبال السروات شرقاً، إلى إظهار الجانبين الاقتصادي والسياحي للمنطقة، ولفت انتباه رجال الأعمال والمستثمرين إلى الفرص الاستثمارية الناجحة التي تحتضنها محافظة القنفذة.

ويؤكد ياسين المقعدي، أحد المهتمين بشؤون الإعلام، «بأن القنفذة تسعى هذه الأيام إلى تقديم نفسها للشركات التجارية والاستثمارية، كمنطقة خصبة لإقامة المشاريع الاقتصادية والسياحية البحرية على شاطئها الممتد لأكثر من 200 كيلو متر، خاصة وأن القنفذة تقع على تقاطع عدد من المناطق الكبرى في المملكة وتتوسط مدينتي جدة وجيزان، وتمتلك مقومات كثيرة لقيام صناعة السياحة على أرضها».

ويضيف، «اليوم يسعى شباب القنفذة إلى التعريف بمنطقتهم ـ ذات الطابع البحري ـ في كل المحافل، والبدء في تنظيم عدد من المهرجانات الترفيهية والسياحية، والتي كان أولها «المهرجان البحري لصيادي الأسماك وسباق القوارب» والذي أقيم قبل أسابيع برعاية وزير الزراعة، ليلفتوا أنظار سكان المناطق الجبلية المجاورة الممتدة من عسير إلى منطقة الباحة لقضاء فصل الشتاء في كل عام».