شرطة العاصمة المقدسة تستعين بـ80 ألف مواطن للتصدي للجريمة

سعيا نحو «مكة بلا جريمة» وإخضاع 90 من أرباب السوابق لبرامج تأهيلية وتوعوية لتصحيح مسارهم

TT

سعيا نحو تحقيق مشروع وطني للقضاء على الجريمة بدأت جهات أمنية سعودية في العاصمة المقدسة خطوات التطبيق العملي للمشروع الوطني «مكة بلا جريمة» وذلك بإخضاع 90 مواطنا من أرباب السوابق لبرامج توعوية مكثفة بغية إعادة دمجهم في المجتمع، والاستفادة منهم في محاربة الجريمة والآثار السالبة في المجتمع.

وينطلق المشروع «مكة بلا جريمة» من مركز حي العمرة في العاصمة المقدسة، والذي يشكل ـ ضمن عشرة مراكز أخرى ـ جمعية مراكز الأحياء في مكة المكرمة، التي ينضوي تحتها 60 حيا سكنيا داخل المدينة. وسيتم تقييم التجربة بعد عام كامل على أن يتم تصحيح الأخطاء أن حدثت وتجاوز القصور في بعض الجزئيات، فيما سيتم تطبيق هذا المشروع على بقية أحياء العاصمة المقدسة بدءا من حي المعابدة ثم المنصور.

وتسعى الجهات الأمنية إلى محاربة الجريمة من خلال تفعيل دور سكان الحي الذي يقدر عددهم بأكثر من 80.23 ألف نسمة من المواطنين السعوديين المسجلين رسميا ـ وفق إحصاءات مراكز الرعاية الصحية الأولية التابعة لتلك الأحياء ـ إلى جانب المقيمين فيها من الجنسيات المختلفة. بانطلاقة مشروع (مكة بلا جريمة) فقد أصبح جميع سكان المركز مطالبين بالوقوف صفا واحدا ضد الجريمة، ومنع وقوعها انطلاقا من تعظيمهم للبلد الحرام «مكة المكرمة» ومشاركتهم الفاعلة في المشروع الذي يحظى باهتمام ومتابعة من إمارة المنطقة، لما لهذه البقعة المقدسة من خصوصية ومكانة دينية تميزها عن غيرها من المدن الأخرى. حيث تتهافت قلوب ملايين المسلمين حول العالم للبيت الحرام في مكة المكرمة، وهناك أعداد مقدرة منهم تسعى إلى المجاورة دون النظر إلى آليات وشرعية التواجد، وهذا الوضع يقود إلى وجود غير مشروع لقادمين عبر مواسم العمرة أو الحج. ويطيب لهؤلاء القادمين المقام داخل مكة المكرمة، فتتزايد المخالفات مما يتطلب عونا بين المواطن والمقيم والجهات الأمنية في إصلاح الوضع وضبط المخالفين. لذا جاء المشروع رافدا للمساعدة في هذا الوضع.

وانطلقت فكرة هذا المشروع من جمعية مراكز الأحياء في مكة المكرمة، وأسندت لها مهام تنفيذه مع شرطة العاصمة المقدسة وبتعاون الجهات والمؤسسات التي من شأنها الإسهام في إنجاح هذا المشروع، هذا ما أكده الدكتور يحيى زمزمي أمين عام فرع جمعية مراكز الأحياء في مكة المكرمة في حديثه لـ«الشرق الأوسط». وأوضح زمزمي أن مشروع «مكة بلا جريمة» انبثقت فكرته عن مشروع «تعظيم البلد الحرام» الذي انطلقت فعالياته العام المنصرم، وحظي بدعم من إمارة منطقة مكة المكرمة، مشيرا الى أن دراسات بحثية وميدانية تتعلق بالواقع الاجتماعي والأمني في العاصمة المقدسة وخصوصية تعظيمها، دفعت أعضاء جمعية مراكز الأحياء في مكة المكرمة لتبني مثل هذا المشروع.

وأضاف أنه تم رفع توصيات بهذا الخصوص لإمارة منطقة مكة المكرمة بحيث يشمل المشروع في مراحله الأولى أرباب السوابق، ثم ينطلق لغرس القيم الإيمانية والروحية لتعظيم البلد الحرام في نفوس سكان مكة المكرمة من المواطنين والمقيمين والوافدين إليها. وأكد الزمزمي أنه تم التوجيه حينها من إمارة منطقة مكة المكرمة بتشكيل لجنة مشتركة من شرطة العاصمة المقدسة وجمعية مراكز الأحياء لوضع وتحديد محاور العمل لتنفيذ المشروع.

من ناحيته أوضح الرائد عبد المحسن الميمان الناطق الإعلامي باسم شرطة العاصمة المقدسة أن الشرطة تعمل حاليا بالتعاون مع جمعية مراكز الأحياء والجهات والمؤسسات المعنية وبتوجيه ومتابعة من إمارة المنطقة على تنفيذ مشروع (مكة بلا جريمة) نظرا للطبيعة الدينية والخصوصية التي تتميز بها المدينة عن غيرها من المدن الأخرى والتي يفد إليها الملايين من المسلمين في كل عام.

وأشار إلى أن ذلك جعل شرطة العاصمة المقدسة تقوم ووفق الدراسات الإحصائية والميدانية بمتابعة التأثيرات السلبية للعناصر الوافدة على الواقع الاجتماعي في المناطق والأحياء السكنية داخل مدينة مكة المكرمة لمنع انتشار المخالفات الأمنية بها.

وأشار الرائد الميمان إلى أن الجرائم المسجلة خلال الفترة من 30 يناير (كانون الثاني) عام 2006 وحتى 5 مايو الجاري بلغ مجموعها 32.37 ألف جريمة بين حالات بسيطة ومنتهية وغير منتهية ومعلومة وغير معلومة وبلغ إجمالي القضايا خلال نفس الفترة 628 حادثا جنائيا.

وأضاف أن المشروع يستهدف أرباب السوابق في مختلف القضايا والحد من تأثيرهم السلبي على المقربين منهم والمحيطين بهم وتفعيل دورهم من خلال برامج توعوية وتثقيفية ترفع لديهم الحس الوطني والأمني وتعيدهم الى جادة الصواب.

محاور المشروع

* وعاد الزمزمي ليبين آلية عمل المشروع بقوله، تنفيذ المشروع يقوم على محورين أساسيين الأول (الوقاية من وقوع الجريمة) وذلك من خلال خمسة برامج تتضمن البرامج التثقيفية والتوعوية لكافة شرائح سكان مكة المكرمة من مواطنين ومقيمين، تعريف الأهالي والسكان بالمشاكل التي تقع داخل الأحياء السكنية من خلال مراكز الأحياء بالتنسيق مع مراكز وأقسام الشرطة التابعة لكل حي.

وذكر أن آلية المشروع تتضمن أيضا تفعيل دور سكان الأحياء في التعاون والمشاركة للوقاية من الجريمة ومحاربتها والقضاء عليها، إزالة العوائق التي قد تحول بين المواطنين والأجهزة الأمنية بما يخدم المصلحة العامة، تنفيذ برنامج الشرطة المجتمعية.

وأضاف الزمزمي أن المحور الثاني يتعلق بالعلاج ويتضمن جانبين أساسيين أولهما: رعاية أرباب السوابق وقد تم البدء في تنفيذ هذا المشروع كمرحلة أولى في مركز حي العمرة وشمل حوالي 90 شخصا من أرباب السوابق وضع لهم برامج تأهيلية لدمجهم في المجتمع عبر برامج اجتماعية مكثفة يشاركون من خلالها في توعية فئات المجتمع.

وأشار إلى أنه تتم مشاركتهم في تلك البرامج بشكل فعلي بحيث يتم منحهم الثقة بأنفسهم ويغرس فيهم الروح الوطنية والتعاون البناء والمثمر ليعودوا أشخاصا فاعلين في خدمة مجتمعهم ووطنهم. وتطرق أمين عام جمعية مراكز الأحياء إلى عدة اجتماعات ولقاءات عقدت لإزالة العوائق بين المواطنين والأجهزة الأمنية المختلفة تم خلالها بحث ومناقشة جميع الجوانب المتعلقة بتعاون المواطنين مع الأجهزة الأمنية من خلال مراكز الأحياء وتفعيل دورها لتصبح همزة وصل بين سكان الحي والجهات الأمنية. وفي هذا الصدد يقول الدكتور الزمزمي إن جمعية مراكز الأحياء في مكة المكرمة بالتنسيق والتعاون مع مدير شرطة العاصمة المقدسة تعكف حاليا على عقد ملتقى عام يجمع القيادات الأمنية بالمواطنين في لقاءات دورية مفتوحة ومباشرة مع السكان داخل كل حي من الأحياء السكنية بهدف التعرف والوقوف على كافة المشكلات الأمنية لدراستها والوصول الى أفضل الأساليب لمعالجتها.

وذكر أنه تم إعداد برنامج موسمي يشجع الشباب في مكة المكرمة على التفاعل مع الخدمات الأمنية والاجتماعية من خلال المشاركة الفعلية في خدمة المعتمرين والحجاج والوافدين الى العاصمة المقدسة والحفاظ على أمنهم وسلامتهم ومشاركة أرباب السوابق في مثل هذه البرامج الاجتماعية والإنسانية مع كافة الأجهزة الأمنية المختلفة وتحت إشرافها.

ويشير الى أنه تم في العام المنصرم مشاركة 700 شاب من مختلف الأحياء السكنية ومن المتوقع أن يزداد العدد في هذا العام الى أكثر من 1000 شاب. الشرطة المجتمعية

* وكشف الدكتور الزمزمي أن موافقة وزارة الداخلية على تنفيذ برنامج (الشرطة المجتمعية) والبدء بتطبيق هذا المشروع الوطني في مدينة مكة المكرمة كمرحلة أولى لانطلاقته بالتعاون بين شرطة العاصمة المقدسة وجمعية مراكز الأحياء تأتي في إطار الخطوات المثمرة لإنجاح مشروع «مكة بلا جريمة».

وأبان أنه يجري حاليا تنفيذ هذا المشروع كبرنامج عملي على أرض الواقع وتطبيقه في حيين من أحياء العاصمة المقدسة هما (حي الملك فهد، والمسفلة).

من جانب آخر أوضح الدكتور عادل بن محمد نور غباشي رئيس لجنة رعاية السجناء والمفرج عنهم في مكة المكرمة أن اللجنة تسهم بدور بارز في هذا الجانب، حيث يشير غباشي إلى أن دورها لم يقتصر على تقديم العون والمساعدة للسجناء وأسرهم والمفرج عنهم بل تعداه إلى المساهمة في إعادة التفكير وصياغة البرامج والتي من شأنها توجيه سلوك السجناء والمفرج عنهم إلى الخير وغرس الروح والانتماء الوطني وبث القيم والأخلاق الفاضلة في نفوسهم وجعلهم عناصر فاعلة بما يعود عليهم وعلى أسرهم ومجتمعهم بالنفع والفائدة.

وكشف غباشي أن اللجنة أقرت تشكيل هيئة استشارية تطوعية من أساتذة الجامعات تضم مختلف التخصصات للعمل على منهج مقنن لمشروع (مكة بلا جريمة) وتنفيذه بالتعاون مع مختلف القطاعات والمؤسسات الحكومية والأهلية. وفي هذا الإطار عمدت اللجنة إلى وضع برامج تدريبية وتأهيلية لمساعدة السجناء المفرج عنهم بالاعتماد على أنفسهم في توفير مصادر دخل مناسبة لهم ولأسرهم تمكنهم من العيش بحياة كريمة بعيدا عن الانحرافات السلوكية.

ويؤكد رئيس لجنة رعاية السجناء والمفرج أن اللجنة بدأت منذ فترة بالتنسيق مع عدة قطاعات حكومية ومؤسسات خيرية وأهلية وشركات في القطاع الخاص لتوفير أعمال مناسبة لفئات من السجناء المفرج عنهم ممن تتوفر لديهم القناعة التامة بمزاولة العمل والابتعاد عن السلوك الإجرامي والوقوع في الجريمة. السكن العشوائي

* المناطق العشوائية لم تكن مشكلة عمرانية فحسب، بل تتعداها إلى مشاكل اجتماعية وصحية وأمنية واقتصادية أيضا، فمجتمعات المناطق العشوائية تعاني العديد من المشاكل منها الكثافة السكانية العالية والتي تؤدي بدورها إلى انتشار الجريمة والأمية وارتفاع حجم الأسرة وازدياد العمالة الوافدة في هذه المجتمعات، إضافة إلى ذلك كثرة الخلافات والنزاعات الحدودية على الأراضي والتعدي عليها، والإقامة غير القانونية أو النظامية التي تتخفى داخل تلك المجتمعات.

هذا الواقع دفع العديد من الباحثين والمعنيين في مراكز البحث، لإجراء دراسات ميدانية لواقع تلك الأحياء للاستفادة من تلك الدراسات والأبحاث الميدانية في مجالات التخطيط المستقبلي وإعادة التنظيم.

وفي دراسة أعدها الدكتور محمد بن مسلط العبدلي الأستاذ بقسم التخطيط العمراني في كلية الهندسة والعمارة الإسلامية بجامعة أم القرى عن المناطق العشوائية في مكة المكرمة، ظهر أن معظم سكان تلك المناطق هم من غير السعوديين بواقع 74 في المائة من عدد السكان. لكن العبدلي يشير في دراسته إلى أن أعداد غير السعوديين تتجاوز تلك النسبة وتصل إلى 84 في المائة في بعض المناطق كمنطقة النكاسة وشارع المنصور، متى ما قورنت هذه النتائج بالمخططات الحديثة الأخرى والتي تصل النسبة فيها الى 27 في المائة.

وتشير دراسة العبدلي إلى أن تركيبة السكان من غير السعوديين تختلف من منطقة إلى أخرى ففي حي النكاسة تجد غالبيتهم من جنسيات دول جنوب آسيا يشكلون 84 في المائة من بورما 38 في المائة ومن باكستان 32 في المائة ومن بنغلاديش 9 في المائة وتايلاند 3 في المائة وآخرين 18 في المائة ونسبة السعوديين بينهم لا تشكل سوى 16 في المائة. أما في منطقة شارع المنصور فإن غالبيتهم من الدول الأفريقية حيث تصل نسبتهم إلى 69 في المائة، منهم 11 في المائة من الجنسيتين النيجيرية والإثيوبية و9 في المائة من المصريين و8 في المائة باكستانيون و7 في المائة من السودان و21 في المائة من جنسيات أخرى من الدول الأفريقية غير العربية أما نسبة السعوديين بينهم فلا تتجاوز 31 في المائة. وتختلف بقية المناطق العشوائية الأخرى باختلاف التركيبة السكانية لها.

وبينت الدراسة أن معدل الذكور في تلك المناطق مرتفع جدا حيث بلغ 61 في المائة من إجمالي السكان الذين يقطنونها بينما تشكل نسبة الإناث 39 في المائة كما أن هذه النسبة تختلف من منطقة لأخرى. ويشكل العمال الغالبية العظمى من سكانها إذ تصل نسبتهم فيها إلى 68 في المائة يعملون في التجارة والبناء والورش الصناعية والمنازل وغيرها، بيد أن 20 في المائة منهم موظفون و10 في المائة أعمال حرة و2 في المائة ليس لديهم أعمال. وأظهرت الدراسة كذلك تدني مستوى التعليم في معظم تلك المناطق إذ تصل نسبة الأمية بينهم إلى 35 في المائة، كما أن الدخل المادي للأسر في المناطق العشوائية متدن جدا حيث تصل نسبة الأسر التي يقل دخلها الشهري عن 1000 ريال (266 دولارا) إلى حوالي 55 وتشكل النسبة العظمى بين سكان تلك المناطق من الأطفال والشباب وهذا ما يدفع بالكثير منهم إلى مزاولة الأعمال غير النظامية كالتسول والقيام بارتكاب الجرائم مثل السرقة وبيع المخدرات وغيرهما من الجرائم الأخلاقية الأخرى التي تزداد عادة في الأحياء العشوائية المكتظة والتي تشكل بؤرا لمثل تلك الجرائم.