فتيات يتساءلن تحت لهيب الصيف: أين نذهب؟

المراكز الصيفية قليلة والبنات يطالبن بفتح الأندية الرياضية

تجد الفتيات السعوديات في الفنون التشكيلية الملاذ لقتل اوقات الفراغ (تصوير: صادق الأحمد)
TT

تواجه حفنة من المراكز الصيفية، التي جرى تخصيصها لاستقبال الفتيات في المنطقة الشرقية، ضمن فعاليات الصيف، ازدحاماً منقطع النظير، يتزامن مع طاقة استيعابية محدودة، وسط تزايد كبير في أعداد الفتيات السعوديات اللائي يبحثن عن برامج لملء فراغهن في موسم الصيف.

وتشتكي طالبات انهين بعناء المرحلة المتوسطة والثانوية من انهن لا يجدن برامج تناسب ميولهن، أسوة بالشباب الذين تحتضنهم الأندية الرياضية والمخيمات والمراكز الصيفية. وقالت شابة في السابعة عشرة من عمرها «أين نذهب؟»، وأضافت: الأسرة لا تجيز لنا الخروج كالشباب، والمجمعات التجارية أصبحت مسكونة بالشباب الذين يضايقون الفتيات، والأماكن الرياضية مغلقة، ولا تملك الفتيات اللاتي تعجز ميزانيات الأسر في اصطحابهن للمصايف في الخارج سوى كبت مشاعرهن واحتساء الأسى طيلة قيظ طويل.

مديرة إدارة نشاط الطالبات بالمنطقة الشرقية، عواطف المزين، قالت لـ«الشرق الأوسط» ان هناك 9 مراكز ثقافية صيفية انطلقت مع بدء الإجازة الصيفية في المنطقة الشرقية هذا العام، 3 منها في الدمام، التي يقترب عدد سكانها من المليون نسمة، ومركزان صيفيان في الخبر، ومركز صيفي واحد في القطيف التي هي الأخرى تعد واحدة من المحافظات الكبيرة ذات العدد السكاني، ومركز واحد في رأس تنورة وواحد في الجبيل، وآخر في الخفجي.

وفي حين أوضحت المزين أن هذه المراكز ستقدم العديد من الأنشطة والبرامج المنوعة في مختلف المجالات الثقافية والاجتماعية والعلمية والمهنية والفنية لمختلف المراحل الدراسية الابتدائية والمتوسطة والثانوية بهدف شغل أوقات فراغ الطالبات وصقل مهاراتهن وإكسابهن العديد من المهارات بما يعود عليهن بالنفع.

وأشارت إلى أن الإحصائيات أظهرت إقبال اشتد على هذه المراكز، وسجلت المراكز القليلة طاقتها القصوى من الطالبات، حيث تم تسجيل ما يقارب 3250 طالبة منها 600 طالبة في الخبر، و950 في الدمام، 250 طالبة في القطيف، و200 طالبة في رأس تنورة، و550 في الجبيل، و700 طالبة في الخفجي. نوال السلمة، رئيسة قسم النشاط بإشراف القطيف، دعت المسؤولين لاعتماد مبان متخصصة للمراكز الصيفية طوال العام تحتضن الطالبات والخريجات لصقل مهاراتهن وتلقي المعرفة لاسيما وان المراكز الصيفية تعد ملتقى اجتماعيا وترفيهيا يشغل أوقات فراغ الطالبات.

وأبدت السلمة استياءها من عدم إدراج التربية البدنية أو الرياضة ضمن المناهج المدرسية أو ضمن نشاطات المراكز الثقافية الصيفية، وانها ما زالت تلاقي الجدل، واعتبرت ان الرياضة النسوية مهمة لمكافحة العديد من الأمراض من بينها السكري وانسداد الشرايين وهشاشة العظام وارتفاع ضغط الدم والقلب.

في حين انتشرت نواد رياضية نسائية تحت مسميات وتراخيص أخرى غير المستخدمة بها، واستغلت الوضع لاجتذاب انتباه الفتيات ببرامج الرشاقة والتخسيس بأسعار مرتفعة ولفترات طويلة تعمل على افراغ جيوب الفتيات اللاتي يعبرن عن حاجتهن للرياضة والرشاقة. وأكدت السملة أهمية احتواء الفتيات والإصغاء اليهن وتفهم متطلباتهن واحتياجاتهن، ومد جسر من الحوار وإشراكهن في اتخاذ القرارات المناسبة والتي لها دور في صنع مستقبلهن.

وقالت نوال السلمة ان الأندية الرياضية والكشافة والرحلات والمخيمات كانت السبب في عدم انسياق بعض الشباب إلى الانحراف او السقوط الى الهاوية وهم أكثر عنادا وتشبثا بالرأي، فما بال الفتيات وهن أكثر مرونة.

وقالت «لماذا نتجاهل الواقع المؤلم للعديد من الفتيات السعوديات اللاتي اصبحن ضحايا بعض شركات التجميل، جراء بيع مواد منتهية الصلاحية وملوثة، بالاضافة الى الحمية والرجيم الخاطئ والذي تسبب بنوبات ضعف وألم جعلتهن يلجأن للجراحة». ويستهلك الجلوس امام شاشات التلفزيون وقتا كبيراً من أعمار الفتيات اللاتي يضطررن للجلوس في البيت او مواجهة شاشة الكمبيوتر والإبحار في عالم الإنترنت، مما يضاعف احتمالات الإصابة بأمراض السمنة وسوء التغذية.

وترى وفاء صالح الغامدي (مشرفة تربوية)، ان تخصيص مبان للمراكز الصيفية لكل مرحلة بصورة مستقلة تلبي احتياجاتهم المختلفة، وذلك ان طالبات المرحلة الابتدائية تستهويهم الاناشيد والقصص والمسرحيات لانهن يتمتعن بخيال خصب وواسع، اما طالبات المرحلة المتوسطة وبعض طالبات المرحلة الثانوية فيجدن في المراكز الصيفية الملتقى الذي يجتمعن فيه لعقد الصداقات والترفيه.

وتسترسل لتشير إلى أن بعض الفتيات يهتممن بصقل مواهبهن و90 في المائة من رغبات الجامعيات بالمراكز الصيفية ينصب على الحاسب الآلي واللغة الانجليزية والذي يغلق التسجيل بهما منذ اليوم الاول في المراكز لزيادة الاقبال.

فيما اكدت هدى الحواج، (فنية تأهيل) بمجمع الامل بالدمام، على اهمية خروج الفتيات من الوحدة القاهرة والتي قد تؤدي الى العديد من الامراض النفسية او التدخين الذي يعد بوابة لادمان المخدرات، بالاضافة الى هوس الاسراف في المأكل والملبس وادمان المكالمات الهاتفية. لافتة الى ان انشاء نواد نسائية شاملة طوال العام تساهم وبشكل فعلي بعلاج بعض الامراض الجسدية والنفسية على حد سواء.

وقالت الحواج ان العديد من الفتيات المصابات بأمراض نفسية هن فتيات موهوبات، ويجدن المتعة والترفيه في الاشغال اليدوية والخياطة والرسم، حيث تبرز مواهبهن وتدعم بمزيد من الابتكارات اضافة الى انها تشغلهن عن التفكير بالمرض وتعزز الثقة بالنفس وفي القدرة على الانتاج والعطاء وبالتالى يتخطين لحظات اليأس والاحباط والاندماج والعمل المتواصل في البعد عن العزلة والانطواء والاستفادة من الخبرات المتنوعة. وذكرت معلمة ـ فضلت عدم نشر اسمها ـ انها لجأت الى احد المراكز النسائية الرياضية بالدمام للقيام بتمارين ما بعد الولادة وبعد شهرين من التمرينات برزت عضلات جسمها بشكل ملفت، تماما كالرجل، اصيبت بعدها بصدمة وانهيار، وذلك لعدم وجود رقابة على الاندية النسائية من حيث التراخيص ومدى ملاءمة ومناسبة انواع الرياضة المقدمة للمتدربات. وتقاوم العشرات من الفتيات الحواجز الاجتماعية والرسمية في منع توفير اندية رياضية بممارسة رياضة المشي على الشواطئ وفي الطرق العامة.

وقالت مريم الصقعبي (طالبة بكلية الآداب بالدمام)، ان الفتيات السعوديات بأمس الحاجة الى أندية ومراكز صيفية نسائية تعمل على صقل مواهب الفتيات واستغلال اوقاتهن في امور مفيدة، كما ان الدين الاسلامي لم يحرم الرياضة طالما التزمت الطالبات فيه بالزي المحتشم وطالبت المسؤولين وصناع القرار بإعادة النظر بما يتناسب مع متطلبات العصر. من جانبها، أبانت أفراح المناسف (أخصائية اجتماعية بمجمع الامل بالدمام)، ان الانشغال بالأعمال يساعد السيدات على تحقيق حد أعلى من الاستقرار النفسي، كما ان العديد من الحالات المرضية في المجال النفسي للعديد من للسيدات حققت استقرار نتيجة الانشغال بالعمل.

وقالت ان إنشاء النوادي الرياضية أو الصحية من شأنه أن يفرغ الطاقات الكامنة وبالتالي يخفف من الاعباء النفسية، بالاضافة لما يحققه من فوائد صحية. وأضافت أن الفراغ، والبطالة اللذين يعاني منهما اغلب الفتيات يؤديان بهن الى سلوكيات غير مرغوبة لتثبت ذاتها، كالتدخين وادمان الجلوس أمام الانترنت وشاشات التلفزيون، واكتساب صفات سيئة، وصولاً للاصابة بأمراض نفسية كالاكتئاب والوسواس القهري واضطرابات الشخصية.