دراسة هندسية تنتقد أنظمة العمار وتدعو إلى التخلص من 80 حيا عشوائيا

مختصون يحذرون من تنامي العشوائيات وينتقدون تداخل المهام بين الجهات التخطيطية

جانب من أحياء مكة العشوائية
TT

انتقدت دراسة هندسية الأنظمة العمرانية المتعلقة بعمارة وتخطيط مكة المكرمة، ووصفتها بالقديمة التي لا تعالج سوى مساحة محدودة من مشكلات العاصمة المقدسة، داعية إلى ضرورة العمل للتخلص من نحو 80 حيا عشوائيا فيها.

وحددت الدراسة، التي أعدها المهندس محمد عبد الله آل زيد في عشوائيات مكة المكرمة، أسباب انتشار العشوائيات التي وصلت إلى أكثر من 80 حيا عشوائيا وفي مقدمتها عدم وضع وسائل لتنفيذ دراسات سابقة تعنى بمكة المكرمة.

وقالت الدراسة إن «محاور النمو في العاصمة المقدسة خارجة عن السيطرة لعدم وجود قانون تشريعي لها، فالنطاق العمراني الموجود محدود المساحات، كما أن من أهم الأمور غياب النظرية التخطيطية التي تتحرك في ضوابطها التنمية العمرانية، حيث يلاحظ وجود عشوائية في اتخاذ القرارات واتباع سياسة الفعل ورد الفعل، وبالتالي أدى ذلك إلى فقدان السيطرة على العمران في المدينة وتفشت العشوائيات».

وقدرت الدراسة وجود نسيج عمراني معقد ومتشابك في مكة بما يشكل 73 في المائة من مساحة أم القرى، وقد نتج عنه سوء البيئة العمرانية نتيجة الفراغات البينية وتداخل استعمالات الأراضي، ونتج عن ذلك زيادة التعدي على الأراضي المملوكة للدولة وبعشوائية، حيث تبلغ نسبة العشوائيات في مكة 70 في المائة من المساحة.

ودعت الدراسة إلى ضرورة فصل العمليات التخطيطية داخل العاصمة المقدسة التي تسيطر عليها في الوقت الحالي أربع جهات، هي: الهيئة العليا لتطوير منطقة مكة المكرمة، هيئة تطوير المشاعر المقدسة في ما يتعلق بالمنطقة المركزية والعملية التخطيطية للمشاعر المقدسة التي تنفذها وزارة البلديات، وباقي أحياء مكة المكرمة، وتتولى التخطيط لها الأمانة، أما الجهة الرابعة فهي الشركات الخدمية، المياه والكهرباء والاتصالات والمواصلات وغيرها، وهو الأمر الذي أدى إلى اختلاف النظرية التخطيطية لمكة المكرمة لقيام أكثر من جهة بهذا الدور من دون رابط، مشيرة إلى أن ذلك أدى إلى ضياع الهوية البصرية للمدينة نتيجة لعدم وجود نظرية تخطيطية لها وانفصال العمليات التخطيطية داخل المدينة الواحدة وهو نوع من العشوائية الإدارية.

وانتقدت الدراسة بشدة تغير نظام الارتفاعات في مكة خلال السنوات العشر الماضية إلى أربع مرات، حيث أدى ذلك إلى التباين الشديد في نظام الارتفاعات كما هو موجود في شارع إبراهيم الخليل وأم القرى وأجياد السد.

وأكدت الدراسة أن الحلول الفردية لمعالجات الطرق أدى إلى أخطاء جوهرية في تصميم الطرق وبالتالي خالفت المخطط الإرشادي، ويتجلى ذلك بوضوح في طريق المدينة عند مسجد بن لادن وفي الطريق الدائري الثالث.

ودعت الدراسة إلى ضرورة تقسيم المدينة تخطيطيا طبقا للحالة العمرانية إلى مناطق متدهورة عمرانيا على المحاور الرئيسية للمدينة، ومناطق بؤر العشوائيات داخل الأحياء السكنية، موصية بضرورة حصر مناطق العشوائيات في مكانها ونطاقها، وهذا سيسهل البدء في معالجتها. إلى ذلك أكد الدكتور محمد إدريس، وكيل معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج أن المعهد يمتلك كما كبيرا من الدراسات الهادفة إلى الحد من العشوائيات في مكة المكرمة، وقال «هناك أحياء عشوائية عديدة في مكة المكرمة وقد عمد الباحثون المتخصصون إلى دراسات هذه الأحياء وسبل الرقي بها والخروج من العشوائيات التي تكتم أنفاس مكة المكرمة منذ سنوات، ولعل على الجهات المعنية بالتخطيط والتطوير الاستفادة من الدراسات الأكاديمية التي يقدمها المتخصصون».

وحذر الدكتور إدريس من تجاهل التنامي في العشوائيات، مبينا ان عدم وضع حلول جذرية لهذه العشوائيات يزيد من خطورة الوضع، فبعض هذه الأحياء باتت بؤر للجريمة، لاسيما تلك الأحياء التي يقطنها أبناء الجاليات الأفريقية والبرماوية، وهذه تحتاج إلى جهود كبيرة للحد منها، التي ينبغي ان تقوم وفق رؤى واستراتيجيات علمية، لان الوضع بات من الضروري إيجاد حل له للتخلص من هذه العشوائيات في البلد الحرام.

من جهته، أوضح العقيد محمد عبد الله المنشاوي، مدير الأمن الوقائي بشرطة العاصمة المقدسة لـ«الشرق الاوسط»، أن هذه الأحياء العشوائية تخضع بين الحين والآخر إلى الرقابة الأمنية والجولات التفتيشية والمداهمات المفاجئة، إلا أن الأعداد الكبيرة لهؤلاء المتخلفين يزيد من تنامي هذه الظاهرة. وأضاف «قمنا بمداهمات عديدة لتلك المواقع، خصوصا حوش بكر، وتم ضبط عدد كبير من المتخلفين والمخالفين، وتم التعامل معهم وفق الإجراءات المتبعة في هذه الحالة، فيما تمت مصادرة العديد من البضائع المعروضة للبيع عن طريق أمانة العاصمة، لكن الحل الجذري يكمن في التخلص من العشوائيات هناك لمنع تفشي الجرائم وتسهيل هروب المخالفين، فالطبيعة العشوائية في تلك الأحياء تحد من إمكانية ملاحقة بعض الهاربين، رغم الجهود الكبيرة التي يبذلها رجال الأمن».

ودعا مدير الأمن الوقائي بشرطة العاصمة المقدسة المواطنين إلى ضرورة التعاون مع الأجهزة الأمنية للحد من وجود المخالفين والمتخلفين في تلك الأماكن العشوائية، وقال «تقع على عاتق المواطن مسؤولية كبيرة، حيث ينبغي عليه عدم التعامل مع هؤلاء والشراء منهم او التستر عليهم، فإذا لم يجد هؤلاء المخالفون من يسندهم، فحتما ستقل أعدادهم، كذلك ينبغي على المواطنين الإبلاغ عن أي أماكن يشتبه فيها وذلك لتكون مكة موطنا خاليا من الجريمة».