السعوديون يحتفلون بيومهم الوطني الـ77 وسط تفاؤل بمستقبل أكثر إشراقا

«دبلوماسية التنمية» شعار حملة الملك عبد الله الذي حوله إلى واقع ملموس

سعوديات يمشين بجانب لوحة فنية عليها صورة الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي العهد الأمير سلطان في معرض أقيم بمناسبة العيد الوطني السعودي (ا.ف.ب)
TT

احتفل السعوديون أمس بيومهم الوطني الـ77 وسط تفاؤل بواقع ومستقبل أكثر اشراقاً بعد أن عاشت البلاد تحديات وظروفا محلية وإقليمية ودولية بالغة الصعوبة، تمكن من تجاوزها بفضل حنكة وحكمة وحزم قيادتها.

ويجسد اليوم الوطني والاحتفال به الوحدة الوطنية الحقيقية والراسخة والتي بسببها تحولت البلاد خلال ثمانية عقود من بلاد صحراوية لا تملك مقومات الدولة الحديثة الى قوة سياسية واقتصادية ودينية ذات شأن بل وصاعدة على مستوى العالم.

ويشكل الأول من الميزان الذي وافق الثالث والعشرين من 23 سبتمبر (أيلول) من كل عام يومًا لافتًا في حياة السعوديين بعد أن وضع المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن نهجًا للحكم في بلاد تمثل قارة بحد ذاتها أساسه العدل الذي لا يبخس الناس أشياءهم، كما وضع المؤسس أرضية صلبة أسس من خلالها قاعدة صلبة وراسخة لتأسيس دولة ذات كيان واستقلالية واستطاعت خلال عقود أن تضع نفسها على خارطة الدول ذات الأهمية العالمية، وحول بلاده إلى رقم صعب في المعادلة الدولية الراهنة بحقائقها التي لا تنفصم فيها عرى الاقتصاد عن السياسة.

ونجح الملك المؤسس في تحقيق الإنفتاح على العالم والنهل من معارفه مع الإحتفاظ بهويته الوطنية، وسار على خطى ثابتة لا تتبدل في مواءمة بين متطلبات الداخل ومتطلبات الخارج، واستطاعت الدبلوماسية السعودية خلال العقود الماضية أن تضع نفسها كدولة لها حضورها في معادلة ضمان الاستقرار العالمي وتأمين إكسير الحياة والمتغيرات ودفع عجلة التطور والانفتاح والالتزام بالمعاهدات والمواثيق الدولية.

ويحل اليوم الوطني للعام الثالث على التوالي والبلاد في عهد جديد قادر على دفع العجلة إلى الأمام ونقل البلاد نقلات أكثر تطورًا من على نفس المنجزات التي تحققت في العهود السابقة لتتواصل مسيرة العطاء والإضافة.

وجاءت تأكيدات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز خلال الاحتفاء باليوم الوطني السعودي الماضي لتبرهن على أن البلاد رغم الصعوبات التي واجهتها خلال العقدين الماضيين قادرة على تجاوز كل الأزمات التي حاكت بها وبالعالم أجمع، حيث أكد خادم الحرمين الشريفين بأن الاحتفاء بيوم الوطن يجسد الوحدة الوطنية الراسخة والتمسك بالإسلام عقيدة وشرعًا ومقاصد منهج حياة ومن ترسيخ لقيم العدالة والمساواة بين المواطنين والتزامًا بالعمل الحثيث نحو تنمية شاملة للوطن بكل أرجائه وتأكيد لإسهام البلاد في وحدة الصف العربي وتماسك الأمة الإسلامية واستقلال ورخاء العالم أجمع.

وأختصر الملك عبد الله بن عبد العزيز نهج هذه البلاد منذ مرحلة التأسيس وحتى اليوم عندما وضع منذ اليوم الأول لتوليه مقاليد الحكم في البلاد قبل أكثر من عامين أرضية جديدة لتحسين الأداء السياسي والاقتصادي والتعليمي والاجتماعي والفكري في بلاده التي واجهت صعوبات وتحديات كبيرة بسبب ظروف وأحداث طالت الجميع، ورسم الملك ملامح سياسته الخارجية في توازن ما بين احتياجات الداخل ومتطلبات الخارج، حيث إستهل الملك عبد الله عهده في خطاب البيعة التاريخي بالتأكيد على أن شغله الشاغل هو إحقاق الحق وإرساء العدل وخدمة المواطنين كافة بلا تفرقة كما توجه إلى المواطنين في الخطاب طالبًا منهم أن يشدوا من أزره وأن يعينوه على حمل الأمانة وألا يبخلوا عليه بالنصح والدعاء.

وإذا كان الملك عبد العزيز فضل بحسه الفطري عندما قرر وهو شاب في العشرين أن يسترجع مملكة أجداده من خلال تلمس مراكز القوى وإدراكه أن إستمرار حكمه سيظل يتوقف على القوة الجديدة الصاعدة في العالم خصوصًا وأنه المؤسس لأكبر مملكة عربية قامت على أنقاض الثورة العربية فقد قرأ جيدًا مستقبل العالم حيث وجد أن أميركا هي القوة الصاعدة الجديدة التي ستتحكم في قوانين اللعبة الدولية وأن النفط هو الطاقة المحورية لاقتصاد العالم في القرن العشرين، كما شدد الملك على أن الإسلام هو الطاقة الروحية الهائلة التي لا تنضب والتي لا تقوم بدونها أية دولة قوية في أرض العرب، فلذلك اتجه مباشرة إلى إقامة علاقات وثيقة مع واشنطن وأخضع نفطه لحماية أبنائه، وقبل ذلك طبق الشريعة الإسلامية وجعلها منهج حكم ودستور واعتمد ثوابت أساسية لبلاده تنطلق من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف.

وأعاد الملوك من أبنائه سعود وفيصل وخالد وفهد وعبد الله النهج ذاته، حيث ترجم هؤلاء الملوك كل ما وضعه الملك المؤسس من استراتيجيات وأهداف بعد رحلة كفاح وبطولة في مسيرته الطويلة لبناء الدولة الحديثة وتحويل المستحيل إلى حقائق تنطق بعظمة المسيرة والعمل.

وإذا كانت السعودية قد شهدت عقودًا طويلة من الفوضى والقلاقل والاضطرابات ليأتي الملك المؤسس ويبدل خوفها إلى أمن وجهلها إلى علم وفقرها إلى رخاء فإنه يمكن القول بأن الملك عبد العزيز كرس جهوده في إرساء قواعد النهضة الحديثة من خلال ترسيخ الأمن والاستقرار والتعمير وتوطين البادية وتأمين طرق الحج وتأسيس مجلس الشورى وإطلاق مشاريع تعليمية واستحداث أساليب الحياة بالإضافة إلى إقامة علاقات مميزة مع الدول العربية والإسلامية العالمية والدفاع عن قضايا الحق والعدل وهذا ما جعل البلاد تحتل مكانتها على خارطة العالم ومعها أصبحت السعودية إحدى الدول القلائل في العالم التي تحظى بتقدير واحترام المجتمع الدولي.

ويجب الاعتراف بأن اكتشاف النفط عام 1938 بكميات تجارية ساهم في وضع أرضية لتطوير البلاد والنهوض بها وتطوير مواردها الاقتصادية.

واستطاعت القيادات السعودية بعد رحيل الملك المؤسس أن ترسو بسفينة الوطن إلى بر الأمان ونجحت في قراءة أحداث العالم وجنبت البلاد الكثير من الهزات العالمية وتحقيق إنجازات تنموية لافتة، كما نجحت البلاد في تحقيق كيان اقتصادي واجتماعي لافت حقق الرفاهية والاستقرار والرخاء للمجتمع، كما واكبت البلاد طوال رحلة تاريخها أساليب التطوير والتنمية وحققت نقلة نوعية في أسلوب الحكم وتحقيق التنمية الشاملة وتوفير المناخ الملائم للنمو الاقتصادي إضافة إلى تحقيق رغبات الشعب من خلال التوسع في التعليم بكافة مراحله والاهتمام بالتدريب وتوفير الرعاية الصحية المتقدمة وتشجيع حركة القطاع الخاص وتعضيد دوره كما ارتكزت خطط التنمية على أهداف من ناحية تنمية قدرات الموارد البشرية وتوفير الفرص الوظيفية الملائمة وتوفير الخدمات التعليمية والاجتماعية والتدريب.

وترجم الملك عبد الله سادس ملوك الدولة السعودية الثالثة كل هذا التوجه من خلال خطاب البيعة الذي أكد فيه على اهتمامه بجميع القضايا المعاصرة محليًا وعربيًا وإسلاميًا وعالميًا وحمل فيه هواجسه تجاه رسم طريق مستقبل البلاد والأمة: «إن التاريخ علمنا أن الفترات التي شهدت وحدة الأمة هي عصورها الذهبية المزدهرة وأن فترات الفرقة والشتات كانت عهود الضعف والهوان والخضوع لسيطرة الأعداء. ومن هذا المنطلق فإن كل جهد سواء كان سياسيًا أو اقتصاديًا أو فكريًا يقرب بين أبناء الأمة هو جهد مبارك مشكور وكل جهد يزرع بذور الفتنة والشقاق هو نكسة تعود بنا إلى الوراء».

وأطلق الملك عبد الله بعد أيام من توليه مقاليد السلطة في البلاد مبادرات لصالح الوطن والمواطنين والأمة تمثلت في إنشاء المدينة الاقتصادية برابغ التي حملت اسمه وتعد الأكبر في العالم في قيمتها الاستثمارية والفرص التي ستتيحها للاقتصاد الوطني، كما أطلق مدنًا اقتصادية أخرى في مناطق مختلفة من البلاد باستثمارات وصلت إلى أرقام فلكية، بالإضافة إلى تبنيه قرارات تتعلق بتحسين ظروف المواطنين والمقيمين من خلال زيادة رواتب الموظفين وزيادة مخصصات المستفيدين من الضمان الاجتماعي ومخصصات المتقاعدين وخفض أسعار الوقود، كما استهل الملك عبد الله عامه الأول في الحكم بزيارات تفقديه لعدد من مناطق المملكة ليتلمس فيها احتياجات المواطنين والاستماع إلى همومهم وآمالهم، ودشن خلال هذه الزيارات مشاريع اقتصادية وصحية وإسكانية وتعليمية ستعود بالأثر الإيجابي والكبير على واقع ومستقبل البلاد.

وإذا كان الملك عبد الله قد حمل منذ سنوات برنامج الإصلاح الاقتصادي من خلال خطوات وقرارات مهمة تمثلت في إنشاء المزيد من المؤسسات الاقتصادية كالمجلس الاقتصادي الأعلى وهيئة السوق المالية والهيئة العامة للاستثمار والهيئة العليا للسياحة ومشاريع إسكانية حملت اسمه واسم والديه بالإضافة إلى تحديث وتجديد الأنظمة الاقتصادية وتفعيلها في ظل قبول بلاده كعضو كامل في منظمة التجارة العالمية ومبادرات أخرى تتعلق بالغاز وبرنامج التخصيص، فإن الملك عبد الله بعد أشهر من توليه مقاليد السلطة في البلاد وجد نفسه أمام تحد جديد وملف اقتصادي ساخن تمثل في الانهيار المفاجئ والكبير في سوق الأسهم المحلي وذهب ضحيته الملايين من السكان، إلا أن الملك أبدى اهتماما بالغًا بهذا الموضوع وبادر على الفور باتخاذ خطوات عملية لإعادة العافية للسوق، وعلاج النكسة التي أصابته من خلال إنشاء بنك الإنماء وصندوق الادخار والاستثمار وتخصيصه لمحدودي الدخل بهدف فتح فرص الاستثمار أمامهم في أجواء آمنة كما أصدر قرارًا بتكليف رئيس جديد لهيئة السوق المالية ووجه بالحرص على إعادة الانضباط للسوق واستقراره وحماية مدخرات المواطنين ومكافحة التدليس والغش في السوق التي بدأت مؤشراتها تتجه إلى التعافي من النكسة.

وإذ استطاع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أن يحقق توازنًا بين الداخل والخارج فيمكن القول إن الملك عبد الله أصبح القائد المدافع عن قضايا الأمة، كما نجح بحكمته في أن يخرج علاقات بلاده والأمة العربية مع الدول الكبرى من الاختبارات الصعبة التي وضعتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001، كما نجح في القضاء على الفئة الضالة داخل بلاده وأطلق في عاصمته مبادرة عالمية لمكافحة الإرهاب، كما لاحق فلول تنظيم القاعدة داخل الجزيرة العربية بهدف القضاء على هذا التنظيم مع دول العالم الأخرى التي هي الأخرى اكتوت بناره.

وحمل الملك عبد الله شعار «دبلوماسية التنمية» واستطاع بحنكته وحكمته أن يجعل من هذا الشعار واقعًا ملموسًا لخدمة اقتصاد البلاد وتحقيق التنمية في الداخل إذ استكمل في عامه الأول من توليه مقاليد الحكم في البلاد ما بدأه منذ سنوات عندما كان وليًا للعهد من خلال استثمار علاقات بلاده بالدول الأخرى في مجال تبادل المصالح الاقتصادية وعقد شراكات وتوقيع اتفاقيات اقتصادية مع الشرق والغرب، ولعل جولاته التي شملت الصين والهند وهونج كونج وماليزيا وباكستان قد أثمرت عن توقيع اتفاقيات اقتصادية وصلت مبالغها إلى عدة مليارات من الدولارات، كما فتحت هذه الجولات أمام قادتها وفعاليتها السياسية ملفات دولية حساسة خصوصا تلك المتعلقة بقضايا الشرق الأوسط وما يجري في أرض العراق وفلسطين، كما تحركت الدبلوماسية السعودية ولا تزال لاحتواء الأزمة التي تفجرت في لبنان.

وتميز خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بأطروحاته الواضحة، وجرأته في الكثير من المواقف والرؤى، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي، ولعب الملك عبد الله خلال السنوات الماضية دورا لافتا في السياسة الدولية، وكان رقما عربيا صعبا في كثير من المواقف والأحداث، كما ساهم في العديد من قضايا الحكم والسياسة العليا في البلاد، وشارك فيها مشاركة فعالة. وتميز الملك عبد الله بصراحته ورغبته في تعزيز العلاقات العربية ـ العربية، وإصلاح البيت العربي، كما عمل على محاربة الإرهاب، الذي كانت بلاده إحدى ضحاياه، وكان يدعو دائما إلى الوسطية في الدين والابتعاد عن جميع أنواع التطرف والغلو. وحمل الملك عبد الله توجهات رائدة فيما يتعلق بالقضايا الداخلية، حيث أعلن قبل سنوات عن توجه جاد لعلاج مشكلة الفقر في بلاده، بعد زيارته المشهورة لعدد من الأحياء الفقيرة في العاصمة السعودية الرياض، وتم على أثرها تبني سياسة لمحاربة الفقر في البلاد، كما سعى إلى إطلاق الحوار الوطني الذي جمع أطياف المجتمع السعودي السياسية والمذهبية في اللقاءات المتعددة، التي أقيمت لتحقيق أهداف هذا الحوار، من خلال مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، كما أطلق المبادرة العربية التي تدعو إلى انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي التي احتلتها في حرب 1967، وعودة جميع اللاجئين الفلسطينيين، والانسحاب من القدس الشرقية، مقابل السلام مع إسرائيل. كما كان الملك عبد الله جريئا في دعمه للانتفاضة الفلسطينية واستخدامه للغة مختلفة في التعبير عن دعمه لها، إبان انطلاقتها في عام 2000. وحرصت السياسة السعودية على دعم التضامن الإسلامي والعربي، وتعميق الروابط الأخوية القائمة بن الدول العربية في إطار الجامعة العربية ومؤتمرات القمة العربية، وتقوية روابط التضامن الإسلامي بين دول العالم الإسلامي وشعوبها في إطار المؤتمرات الإسلامية. ومن أجل هذا زار الملك عبد الله بن عبد العزيز البلاد العربية والإسلامية، وحضر بعض المؤتمرات، ومثّل بلاده في مؤتمرات القمم العربية والخليجية، ولأن بلاده لها وزن كبير في المجتمع الدولي ومكانتها في هيئة الأمم المتحدة، ودول عدم الانحياز، ولها دور فعّال في مجالات المال بين الشمال والجنوب.

وحقق خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز (عندما كان وليا للعهد)، منجزات ضخمة وتحولات كبرى في مختلف الجوانب التعليمية والاقتصادية والزراعية والصناعية والثقافية والاجتماعية والعمرانية. وكان للملك عبد الله بن عبد العزيز، دور بارز أسهم في إرساء دعائم العمل السياسي الخليجي والعربي والإسلامي المعاصر وصياغة تصوراته والتخطيط لمستقبله. كما تمكن بحنكته ومهارته في القيادة، من تعزيز دور المملكة في الشأن الإقليمي والعالمي سياسيا واقتصاديا وتجاريا، وصار للمملكة وجود أعمق في المحافل الدولية وفي صناعة القرار العالمي، وشكلت عنصر دفع قوي للصوت العربي والإسلامي في دوائر الحوار العالمي على اختلاف منظماته وهيئاته ومؤسساته. وحافظت المملكة بقيادة الملك الراحل فهد بن عبد العزيز والملك عبد الله بن عبد العزيز على الثوابت، واستمرت على نهج الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، فصاغت نهضتها الحضارية، ووازنت بين تطورها التنموي والتمسك بقيمها الدينية والأخلاقية. وكان من أول اهتمامات الملك عبد الله بن عبد العزيز، عندما كان وليا للعهد، تلمس احتياجات المواطنين ودراسة أحوالهم عن كثب. فكانت زياراته المتواصلة لعدد من مناطق ومدن ومحافظات ومراكز المملكة، حيث استقبل من قبل أبنائه المواطنين، استقبالا يفوق الوصف والتعبير، يبرز مدى ما يكنه أبناء هذا الوطن له من حب ومودة. وفى كل مرة يزور فيها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إحدى المدن، يحرص على أن يشارك أبناءه المواطنين مناسباتهم العلمية والشعبية والرياضية، ويقضي بينهم رغم مشاغله وارتباطاته، أوقاتا طويلة يستمع إلى مطالبهم ويجيب عن أسئلتهم واستفسارتهم بصدر رحب، وحكمة وروية بالغتين. ويأتي استقبال الملك عبد الله بن عبد العزيز للعلماء والمشايخ وجموع المواطنين كل أسبوع، في مجلسه وكلماته لهم في كل مناسبة، ليضيف رافدا آخر في ينبوع التلاحم والعطاء في هذا البلد المعطاء. أما استتباب الأمن في البلاد، فهو من الأمور التي أولاها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، جل اهتمامه ورعايته منذ وقت طويل، وكان تركيزه الدائم على أن الاحتكام إلى الشريعة الإسلامية من أهم المرتكزات التي يجب أن يقوم عليها البناء الأمني للمملكة العربية السعودية. وفى إطار الأعمال الخيرية للمملكة العربية السعودية يحرص خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز على أن تكون المملكة سباقة في مد يد العون لنجدة أشقائها في كل القارات في أوقات الكوارث التي تلم بهم. وفي إطار تصدي المملكة العربية السعودية لظاهرة الإرهاب، ومواجهة خطاب التطرف بخطاب الاعتدال والتسامح، رعى الملك عبد الله بن عبد العزيز وقائع افتتاح المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب، الذي نظمته المملكة العربية السعودية، ممثلة بوزارة الخارجية في مركز الملك عبد العزيز الدولي للمؤتمرات في مدينة الرياض خلال الفترة من 5 ـ 8 فبراير (شباط) 2005، وقد دعا في المؤتمر إلى إقامة مركز دولي لمكافحة الإرهاب، يكون العاملون فيه من المتخصصين في هذا المجال، والهدف من ذلك تبادل وتمرير المعلومات بشكل فوري يتفق مع سرعة الأحداث وتجنبها، إن شاء الله قبل وقوعها. وعلى صعيد السياسة الخارجية حرص على اتخاذ المواقف الإيجابية التي تستهدف دعم السلام العالمي ورخاء العالم أجمع، ورفاهية الإنسان في جميع أنحاء العالم، كما حرص على دعم التعاون بين الأشقاء العرب والدول الصديقة في العالم. وجاءت زياراته العديدة للدول العربية والإسلامية والصديقة، لتشكل رافداً آخر من روافد اتزان السياسة الخارجية للمملكة، وحرصها على السلام والأمن الدوليين. وأجرى محادثات مطولة مع القادة والمسؤولين في هذه الدول، استهدفت وحدة الأمة العربية وحل الخلافات، إضافة إلى دعم علاقات المملكة مع الدول الشقيقة. وكانت بفضل الله، زيارات ناجحة انعكست نتائجها بشكل إيجابي على مسيرة التضامن العربي، والأمن والسلام الدوليين. كما تصدرت قضايا الاقتصاد والتعاون التنموي، موضوعات زياراته، وفتحت آفاقا جديدة ورحبة من التعاون بين المملكة وتلك الدول. ولخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أياد بيضاء ومواقف عربية وإسلامية نبيلة، تجاه القضايا العربية والإسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، حيث استمر على نهج والده الملك عبد العزيز في دعم القضية سياسيا وماديا ومعنويا، بالسعي الجاد والمتواصل لتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني، في العودة إلى أرضه وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني، وتبني قضية القدس ومناصرتها بكل الوسائل. وفي هذا الإطار قدم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، تصورا للتسوية الشاملة العادلة للقضية الفلسطينية من ثمانية مبادئ، عرف باسم مشروع الأمير عبد الله بن عبد العزيز، قدم لمؤتمر القمة العربية في بيروت عام 2002، وقد لاقت هذه المقترحات قبولا عربيا ودوليا، وتبنتها تلك القمة. كما اقترح في المؤتمر العربي، الذي عقد في القاهرة في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2000، إنشاء صندوق يحمل اسم انتفاضة القدس، برأس مال قدره مليارا دولار ويخصص للإنفاق على أسر الشهداء الفلسطينيين، الذين سقطوا في الانتفاضة. وإنشاء صندوق آخر يحمل اسم صندوق الأقصى، يخصص له 800 مليون دولار لتمويل مشاريع تحافظ على الهوية العربية والإسلامية للقدس، والحيلولة دون طمسها، وأعلن عن إسهام المملكة العربية السعودية بربع المبلغ المخصص لهذين الصندوقين.

وتبى الملك مبادرات لإصلاح الاوضاع في فلسطين ولبنان والعراق والصومال والسودان وتشاد انطلاقاً من عروبته واسلاميته ، كما نجح في رأب صدع العلاقات بين الدول أو داخل العناصر المتازعة في الدولة الواحدة ولعل اخرها ما تم قبل ايام بإستضافة السعودية توقيع اتفاق المصالحة الصومالي وتأكيد الملك عبد الله في كلمته التي القاها خلال رعايته للجلسة الختامية ومراسم توقيع وثيقة المصالحة بين الفرقاء الصوماليين على أن بلاده عاشت مأساة الصومال وشعبة يوماً بيوم.. مشدداً في القول أن الوصول الى اتفاق يعد خطوة اولى لابد ان يعقبها عمل دائم وجاد.