جامعة الملك عبد الله.. الحلم الذي حمله خادم الحرمين ربع قرن

نظمي النصر لـ «الشرق الأوسط» : جامعة عالمية تضع السعودية على أعتاب المستقبل

نموذج تخيلي لجامعة الملك عبد الله في ثول
TT

يضع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في الاسبوع الثاني بعد عيد الفطر المبارك حجر الأساس لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، التي تعد واحدة من أكبر الجامعات البحثية على مستوى العالم، حيث تحتفل السعودية في 21 اكتوبر (تشرين الأول) الجاري بتدشين واحد من أكبر المشاريع العلمية في تاريخها والذي ينظر اليه على نطاق واسع بأنه سيضع البلاد على اعتاب اقتصاد المعرفة.

في الثاني والعشرين من يوليو (تموز) 2006، أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، لأول مرة عن مشروع طالما كان حلماً يراوده، وطالما كانت مسيرة التنمية السعودية تنتظره ليضع البلاد في مصاف الدول المتقدمة في تسخير مواردها للبحث العلمي واحتضان العلماء ليكرسوا خبراتهم وتجاربهم لوضع الحلول للعقبات التي تعترض التنمية والاقتصاد والبيئة والصناعة وترتبط مباشرة بالعجلة الاقتصادية لكي تزاوج بين البحث العلمي وحاجات التنمية الصناعية والاقتصادية في البلاد، وتعطي مفهوماً متطوراً لفتح الآفاق بحرية علمية وبحثية لجميع العلماء من مختلف دول العالم لكي يكوّنوا خلايا الفكر والعمل الأكاديمي المتفوق والخلاق، ولتصبح (حاضنة) للبحث العلمي، وحاضنة للمؤسسات البحثية والصناعية حتى تستفيد من أبحاث العلماء في تحويلها إلى منتج صناعي واقتصادي يضخ مزيداً من الازدهار لعجلة التنمية ولرفاه المواطن.

وتركز جامعة الملك عبد الله على البحث العلمي وتحويل نتاجه إلى مشاريع صناعية تعمل على نقل الأفكار والتقنيات. وتحقيقًا لهذه الغاية أعدت الجامعة مدينة أبحاث ومركز إبداع مجهزين بأحدث المرافق.

في إعلانه الأول، كان الملك واضحاً في تقديم (رؤيته) لهذه الجامعة، فقد أعلن خلال رعايته حفل أهالي الطائف، في 22 يوليو (تموز) 2006، عن إنشاء جامعة للعلوم والتقنية، وقال في خطابه: «يسعدني من هذا المكان، ان أعلن عن بدء مشروع رائد من مشاريع المستقبل هو جامعة للعلوم والتقنية، هذه الجامعة التي ستقام على ضفاف البحر الأحمر بتكلفة 10 آلاف مليون ريال سوف تكون ـ بإذن الله ـ أحد أفضل المراكز العالمية المتميزة للبحوث العلمية والابتكار والإبداع، وستضم من العلماء والموهوبين في الكادر التعليمي من كل أنحاء العالم، وستكون الجامعة قناة من قنوات التواصل بين شعوب العالم يلتقي بها العلماء ومنارة للاشعاع العلمي الذي ستستفيد منها المملكة والأمة الإسلامية.. إننا نعيش في عصر العلم والتقنية، ولا توجد قوة تسود العالم ما لم تتسلح بالعلم والتقنية، وهذا ما تعمل الجامعة الفتية على تحقيقه بعون الله تعالى».

مثلت الجامعة ـ كأول جامعة بحثية تقام في البلاد ـ حلماً داعب مخيلة الملك عبد الله منذ أكثر من ربع قرن، وحين أتيحت الإمكانيات لتطبيقه، عهد إلى شركة أرامكو السعودية الرائدة في صناعة النفط واستخدام التقنية، إنشاء جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية على مساحة تزيد على 36 مليون متر مربع بالقرب من بلدة «ثول» شمال مدينة جدة على ساحل البحر الأحمر، ومن المؤمل أن يتم الانتهاء من بناء مرافقها في سبتمبر (ايلول) 2009. وبدورها اختارت أرامكو السعودية فريق عمل محترفا في تخصصات عدة بقيادة نائب رئيس الشركة المهندس نظمي النصر، وذلك لتولى مهمة انشاء جامعة الملك عبد الله وفق الرؤية الكاملة لمؤسس الجامعة.

وأوضح نظمي النصر، الرئيس المكلف لجامعة الملك عبد الله، بقوله «عندما تلقينا في شركة أرامكو السعودية التكليف ببناء الجامعة، كنا نعتقد أن مسؤوليتنا تنحصر في تشييد المباني وتوفير التجهيزات الضرورية، نظراً لخبرتنا الهندسية الطويلة». ويضيف المهندس نظمي النصر أنه «في المشروع الجديد وجد نفسه مدفوعاً باتجاهين مختلفين، الاول، هو وضع الاساس الأكاديمي المتوافق مع فلسفة اقامة جامعة غير تقليدية، تقوم على اساس البحث العلمي والاقتصاد المعرفي، وتناضل من اجل كسب اعتراف الجامعات العريقة في العالم، وخاصة العلماء الذين يتوقع أن يساهموا في المشاريع البحثية في الجامعة. أما الاتجاه الآخر، فهو انشاء مدينة جامعية على أحدث طراز وعلى أرقى المواصفات وبما يتلاءم وخصوصية هذه الجامعة وحاجاتها، وايضاً، أن تنفذ في وقت قياسي لا يتجاوز ثلاث سنوات». ويقول النصر: كانت مشاعرنا ممزوجة بالخوف والفخر، لكن شعورنا بالفخر تملكنا، وعلى الفور تم وضع الاساس المعرفي لهذه الجامعة، بمساندة ثقافة وخبرة أرامكو السعودية كمؤسسة تعتمد في أعمالها على التنظيم المؤسسي.

وعن البداية يقول نظمي النصر، تساءلنا كفريق عمل: ماذا نعرف وماذا نجهل؟ بعدها انطلقنا نبحث عن الخبرات التي تستطيع مساعدتنا، اتصلنا بالعديد من الجامعات والمؤسسات الاستشارية حول العالم التي لها دراية ومعرفة بإنشاء الجامعات.

ويضيف النصر، كان التحدي الأكبر في الاجتماعات الأولى هو إقناعهم بجدوى وأهلية وكفاءة هذا المشروع العملاق وإقامته في السعودية.. إن إنشاء جامعة بحثية تقوم على أساس اشتراك مختلف التخصصات في بحث واحد وتقوم على هيكل تنظيمي غير تقليدي يوفر المناخ العلمي الحر والمكان المثالي لإبداع أصحاب العقول الخلاقة من العلماء والمبتكرين، كان ولازال حلماً للعديد من الجامعات الكبرى حول العالم، ولذلك، يقول نظمي النصر، أن المشروع في صورته النظرية كان يمثل حلماً للكثير من المؤسسات العلمية.. وبعد مناقشات، تمكن الفريق من إقناع كبريات المؤسسات الاكاديمة بإمكانية نجاح هذا المشروع.

ويؤكد نظمي أن الشهور الأولى كانت مفصلية في مسيرة هذا المشروع العملاق، فلو لم ننجح في إقناع المؤسسات البحثية والاكاديمية الكبرى حول العالم بقدرتنا على احتضان مشروع بهذا الحجم، لما تمكنا من إنجاز الكثير في هذا الشأن في وقت قصير. ويقول، ان الشهور الأربعة الاولى كانت مهمة وحساسة في انشاء الجامعة، حيث تم الاعتراف بها من قبل العلماء ومؤسسات الأبحاث الكبرى، بعدها بدأنا رحلة ذات اتجاهين، الأول تأسيس ورسم المخطط الجامعي وتعريف الجامعة من حيث تخصصاتها وعلاقتها بالاقتصاد السعودي. والاتجاه الثاني، يتمثل في رحلة الاستكشاف وزيارة الجامعات المعروفة والرائدة للتعلم منهم عن المجالات واكتساب الخبرات في انشاء جامعة بحثية والتعريف بالجامعة على النحو الذي تضمنته رؤية مؤسسها.في هذا السياق تمت زيارة 25 جامعة.

وعن استقبال تلك الجامعات لهذا المشروع، يقول نظمي النصر، بأن بعضهم رأى في الجامعة «أملا» في إحداث تحول علمي سعودي وإقليمي وعالمي، والبعض وجد فيها فرصة للتقريب بين الشعوب والحضارات، والبعض قال أنها طريقة ترسم بها المملكة مخططات على أسس علمية نحو اقتصاد قوي ذي مناعة مبني على المعرفة والبحث العلمي. أما الآسيويون فنظروا للجامعة على أنها مشروع يضيف للقارة قوة استراتيجية في مجال البحوث. لكن هل ثمة أمور يرى الاكاديميون ومؤسسات البحث أنها ضرورية لنجاح الجامعة؟، يقول النصر، بالنسبة لهم، كانت حرية الفكر، وحرية البحث وتقبل المجتمع لها والاستقلالية والتمويل هي عوامل اساسية في نجاح الجامعة، لكن بالنسبة الينا كانت أمور منطقية قابلة للتطبيق وبعضها مطبق فعلاً في أرامكو السعودية مثلاً، والاهم من ذلك أن ميثاق الجامعة يتحدث عن الحرية الفكرية ومنح العلماء ما يلزم منها لضمان استقلاليتها العلمية. وبشأن البيئة العلمية النامية في السعودية، وقدرتها على جذب العلماء، قال النصر، إن العديد من العلماء نظروا للجامعة كتحد، والبعض أنها توفر لهم الفرصة ليكونوا جزءًا من خلق تاريخ علمي في هذه المنطقة، كذلك فحين رأى العلماء الاسس والاستقلالية وكفاءة الموارد التي تقوم عليها الجامعة شعروا بأن هذا التحدي قابل للتنفيذ.

ويضيف نظمي النصر، أن المشاريع المعمارية للجامعة انشأت بحيث تتكامل مع الإطار الاكاديمي، فكل منشآت الجامعة تخدم البحث الاكاديمي وتتكامل معه وهناك لجنة استشارية تربط الدراسات الأكاديمية بالجانب المعماري. ويقول إن «الجامعة باعتبارها مركزاً للأبحاث العلمية والصناعية وحاضنة للابداع والابتكار، تعمل ايضًا على ربط المشاريع الابتكارية بالاقتصاد عبر بحوث تمكن من تحويل الاكتشافات الى اقتصاد وتوفير مساحة للمؤسسات الاقتصادية والبحثية لاقامة مراكز علمية تتعاون مع الجامعة وتستفيد من ابحاث العلماء فيها».