الفرنسيون يحولون معاقاً سعودياً إلى مستثمر في مجال التراث والموروث الشعبي

قرر الانسحاب من السوق بسبب دخول منافسين لا يملكون الخبرة أو المال

مجموعة من الجمال المدربة للمشاركة في الاحتفالات الشعبية («الشرق الأوسط»)
TT

تجاوز معاق سعودي ظروف إعاقته التي سببتها له إصابته بشلل الأطفال، واستطاع أن يحقق لنفسه حضوراً لافتاً في مجتمعه، عندما دلف إلى عالم الاستثمار، وحقق من خلال مشروع استثماري في مجال التراث عوائد مجزية مقدماً بذلك رسالة فحواها «لا لليأس».

ونجح السعودي خالد علي الهبدان من أهالي بريدة حاضرة القصيم (وسط السعودية) في طرق أبواب التراث باستثمار مجموعة من الإبل وعرضها في المناسبات العامة والخاصة والمهرجانات والفعاليات التراثية وتقديم لوحات مختلفة تعبر عن جوانب من الموروثات الشعبية التي اختفت ولم يتبق منها سوى ذكريات لم تعبر بعد ذاكرة من عايشها. ولفت نظر أهالي محافظة الغاط (250 كيلومترا شمال غربي الرياض) وزوارها، أثناء زيارة الأمير سلمان بن عبد العزيز للمحافظة قبل أيام، مجموعة من الجمال والهجانة تستعرض في قرية الغاط التراثية خلال تفقد أمير منطقة الرياض لها، ما أضفى على أجواء الاحتفال طابعا تراثيا، حيث رسم الهجانة، الذين قدموا إلى المحافظة راكبين جمالهم عبرالصحراء قاطعين مسافة 100 كيلومتر، لوحة جميلة أعادت إلى الأذهان صورة أولئك الرجال الذين امتهنوا وظيفة الهجانة بملابسهم اللافته ومطاياهم التي ألبسوها عدة وعتاد الوظيفة وقد تدلت منها الخيوط المزركشة.

ويقول الهبدان لـ«الشرق الأوسط» إن «المشروع بدأ كهواية عندما أحضر جمل في تجمع فرنسي نظمته سفارة باريس في الرياض في منطقة الثمامة (المتنزه المعروف والجاذب للسكان)، قبل أكثر من عقد من الزمن، وقد استهوى الجمل الحضور من الدبلوماسيين والجالية الفرنسية، وتناوب الجميع على ركوبه والتصوير معه، وقدمت السفارة مكافأة لي جراء إحضار الجمل قدرها 4000 دولار، ومنها انطلقت إلى عالم المقتنيات والموروثات الشعبية الخاصة بالسعودية، ومعها امتلكت 30 جملا أعددتها للمناسبات وأخضعتها للتدريبات والوجود في جميع المواقع، كما دربتها على السير فوق الجسور والطرقات والوقوف أمام المنصات والمخيمات وأماكن الاحتفالات، كما هيأتها لتقبل التجمعات البشرية والتعود على مكبرات الصوت التي تنقل عبرها برامج وفقرات الاحتفالات».

وأطلق الهبدان على مشروعه اسم «شامة زورد»، وكسب خبرة تمكنه من تجهيز أي مهرجان أو احتفال خلال 48 ساعة على أقل تقدير، كما لديه قدرة على إقامة وتنظيم رحلات على ظهور الإبل لمختلف مناطق السعودية، إضافة إلى تجهيز بيوت الشعر والخيام التراثية وكل ما يتعلق بالتراث الشعبي القديم، كما يقدم خدمات تنظيم المسيرات التراثية داخل المدن والقرى، بالإضافة إلى ادخاله خدمة إقامة الامسيات الشعرية». ورغم النجاح الذي حققه المعاق السعودي خلال 13 عاماً وحضوره اللافت في عالم التراث والموروث الشعبي إلا أنه يفكر حالياً في الانسحاب من السوق، مرجعاً ذلك إلى دخول منافسين تنقصهم الخبرة ولا يملكون التجهيزات اللازمة التي يملكها سوى الحصول عليها عن طريق الإيجار، وهو ما سبب له خسائر لا يستطيع تحملها، نظراً لحجم المصروفات الكبيرة التي يتحملها كمرتبات للعمالة والهجانة وإعاشة الإبل وتجديد وصيانة الأدوات الثراثية، إضافة إلى إيجار المقرات والنقل والتي تصل إلى أكثر من 120 ألف ريال، في حين أن منافسيه يكتفوا بالحصول على سجل تجاري واستئجار الإبل والأدوات التراثية من العمالة بسعر زهيد، ثم الدخول بها في المهرجانات والمناسبات التراثية بعقود تصل إلى نصف التكلفة.

وينصح الهبدان الجيل الجديد من الشباب بعدم الاستسلام لليأس والبعد عن كل ما يؤدي إلى الإحباط، مشدداً على أن فرص النجاح متاحة للجميع بشرط أن تتوفر لديهم الإرادة الصادقة، طارحاً تجربته أمام الجميع، حيث ولد معاقاً بالطرف الأيسر بسبب شلل الأطفال الذي أصيب به قبل 35 عاماً، لكن ذلك لم يمنعه من أن يشق طريقه في الحياة، حيث التحق بالمدرسة وحصل على شهادة الكفاءة (المرحلة المتوسطة)، ثم التحق بشركة الكهرباء، وعمل بها عدة سنوات، ليستقيل منها ويدخل عالم المال، مستثمراً في مجال التراث والموروث الشعبي، عبر تأسيسه مؤسسة خاصة به تعنى بهذا الجانب وصل رأسمالها إلى 750 ألف ريال، مقدماَ شكره للأمير سلطان بن سلمان الأمين العام للهيئة العليا للسياحة على دعمه للجهود الفردية لكل ما يخدم التراث والسياحة في بلادنا، كما قدم شكره للمهندس مبارك السلامة مدير إدارة السياحة بمنطقة حائل على وقفاته معه في بدايات دخوله هذا المجال.