البريد.. لهاث حضاري لإيصال مضمون بوسائط متعددة

السفينة السودانية لدى وصولها إلى ميناء جدة قبيل الحج (تصوير: مروان الجهني)
TT

بعد أن فقد سلام «الحناين» الفيروزي، المحمول على أجنحة عصفور «الجناين» جاذبيته، كان على ساعي البريد، أن يحمل فوق أشواق الرسائل الملتهبة، منديل جارة القمر، المسيج بلهفة الاشتياق وبعد المسافات، مدندناً «يا مرسال المراسيل ع الضيعة القريبة.. خد لي بدربك ها المنديل واعطيه لحبيبي»، لتُشكل تلك الكلمات، زوادة سعاة البريد في زمن بعيد. قبل أن تحطم لوحات مفاتيح الكي بورد، رومانسية الرسائل العاشقة.

حكاية البريد التي ابتدأتها أسراب الحمام الزاجل، برسالة واحدة، تستهلك الوقت، لم تتوقف عند جهد ساعي البريد، بل تجاوزته بآلاف الأميال، عبر البوابة الالكترونية، التي تعددت اشكالها وتنوعت اساليبها، بتنوع وسائل الاتصال، احتل فيها البريد الالكتروني، أو ما يُسمى في لغة الانترنت «الايميل»، الذي يحمل بين ملحقاته، كماً كبيراً من الرسائل، تتفاوت بين الوعظ الديني، والاباحية المفرطة، قائمة البريد الأكثر استخداماً وشيوعاً، خاصة بين شريحة كبيرة من جيل الشباب، ناهيك من كونه الوسيلة الأكثر يسراً في مجالات العمل المختلفة.

الرسالة التي كانت في وقت ما وسيلة التعبير عن الغراميات، تجاوزت حاجز العشق، ليتم الاستغناء عنها برسائل الـ sms، أو الرسائل الصوتية، عبر أجهزة الهاتف النّقال، وهو ما ساهم في تدني مرتبة البريد اليدوي والعاملين عليه، حتى لو كانت تلك الأيدي من ذوات الملمس الناعم، وهو ما دعا مؤسسة البريد السعودي، لتقديم خدماتها الجديدة، في محاولة لتعزيز مكانتها عبر مكاتبها واسعة الانتشار، فيما تأتي خدمات البريد السعودي الالكترونية، محاولة أخرى، لمغازلة مستخدمي البريد الالكتروني، من خلال خدمة صادر واصل عبر الرسائل القصيرة، التي تتيح طلب تسلم البريد الصادر.

ويأتي فقدان الرسائل أو الطرود البريدية، اياً كان ما تحمله، سواءً مناديل العشّاق أو هدايا الأعياد، واحداً من تلك الآثار السلبية للبريد اليدوي، لذلك جاء تقديم خدمة تقفي الأثر للبريد الممتاز، واحداً من بين الخدمات، للاستعلام عن آخر وضع للبعثية، في محاولة جديدة، من قبل مكتب البريد السعودي، لتعقب مسار الرسائل أو الطرود، من دون الحاجة للبكاء على المفقود والوقوف على أطلال الأحبة، والاكتفاء بالمعاتبة على الطريقة الفيروزية «كتبنا وما كتبنا ويا خسارة ما كتبنا / كتبنا مية مكتوب ولهلا ما جاوبنا».