الرقى الشرعية تجارة مربحة في السعودية

مقرئون: اختيار القارئ المشهود له شرط لقبول الناس له

أحد المقرئين وهو يرقي أحد المرضى في الرياض («الشرق الأوسط»)
TT

دخلت محلات العطارة وبيع الاعشاب في منافسة تجارية مع باقي المحلات التجارية بالرغم من كثرتها، بعد إضافتها لخدمة بيع القراءات على المياه أو الزيوت او العسل ونحوه. وانتشرت هذه المحلات في السعودية بشكل كبير وأصبح البعض يقيم استراحة لكي تستوعب الناس او زبائن القراءات، حيث تتفاوت أسعار هذه القراءات بحسب الاتفاق بين المحال والمشايخ الذين يعملون لحسابهم الخاص.

ويجد البعض من يقوم بالقراءة على غير المياه والزيوت والعزائم التي تعارف الناس عليها، مثل القراءة على الدهانات والكريمات التي تباع كعلاج لأمراض معينه، حيث تجد هذه السلعة رواجا بين الناس، بالرغم من اسعارها العالية مقارنة بسعرها في الصيدليات، حيث يبلغ سعر السلعة ذات العشرة ريالات في الصيدليات، بنحو خمسين ريالا عند المقرئين ومحلات العطارة.

وذكر أبوبكر صاحب محل عطارة في بالرياض لـ «الشرق الأوسط» أن الأسعار تختلف من مكان لآخر فهناك من يبيع المياه والزيوت والعزائم من المشايخ في الاستراحات وفي محلات خاصة بهم فتجد الأسعار تختلف عندهم ولكن عادة أصحاب محلات العطارة تجد أن أسعارهم موحدة في الغالب، حيث إن سعر قارورة الماء المقري عليه 5 ريالات ويبلغ سعر كرتون الماء 45 ريال وسعر الزيت 10 ريالات والعزائم التي يكتب عليها غالباً آيات قرآنية تجد سعرها 5 ريالات.

فيما يرى محمد الجابر صاحب محلات عطارة، أن بيع الماء المقري عليه أو الذي لم يقر عليه أنه جائز «لا نقر مبالغة البعض في أسعارها، وان الذهاب للتداوي بالقرآن لا حرج منه مطلقا، بل هو أفضل وأشرف أنواع التداوي ولا يقتصر التداوي بالقرآن على مداواة النفس او الجن او السحر فقط بل يشمل جميع الامراض خطيرها وسهلها».

وأضاف الجابر انه من الضروري اختيار القارئ المشهود له بالعدالة في دينه وخلقه والمستقيم على صراط الله، وأول ذلك وأهمه التأكد من سلامة عقيدته وبعده عن البدع والخرافات، ومما يؤسف له ان الظاهر على كثير من القراء قلة تحصيلهم العلم الشرعي ولا شك أن هذا يفتح بابا من السوء والفساد ولأهمية هذا الأمر فأرى ان يشترط على ممارس الرقية للعامة حفظه لكتاب التوحيد وكشف الشبهات والأصول الثلاثة مع حفظه لكتاب الله والحرص على اختبار سلامة النطق للآيات، فالرقية الشرعية كان يؤديها أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم وهي بذلك من ميراث النبوة وهذا يستلزم ضرورة المحافظة على هذه السنة وسد الذرائع على الجاهلين والانتهازيين من التلبيس بها.

ويذكر احمد المالكي وهو صاحب محل عطارة ولديه خبرة تقارب 45 سنه بأنهم لا يتعاملون الا مع من يثقون به ومعروف في المنطقة الموجود فيها المحل، لان كثيرا من الزبائن لا يرغبون بشراء عزائم الا ممن يطمئنون له ويشترون منه بموجب فواتير كاملة المعلومات.

ويضيف المالكي ان من حيث أسعارها الغالية فلا تدخل ضمن اختصاصنا لاننا لا ننتجها وانما نتعامل معها كأي سلعة أخرى نحدد سعر بيعها بعد إضافة المصاريف مع هامش ربح معقول. فمثلا ماء الصحة (المقري فيه) نشتري الكرتون (صحة كبير) بمبلغ 40 ريالا ونبيعه بـ 45 ريالا.

ويضيف المالكي ان هناك من المشايخ الذين يمارسون القراءة على المرضى فقط لكسب المال والتجارة بها لا يبتغي من وراء عمله مرضات الله، بل المال فقط. وتجد البعض منهم من يقرأ على كمية كبيرة من الماء في وقت واحد، وتجد البعض من المشايخ الذين يبيعون الماء المقري عليه على محلات العطارة يصعد على الناقلات المحملة بالمياه ويقوم بالقراءة والنفث عليها بشكل جماعي، والبعض منهم يجمع الماء في صندوق حديدي (تانكي) صغير ويقوم بالقراءة عليه ثم يضيف عليها السدر مثلاً او اي إضافات أخرى ثم يقوم بتعبئتها في القوارير لكي تباع في ما بعد.

ويؤكد علي السبيعي أحد الذين يترددون على القراء انه دخل على أحد القراء ممن لهم شعبية وإقبال بين الناس وكان كما يقول يقرأ على الناس في البداية كل بمفرده ولكن في صف متتابع، بحيث تمر مجموعة من مرتاديه عليه وهو واقف وهو يقوم بالنفث عليهم بشكل سريع ويوجههم كل حسب مرضه بشراء شيء من العسل أو الزيت أو المياه، علاوة على كتيبات وأشرطة وكل ذلك موجود بوفرة في محل أو دكان تابع لمحل القراءة ، ويأخذ الراقي مكبر الصوت ثم يبدأ بالامساك بمساعدة ثلاثة اشخاص ببعض ممن جاءوا للاستشفاء ويقرأ عليهم آيات لفك السحر وطرد الجن ويرددها ومساعدوه يكبلون المقروء عليه حتى كأنه ثور يُعد للذبح ولكن للحقيقة ان بعضهم فعلا يستسلم لهم وكأنه أحس أو ظن أنه مريض فعلا، ثم يقوم بعد ذلك ويعدل هندامه ويغادر إما خجلا أو غضبا من هذه التصرفات أو ربما يعتقد فعلا انه مصاب بهذه الوساوس والسحر، ولا أدعي ان الراقي واعوانه كاذبون، ولكن أسلوب وطريقة المبالغة ومكبر الصوت وعروض البيع والالحاح فيه والتأكيد من المقرئ ان ذلك ضروري للشفاء بحجة ان القراءة لا تكتمل الا بالعسل والزيت والماء يشكك بالمسألة.

ويضيف السبيعي أن لدى هذا الراقي وغيره أساليب للربح، حيث إنه شاهد خزان الماء المجاور لمحل بيع الزيت والعسل لدى الراقي وقد وضع عليه سلم يقول العمال الآسيويون لديه: إن الشيخ يصعد هنا وينفث بماء الخزان وبالفعل شاهدنا صنابير عدة يُعبئ منها جوالين بلاستيكية والمعروض منها كتب عليها السورة التي قرئت فيها أو الجزء وما خصص له من علاج كسورة آل عمران لانجاب العاقر والسعر 700 ريال فقط وهناك البقرة وسعرها 1200 ريال ولكن يقول: إنه نسي ماذا كتب عليها عن نوع المرض الذي تعالجه وكل جالون عليه السعر وماذا يعالج وغير ذلك العسل والزيت والكتيبات والاشرطة وكلها بأسعار مبالغ فيها وتدل في الحقيقة ان في الأمر أضحوكة وخداع ولو كان القراء أو اكثرهم بهذا الشكل وبهذه الطريقة، فإن الامر غير مطمئن ويجب وضع حد لهم ومراقبتهم هم واصحاب بيع العطارة والاعشاب وهؤلاء الحديث عنهم مضحك وأساليب الابتزاز عندهم مبتكرة ومتجددة.

ومن جهة أخرى حول حكم أخذ الأجرة على الرقى الشرعية فقد اتفق الأئمة الأربعة وغيرهم من العلماء على جواز أخذ الأجرة على الرقية الشرعية، وقد سئل الشيخ عبد الله الجبرين عن جواز أخذ الأجرة على الرقية الشرعية من الكتاب والسنة من دون طلب أجر أو اشتراط؟ في كتاب (فتح الحق المبين في أحكام رقى الصرع والسحر والعين).

فاجاب الشيخ لا مانع من أخذ الأجرة على الرقية الشرعية بشرط البراءة من المرض وزوال أثره، والدليل على ذلك حديث أبي سعيد أن بعض الصحابة نزلوا بقوم فلم يقروهم، فلدغ سيد القوم، فسعوا له بكل شيء ولا يغني عنه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء النازلين فأتوهم، فقال بعضهم: والله إني لأرقي ولكن قد نزلنا بكم فلم تقرونا، فما أنا بقارئ إلا بشيء، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فجعل يتفل عليه ويقرأ «الحمد لله رب العالمين» فقام وكأنما نشط من عقال، فأوفوا لهم جعلهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اقسموا واضربوا لي معكم سهماً» فأقرهم على الاشتراط وأسهموا له ليدل على إباحته، ولكن بشرط أن يرقي رقية شرعية، فإن كانت غير شرعية فلا تجوز، ولا يشترط إلا بعد السلامة من المرض وزواله، والأولى بالقراء عدم الاشتراط، وأن تكون الرقية لتنفع المسلمين وإزالة الضرر والمرض، فإن دفعوا له شيئاً من دون اشتراط أخذه حيث لا يكون هو قصده، وإن دفعوا له شيئاً أكثر مما يستحق رد الزائد إليهم، وإن اشترط فلا يشدد في الاشتراط، بل بقدر الحاجة الضرورية.