الكندرة.. العودة للواجهة مرة أخرى

كان شاهدا على طفرة المال والاستثمار في جدة

TT

لم يخطر على بال سكّان حي الكندرة، ان هبوب رياح التغيير، ستلحق بالمنطقة وساكنيها، الأمر الذي حمل أشهر عائلات أول حي من أحياء المرتبة الثانية، بعد مربع المنطقة التاريخية، نحو موسم الهجرة للشمال، مخلفين وراءهم أماكن وذكريات، فيما يتضح جلياً؛ أن موجة التغييرات لم تتجاوز حتى الآن خطى الديموغرافية والجغرافيا، على امل أن يحظى الحي ببوادر التغيير المادي والتطوير العمراني في نسخته الحديثة.

ويعتبر حي الكندرة، أول الأحياء من خارج سور جدة القديمة، التي شهدت امتدادا للتوسع العمراني في نسخته القديمة. حين لم تكن تلك النسخة، تتعدى مركاز العمدة، صاحب المكانة البارزة، على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والإداري للحي، وهو ما جعل من الحي قبلة لأشهر العُمد، ممن تعاقبوا على المنصب، وربما كان أكثرهم شهرة الشيخ محمد عبيد، إلى جانب الشيخ صالح باخريبة، فيما جاء اسم الشيخ صالح ابو الشامات، كأحد العمد الذين تبوأوا المركاز، قبل عملية فصل التوائم، التي لعب بطولتها كوبري الستين، بين أحياء متداخلة مثل حيي الكندرة والعمارية. وضم أرقى أحياء وسط المدينة، مقراً لديوان مجلس الوزراء، واذاعة جدة؛ ولأن التعليم كان من أول اهتمامات الدولة، في ذلك الوقت شهدت الكندرة وجود ثلاث مدارس حكومية هي الخالدية، التي كان يديرها أحمد باجمجوم، والوزيرية، بالإضافة إلى المدرسة السعودية، في حين تم تحويل مقر النادي الأهلي قديماً، إلى مدرسة ابتدائية حملت اسم الصحابي الجليل ابو عبيدة عامر بن الجراح، في إحدى حارات الحي القديم، التي ما زال سكّانها يستخدمون اسم حارة النادي، في مختلف وثائقهم الرسمية، ليكتمل تتويج الحي القديم بهالة العلم من ابناء عائلاته الشهيرة في مختلف المجالات.

الكندرة «عاصمة جدة» كما كان يُطلق عليها، على اعتبارات منها قربها من مطار الملك عبد العزيز الدولي، الذي لم يكن يتجاوز حينها الـ 500 متر وميناء جدة الإسلامي، ما ساعدها على جني أول قطاف لعملية التوسع العمراني، عبر الفنادق التي حملت صفة العالمية، منها فندق «قصر بلس» الذي بناه الشيخ عبد الله السليمان وزير المالية الأسبق، والذي تم انشاؤه على تلة القشلة؛ بالإضافة إلى قصر الكندرة، الذي كان محل حفاوة واستقبال الوفود الرسمية، وربما كانت احدى أهم الشخصيات، التي نزلت القصر رئيس مجلس الوزراء السوداني اسماعيل الأزهري.

وإذا ما كان قُدر لتلك الفنادق، ان تقف صامدة في مكانها، بحكم ما تحمله من إرث سياسي، فإن رياح التغيير، استطاعت أن تحمل مع فكر أصحاب المال، والأعمال من ابناء الحي، استحداث اوتيلات جديدة، مثل الشيراتون، قبل أن يتخذ من شاطئ البحر الأحمر اطلالته الجديدة، إلى جانب الكعكي، والبدر الذي عمل على تشييده والاهتمام به وهبي الطحلاوي أحد ابناء الكندرة. ولم تقف موجة التغيير عند بوابة السياحة، عبر فنادقها، بل تجاوزتها لتؤسس أحد ابرز الأحياء المتكاملة، من حيث المرافق الخدمية، وهو ما جعله الحاضن للأوائل، في مختلف المناشط والاحتياجات الحياتية، فكان مستشفى الدكتور خالد ادريس أول المستشفيات الخاصة، إلى جانب أقدمها حكوميا وهو مستشفى الفيصلية في باب شريف، كما أوضح علي بادحدح أحد ابناء الحي ومن اشهر العائلات التي سكنته.

ولم يتوقف قطار التوسع العمراني، عند بوابة الفنادق، بل إن الكندرة بكل تفاصيلها الصغيرة، حملت كثيرا من الشخصيات، على سكناها، وبناء قصورها الخاصة، جنباً إلى جنب بيوت أخرى، منها قصر الشيخ الشربتلي، وأبو الجدايل، التي تنتظر من ينفض عنها غبار الزمن، ويعيد اليها الحياة، بعد أن داهمها النسيان. فيما تجاوزت الكندرة سكانها الأصليين من ابناء جدة، لتتحول إلى أول حاضنة للاجئ سياسي، ابان قيام الثورة الشيوعية في الصين الشعبية. وهو كما أوضح علي بادحدح الذي جاورت عائلته، عائلة الصيني حينها «كان محمد حسين (مابو فان) أو الصيني، كما كنا نلقبه، أحد قياديي الصين الشعبية المسلمين، ممن واجهوا حركة ماو الشيوعية، استقبلته السعودية، أواخر عهد الملك سعود»، الصيني الذي سكن الكندرة، لم يكتفِ بذلك، بل تجاوزه ليصبح بعد ذلك أحد أبرز تجارها.

ويوضح بادحدح ان صورة الحي القديم، قد تغيرت بشكل كبير منذ ذلك الوقت، مشيراً إلى ان أغلب سكّان الحي الأصليين، قد هاجروا. فيما يبدو أن تلك الشقق السكنية وجدت من يقطنها من غير السعوديين، إلى جانب أعداد كبيرة من العمالة الوافدة، في حين حظي الحي الوسطي بأكبر بناية، والتي تُعد من أبرز المعالم السكنية، التي وصفها عايض السلمي عمدة حي الكندرة الشمالي بالحي الكامل، «البناية عبارة عن مبرة خيرية للشيخ عبد اللطيف جميل تحوي 170 وحدة سكنية».

التوسع العمراني الذي شهده الحي، حمل معه وجودا لا بأس به من الأسواق، تباينت بين الأسواق الشعبية، التي تعتبر فيه العمارة الزرقاء أو عمارة الجفري نسبة لمالكها، أحد معالمها، وتضم تحت سقفها احتياجات نسائية، في حين جاءت المطاعم الصافة على طول الشارع بمحاذاة حي البغدادية، والمطلة على الكندرة، وجهة أخرى لسكّان الحي وزائريه، ربما كان أشهرها وأولها شاورما شاكر. فيما يعد سوق مثل اليمامة التجاري أهم سوق متخصص في الذهب، زاد من شعبيته مركز الذهب العالمي الاسم التجاري، لصاحبه منصور بن غامية أحد تجار الذهب وصاحب الفندق المجاور للمركز، أحد المعالم الواضحة في رحلة التغيير للكندرة.