حِرف الآباء والأجداد في أيدي صغار القصيم

عبد العزيز أصغر حرفيي سوق بريدة يخالف أقرانه.. ويغوص في عالم الصناعات الحرفية

عبد العزيز أصغر الحرفيين في سوق بريدة للحرف اليدوية («الشرق الأوسط»)
TT

يعتبر سوق الحِرف اليدوية في بريدة بمنطقة القصيم أولى النقاط التي تجلب زوار المنطقة، حيث يضم 48 محلاً لمجموعة من الحِرفيين، يزاولون حرفهم فيها بصورة دائمة، بدلاً من تفرقهم في أماكن متعددة، ويتسم بإتاحة الفرصة للحرفي لتعريف وتسويق منتجاته اليدوية، ويحقق له مجالاً أوسع بالتعريف بها، فضلاً عن شعور الحرفي بالراحة النفسية أثناء مزاولة حرفته في بيئة جماعية تضم أقرانه من الحرفيين.

وما أن تتخذ قرار القيام بجولة في سوق الحرف اليدوية بمنطقة القصيم، إلا وتُصاب بشيء من الحيرة أمام الوقت الذي من الممكن أن يكفي للتجول فيه لمعايشة الإرث الشعبي الذي خلفه الآباء والأجداد ولقي اهتماما من البعض، فيما البعض الآخر لا يملك سوى القيام بجولات لمشاهدة هذا الموروث الذي أصبح محط اهتمام المهتمين بالتاريخ والحفاظ عليه، للارتباط التاريخي به، وللحفاظ عليه من الاندثار.

أثناء تجولك في ذلك السوق، ولأول مرة، تشاهد جميع حرف الآباء، بل ربما الأجداد أكثر قرباً من هذا الموروث الذي يبدو أنه بدأ باحتضان حتى صغار السن من أبناء منطقة القصيم، مثل عبد العزيز، ذلك الطفل السعودي الذي اتخذ قرار مشاركة والده وجده للحفاظ على الموروث الشعبي، ولمساعدة والده وأسرته على مواجهة ظروف الحياة، التي أصبحت شاقة، كما هي الظروف في سابق الوقت لدى الآباء والأجداد.

عبد العزيز الذي يعارض كل مَن يوجه له كلمة «طفل»، وهي الكلمة التي لم ترُق له، يصيب محاولي التعرف عليه أكثر بالذهول لما يهدف له، فهو من بين اخوانه من اتخذ قرار ممارسة نفس نشاط جده الذي انتقل إلى رحمة الله قبل سنوات، وبقي والده يصارع الإرث الذي خلفه والده له، ولم تترك له مشاغل الحياة فرصة الحفاظ على موروث والده.

قال الشاب كما يرى نفسه والذي لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره وبنبرة الواثق من نفسه «لقد تعلمت حرفة جدي، ووالدي، من أجل الحفاظ على الموروث السعودي»، خصوصاً أن حِرفته التي تعلم عليها وأصبح يُجيدها بشكل لافت للنظر، تعتبر شاقةً على مَن هم في تلك السن، وشاقةً بما فيه الكفاية.

تعلم ذلك الشاب حرفته اليدوية الشاقة، وأصبح مجلباً للأنظار، كما يؤكد زملاؤه في نفس المهنة من العاملين في سوق بريدة للحرف اليدوية، لكن زملاءه الذين يفوقونه في السوق بعشرات السنين، لا يجدون في بعض الأحيان اهتماما من الزائرين كلفت عبد العزيز انتباههم. تعلم عبد العزيز صنع خشبيات كان يستخدمها الأجداد في الدفاع عن أنفسهم، مثل «النبابيط»، التي تعتبر وسيلة للدفاع عن النفس عن بُعد في وقت من الأوقات، وحافظات الـ «طعام» التي كانت تستخدم من قِبل الأجيال السابقة في حفظ ونقل الأطعمة، إضافة إلى «ملافح» الهواء، التي كانت تُشكل في السابق وسيلة للتهوية، والتبريد في مواجهة الأجواء الحارة في ذلك الوقت، وأقفاص الطيور التي كان يحرص عليها الجيل السابق ومعايشتها لهم في منازلهم، وأحياناً، تُصبح قوتاً لهم في ذلك الوقت.

بعض ما يعمل على صناعته عبد العزيز بيديه الصغيرتين، أكبر من حجمه بالكامل، لكنه أصر على تعلم وإتقان الحرفة بشكل لا يُعلى عليه، وأصبح يُنافس مَن يعملون في تلك المهنة من كبار السن، وأمضوا سنين في تعلمها والعمل عليها.

تعلق عبد العزيز في جده الذي توفي قبل سنوات، أدخل الفكرة في مخيلته، ومارس تلك المهنة، التي يزاولها أحياناً في العطل الرسمية، وأحياناً أخرى عقب خروجه من المدرسة، التي تعني له الجزء الأهم في حياته حسب ما يقول، لتأتي حرفته اليدوية هي الثانية، ولا يجد صعوبةً أبداً في التوفيق بين دراسته، وحرفته الأكبر منه سناً.

أخوته خالفوه في التوجه والهوايات، مما جعل الشاب عبد العزيز، كما يحلو له أن ينظر له الجميع، يعيش في عزلة في التفكير عن اخوته، الذين أخذتهم صرعات الشباب وكرة القدم، وهوايات هذا الجيل بشكل كامل، وهو ما يشكل له شيئا من الثقة بالنفس كما يؤكد خلال حديثه، وربما أن الحديث معه يجعلك تشعر أنك تتحدث مع شخص أكبر من عمره بكثير، مما يدعو للفت الانتباه، وبالتالي محاولة أن يصبح عبد العزيز شابا يستطيع مواجهة ظروف الحياة التي تفوقه في السن في الكثير من الأحيان.