الموت يغيب الشاعر السعودي عبد الرحمن المنصور

بعد مشوار طويل مع الشعر والغربة والمعاناة

الشاعر الراحل عبد الرحمن المنصور في آخر ظهور له («الشرق الأوسط»)
TT

غيب الموت يوم أمس الشاعر والأديب السعودي عبد الرحمن المنصور، رائد شعر التفعيلة في نجد، بعد نحو عقود من العزلة بعيداً عن مضارب الشعر الذي عرفه منذ ريعان الصبا شاعراً وثائراً ومجدداً.

ويعد الشاعر عبد الرحمن المنصور الذي توفي في الاحساء، أحد أبرز رواد الشعر السعودي الحديث، فقد توفي عن 88 عاماً بعد معاناة مع مرض القلب. ولد المنصور بالزلفي في العام 1920 وسافر إلى الرياض لطلب العلم عندما كان عمره لا يتجاوز سن المراهقة ثم انتقل الى المعهد السعودي بمكة المكرمة عام 1940 ومن ثم سافر الى القاهرة لينال شهادة الليسانس في الفلسفة والشريعة واللغات الشرقية من الأزهر الشريف، نال شهادة الماجستير في التربية وعلم النفس من جامعة عين شمس، وفي عام 1954 عاد الى السعودية، وباشر عمله مفتشاً عاماً في مصلحة العمل والعمال بالظهران وعمل مديراً عاماً لشؤون العمل بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية عام 1959 وتقاعد عن العمل الرسمي عام 1964 ثم تفرغ لأعماله الخاصة. في عام 1952 نشر قصيدته أحلام الرمال في مجلة «اليمامة» التي تعد أول قصيدة تفعيلة تنشر في أول مطبوعة تصدر في المنطقتين الوسطى والشرقية.

وكان المنصور الذي جسد في شبابه معاناة النازحين الفلسطينيين، وغربتهم، وحمل همّ المهمشين والفقراء وسكبها في بحور قصائده، يمتاز بحسّ إنساني، عبّر عنه في انحيازه لقضايا عربية ووطنية، ورؤية للحياة اتسمت بالعزوف عنها، وهو القائل في قصيدة تطفح بالشكوى والألم، ضاق بي دربكم أيها الأصدقاء وسئمت الدروب التي تسلكون ودروب الحياة التي تعرفون ودروب الرؤى الجائعات ويقول مشتكياً في قصيدة أهداها إلى أحد أصدقائه:

أنا ظمآن ولكن جرح القيد يديا ومياه النهر حوالي عذبة ترنو إليا يا ترى تسخر مني أم ترى تحنو إليا لست أدري غير أني جرح القيد يديا كما تفاعل مع معاناة النازحين الفلسطينيين في مخيمات اللجوء في غزة، وعبرّ عنها بعد زيارتها في قصيدته «صرخة الكوخ» قائلاً:

صُراخ الجياع/ يشق الفضاء وأنّاتُهُم تحفر الهاوية.. وفي مراحل مبكرة من حياته كان المنصور يعبر بانسجام عن طموحات جيله، ويحمل هموماً قومية وعربية، فهو يقول:

أنعيش والمحراث والفأس الثليم!! والأرض نزرعها ويحصدها الغريم؟؟ وكآبة خرساء.. تقصمنا على مر القرون.. لا فرحة.. لا بهجة.. غير الكآبة والأنين.. والأرض نزرعها ويحصدها الغريم!! قال عنه الناقد الدكتور حسن الهويمل بأنه يمتلك ظاهرة تجديده الشكلي للقصيدة، (وأنه قد ناهز النثرية وأوغل في الرمزية، قيل عنه انه واقعي، والواقعية في زمن المد الاشتراكي تحال إليه، وقيل عنه انه رمزي ورمزيته تتعالق مع المدرسة الرمزية الألمانية، وقيل انه يستلهم شعر نازك الملائكة، صاحبة المشروع العروضي الذي استبدل العمودية بالتفعيلة).

في قصيدته الأولى «أحلام الرمال» يقول: أحلام الرمال مات الرجاء والفجر لاح والهضب في غلائله أقاح وعلى الرمال النائمات على الظمأ الحالمات جفونها بالارتواء فاح الشّذى شذى زهور لا ترى قد ضمها جفن الرمال الحالمات هي كالصدى هز الكهوف فتراعشت منه الذُّرى من صوته الدَّاوي المخيف لن يمنع الجبل الصّدى الداوي تردده الكهوف لن تقطف الأيدي زهوراً لا تُرى وإن زُكِمَتْ بعبيرها الوردي أنوف