شاب سعودي يحول مأساة طفلته إلى رواية تزين معرض الكتاب

«رائحة الموت» قصة واقعية تحكي رحلة «غادة» بين الموت والحياة

TT

من بين آلاف الكتب التي يزدحم بها معرض الكتاب في العاصمة الرياض، تبدو رواية «رائحة الموت» فاقعة بحسها الإنساني، فهي ببساطة كتبت بقلم شاب عاصر في لحظات مريرة رحلة طفلته الصغيرة مع المرض، حتى وجد الموت يجثم فوق صدر طفلته وهو يحاول انتزاعه. وهي عمل انساني حقيقي، وليست محاكاة لسيرة ذاتية، لا تصل لمستوى الرواية في تقنيتها الأدبية، ولكنها الطريقة الوحيدة التي توفرت لهذا الرجل وهو يحاول رواية قصته مع مرض ابنته الغامض. وتدور أحداث الرواية وهي من تأليف السعودي عبد الله ناصر الداوود، وصدرت عن دار الكفاح، حول مرض غامض يعجز الأطباء عن كشف سره بدأ يفتك بالطفلة غادة التي لم تتجاوز السنتين، يوما بعد يوم منذ شهورها الأولى، في حين يعيش والداها تطورات هذا المرض لحظة بلحظة تدفعهما الغريزة الأبوية بفيض من الدموع تجاه طفلتهما، وتوسلات بالشفاء لها، في ردهات المنزل والعمل والمستشفى الذي ينبض برائحة الموت، بعد أن أصابها فيروس الزكام الذي استقر في جسمها، حيث لم يكتشف ذلك المرض سوى طبيب الأعصاب بعد أن يئس أطباء المستشفى من تشخيص المرض، بعد انتقاله إلى المخيخ.

وقال عبد الله الداوود في حديثه مع «الشرق الأوسط»، ان الرواية استغرقت في كتابتها وتنقيحها وإعدادها سنة كاملة. الداوود الذي بدا صوته يتغير نحو الحزن والتحشرج المائل للبكاء من خلال حديثه في الهاتف، حينما بدأ يذكر بعض فصول الحادثة، يقول «إن الحادثة كلما تذكرتها أنا وزوجتي تعيدنا للمأساة التي عشناها مع الطفلة والأطباء رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على وقوعها، حيث عشنا 16 يوما في جحيم بسبب تشخيص الأطباء الخاطئ».

ويسوق الناصر في كتابه تفاصيل حزينة ومؤثرة، عن رحلة الألم التي عاشها مع ابنته وهي تصارع الموت، والأمل الذي كان ينتظره في عودة الحياة لها، بأسلوب تشويقي دراماتيكي، وتقنية سردية بسيطة ومباشرة، تسودها لغة واضحة، بعيدا عن كنف المفردات اللغوية الغامضة، وكأن كاتبها أرادها أن تكون مقروءة للكبار والصغار، ممتنعا عن أخذ القارئ لأحداث متعددة في روايته لا تتصل بمضمون لمستها الإنسانية، مقتصرا على حدث واحد هو المرض الذي أصاب طفلته. معتمدا بسرد شخصياته على الواقع الحقيقي من محيط أسرته وكذلك العمل وأطباء المستشفى وهي شخصيات تتمازج بين الأدوار الرئيسية وتمثلها زوجته «الأم» وابنتاه «غادة» الصغيرة و«ندى» ذات الأربعة أعوام، كذلك شخصيات ثانوية وهي أخته وبعض زملائه في العمل والأطباء، لتكتمل من خلالها الحبكة السردية، في حين كان المكان الذي دار فيه الحدث هو قلب السعودية العاصمة الرياض.

وتظهر الرواية التي تقع في (104) صفحات من القطع المتوسط، بعض الجوانب السلبية، لبعض المستشفيات وكذلك بعض الأطباء الذين يعالجون المرضى، وكانت غادة إحدى ضحايا ذلك النموذج السيئ، ويقول «أثارت الطبيبة غضبي، فقد أخذت تشرح للطلاب، ولم تراع تلك الحالة السيئة التي كنا فيها، خاصة أنها كانت تشير بقلم رصاص على قدمي غادة التي تمسك بي وتبكي خائفة بأعلى صوتها كلما لمس قلم الرصاص قدميها، وأمها تبكي هي الأخرى وندى أرعبها بكاء أمها فكان منظرنا يدعو للشفقة». ويتناول الكاتب خلال سرده، أعراض مرض غادة وتأثيره على نشاطها وحويتها بعد أن شل حركتها وبدا شحوب في وجهها، كوردة ريانة ذبلت من دون أن تستطيع أن تفصح عما بها لصغر سنها، حتى انعكس على حياة الأسرة المكونة من 4 أفراد، إلى أن بدأت تدريجيا تتماثل الى الشفاء من مرضها وتعود لحيويتها، بعد أن كانت قاب قوسين أو أدنى من الموت «وقفت وكأنها غير مصدقة وأخذت تجر قدميها، وكأنهما مكبلتان بقيود من حديد، وتسير ببطء معتمدة على أحد المقاعد، كانت كطفل يتعلم المشي، اغرورقت عيوننا بالدموع، لما تعبت جلست على الأرض، فصفقنا من دون شعور، وأسرعت إليها أحتضنها».