كفيف سعودي يطلق أول مدونة إلكترونية عربية

العمري لـ«الشرق الأوسط»: برامج المكفوفين التقنية ما زالت متعثرة بسبب ضعف الشركات المسوقة لها

علي العمري ومطالب حثيثة بتطوير تقنية المكفوفين التقنية («الشرق الأوسط»)
TT

علاقة حميمة تربط النبض الإلكتروني بطموح شاب ثلاثيني كفيف، آمنت التقنية بقدراته في الوقت الذي لم يكن لقاؤهما سهلاً، تعايش معها وتآلفا، بحث عن أسرارها واستسلمت لشغفه، تحدى بها من لم يؤمن بتكافؤ ارتباطهما وكسب التحدي.

علي العمري، صاحب أول مدونة إلكترونية لكفيف عربي على الإنترنت، والحاصل على بكالوريوس في الدراسات الإسلامية من جامعة الملك سعود بالرياض،التي انطلق بعدها لدنيا التعليم المدرسي وعوالم الانترنت بعد أن عاش مرحلة ما قبل الجامعة في مدينته الدمام، وعايش النقلة الكبرى حين وجد نفسه في قلب العاصمة الرياض في مجتمع وظروف مختلفة، وفي ظل غياب أسرته عنه كان عليه أن يتحمل مسؤولية نفسه بنفسه، وأن يتلمس طريقه إلى المستقبل وحيدا، كما وصف تجربته، فاجتاز الاختبار، وتأقلم، وصمد، وجرب، واستعان بموجده ومنح قدراته كل الثقة ليبدأ طريقه. اقتنى العمري الحاسب وهو لا يملك الكثير من المعرفة عنه ليبدآ مشوارهما سوياً، حفزه لاقتنائه شغفه بالمعرفة وحديث الناس عن جمالية التجوال فيه، دون أن يحاصره توقيت معين، وكان هذا بالنسبة له حلما بعيد المنال - حسب قوله – لكي يستريح من أولئك القراء الذين كان يستأجرهم بمرتب شهري ليقرؤوا له من ساعة إلى ساعة ونصف يوميا ما عدا الجمعة، وكانوا يتأخرون عن الحضور، أو يحضرون كسالى، ويمضون جزءاً من الوقت في أحاديث عابرة يخجل من منعهم عن التمادي فيها ليغتنم وقته في عشقه للقراءة، وفوق هذا وذاك كانت قراءتهم غاية في السوء، حسب وصفه، وهذا ما كان يحرمه من قراءة بعض الكتب التي كانت تتطلب مستوى رفيعا من القراءة؛ ككتب الشعر وكتب الفلسفة، والكتب الكبيرة نسبيا؛ حيث كان مجموع ما يقرؤونه يوميا لا يزيد عن 10 إلى 15 صفحة لا تمنحه فرصة الحلم بكتاب بحجم 700 صفحة، فضلا عن أن يكون من عدة مجلدات، فربما تطلب شهوراً، وأشار العمري إلى أن من المفارقات العجيبة في مسيرة تحديه، والتي حفزته على خوض تجربة تعلم الحاسب الذاتي، أن يكون ثمن الكتاب 40 ريالاً (11 دولاراً) وثمن قراءته يتجاوز الألف ريال (267 دولاراً).

وشرع العمري بعد اقتنائه للحاسب في التعرف على الأساسيات من خلال الاستعانة بأخيه وسؤال الآخرين، وكذلك عن طريق المحاولة والخطأ، كما أنه تابع قراءة دروس تعليم الحاسب. وذكر العمري لـ«الشرق الأوسط» إن الفائدة من قراءتها كانت محدودة لأنها ترتكز على الفأرة التي لا يمكنه استخدامها في الشرح، وتعتمد على الصور في توصيل المعلومات، إلا أنه استطاع أن يكون حصيلة جيدة بمرور الوقت حتى أصبح من كان يلجأ له العمري بالسؤال أو الاستفسار عن معلومة ما في الماضي يسأله اليوم عن كيفية إجراء تطبيق، أو عن كيفية التعامل مع هذا البرنامج أو ذاك.

ويؤكد العمري أن حرصه على كسر الحواجز، ورغبته في التعرف على عالم المدونات و برامج إدارة المحتوى التي يستخدمها المدونون، ورغبة منه في مشاركة الآخرين آرائه واهتماماته. وإثباتاً لوجود الكفيف ضمن نسيج الويب العربي، وتشجيعاً للمكفوفين ليثبتوا وجودهم، كل ذلك كان وراء إطلاق مدونته www.alialomary.com، حيث رأى في التدوين، حسب قوله، إكسيراً يمكن أن يحفظ لقلمه شبابه ولذهنه توقده، كما رأى فيه دافعاً يشجعه على البحث والتنقيب حتى لا تفتر علاقته بمصادر المعرفة في زحمة الحياة، كما استطاع الإنترنت أن يمنحه العمري صداقات عديدة مع كتاب منتديات ومدونين ومدونات جمعهم سماء الانترنت.

ولفت العمري إلى ما لأسرته من أثر إيجابي على سلوكه ونمط تفكيره، فقد تعهدته بالرعاية وتعاملت معه بوعي كبير، فلم تتجاهل خصوصيته ومتطلباته، كأحد ذوي الاحتياجات الخاصة، ولكنها في الوقت ذاته لم تميزه عن باقي أبنائها.

وعن أبرز المعوقات التي اعترضته في عالم التدوين أوضح العمري أن مشاكل التقنية تتفاوت من برنامج إلى آخر بالنسبة لبرامج إدارة المحتوى، وأيضا من برنامج إلى آخر من برامج المكفوفين، موضحاً أنه من واقع تجربته الشخصية كان تعامله مع النسخة القديمة من wordpress أفضل من تعامله مع النسخة الحديثة التي يستخدمها حاليا، حيث لا يسهل الوصول إلى بعض أوامر لوحة التحكم.

وأضاف أن من المعوقات عدم القدرة على استخدام الصور، ليس لسبب تقني بل بسبب عدم توافر مكتبة خاصة بالصور للمكفوفين يتم فيها إرفاق نص وصفي مع كل صورة، بحيث يستطيع الكفيف استخدام هذه الصور في مدونته، وهذا ما يراه أمراً مهماً، بحكم أن الصور تجذب المتصفح وتعطي للموضوع رونقا، واختفاؤها بالكلية قد يدفع الكثيرين إلى عدم العودة إلى المدونة بعد ذهابهم.

وفي حديثه عن وضع برامج المكفوفين التقنية، أوضح أن الكفيف الغربي يتمتع بحزمة من البرامج الفاعلة والقادرة على اكتساح التقنية والتعاطي معها والتواصل مع كل جديد فيها، أما الكفيف العربي فما زالت تقنياته متعثرة بسبب ضعف الشركات المسوقة لهذه البرامج وعدم امتلاكها لكوادر كافية، ومعظم تلك الشركات يمارس الدعاية المضللة لمنتجاته ويبتز أموال المكفوفين بتحديثات كاذبة، في حين لا يقدم حتى الدعم لبرامجهم عند الحاجة إلى الصيانة الدورية أو عند تلف إحدى القطع أو ضياعها، كما أن المواقع الشبكية ومعظم البرامج و(السيديات) لا تدعم تكنولوجيا المكفوفين، كل ذلك جعل المستخدم العربي عاجزا عن الاستفادة من هذه البرامج، أما المستخدم الغربي فسرعان ما يقدم له الحل على طبق من ذهب، حيث يتم إنشاء (سكربت) خاص يعينه على التعامل بشكل جيد مع تلك البرامج والمواد.

وحول المستوى الذي وصل إليه المكفوفون فيقول العمري انه متفاوت جدا، فالذي يحرص منهم على الاستفادة من هذا الجهاز ومواكبة تقنيات العصر سنجده في مستوى ممتاز، أما الذي لا يمتلك مثل هذا الطموح فحاله كحال أقل المستخدمين المبصرين معرفة بالحاسب، لا سيما وأن الدورات التدريبية قليلة جدا بالنسبة لبعض البرامج ومنعدمة أصلا لبرامج أخرى.

وعن مدى تحقيق الحاسب لأحلامه أشار إلى أن هدفه كان في البدء هو قراءة الكتب، ومع أن هنالك الكثير منها على الإنترنت، إلا أن تركيزه الأكبر كان على قراءة الكتب الحديثة في شتى العلوم والفنون والمعارف وما يتوافر من هذه الكتب على الشبكة هو بصيغة (pdf) الصورية، وهي نوعية من الملفات لا تتعامل معها برامج المكفوفين إلا بواسطة برنامج خاص يدعى (ocr) وهو برنامج باهظ الثمن، وأشار إلى أنه سعى للاتصال ببعض المبرمجين والمصممين بغية إرشادهم إلى تحقيق شرائط قابلية الوصول.

وفي حديثه عن مدى وعي الناس بالتعامل الطبيعي والبعيد عن الحساسية مع ذوي الاحتياجات الخاصة ذكر العمري أن معظم الناس لا يفرق بين كفيف البصر ومغمض العينين، فالكل منهم لا يرى حسب تصورهم، بينما الفارق كبير بينهما في الواقع، فمغمض العينين سيفتحهما بعد قليل ويعود إليه الإبصار؛ لذا فهو ليس بحاجة إلى التأقلم مع لحظة عابرة، أما كفيف البصر فهو بحاجة إلى التأقلم مع وضعه لأن اللحظة هنا دائمة، لذا سيقوم وعلى مر الأيام بتطوير مهاراته واستظهار بعض قدراته الكامنة لتساعده في التأقلم مع هذا الوضع والتغلب على صعوباته.

وأشار العمري إلى تقصير الوسائل الإعلامية والمناهج التعليمية في إرشاد الأسوياء لأساليب التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة وتفهم سيكولوجية الإعاقة، واحتياجات الفرد من هذه الفئة ومدى إمكاناته في الوصول إليها، حتى يعرف الأسوياء كيفية عرض المساعدة، فالشفقة، حسب قوله، ليست أمرا مخجلا بل هي خلق رفيع تتصف به النفوس الكريمة، والمعاق السوي نفسيا لا يتأذى بهذه العاطفة لكنه قد يتأذى من سوء استخدامها تجاهه، أو حين تتجاوز الحد فتجعل صاحبها يغدو أشبه بالمتطفل على هذا المعاق، أو من يحاول كشف خصوصيته، هنا تصبح الشفقة أمرا مزعجاً.

وأضاف ان المعاقين يحبون من يؤمن بإنسانيتهم، وأن لهم حقاً في الحياة، يحبون من يحدثهم بتوّدد ويحتضنهم عند اللقاء ويودعهم عند الفراق، إنهم دائمو البحث عن الحنان والمشاعر الدافئة لأنهم يقاسون في الحياة ولا يبوحون بما يعانونه حتى لأقرب الناس من الأسوياء، لذلك يجدون في الاهتمام بهم خير عوض لما يقاسونه، وشدد على ضرورة عدم التعامل مع المعاق كسوي فتهمل إعاقته ولا كعاجز فتهمل قدراته.

والعمى، كما يصفه العمري، قدر يستطيع الكفيف أن يتكيف معه وربما يتجاوزه متى ما وجد في بيئة لا تصادر إنسانيته وحقه في الحياة ككائن حر مستقل رغم خصوصيته، وهذا يتطلب تكامل الأدوار بين المجتمع بمؤسساته والدولة بتشريعاتها، ولا بد أن يعلم الجميع أن الكفيف ليس بحاجة إلى وصاية ولا نظرة عاطفية، ولكنه بحاجة إلى أن تيسر السبل أمامه فلا يساوى بالمبصر في كل شؤونه بل تراعى الفروقات التي ينبغي أن يرجع في تحديدها إلى المكفوفين أنفسهم كمجموع بعيدا عن الاجتهادات الفردية حتى ولو كانت من كفيف.

وشدد على ضرورة الاهتمام بتوفير مصادر المعرفة من مطبوعة ومسموعة للكفيفين، والاهتمام – حسب قوله - لا يعني الإنفاق فقط ولكنه يعني الإنفاق وإنشاء جهة مراقبة لمتابعة الأمر، فالمكتبة الناطقة للكفيفين حالياً والتي يعد عمرها كبيراً لا تزيد حصيلتها عن بضعة كتيبات معظمها ديني، والسبب هو أن هذه المكتبة تعاقب على إدارتها أناس غير مخلصين ولا أكفاء ظلوا يتقاضون أعلى المرتبات ولا يؤدون معشار ما وكل إليهم القيام به، وأصحاب الشأن الذين هم الكفيفون لم يتحركوا ولم يطالبوا ومن تحرك وطالب واقترح منهم لم تستمع إدارة المكتبة ومن ورائها الأمانة العامة للتربية الخاصة لصوته، يجب أن يكون للكفيفين مكتبة عامة كما يجب أن تفصل هذه المكتبة عن الأمانة العامة للتربية الخاصة حتى لا تكون على الهامش وحتى تلاحظ مسيرتها وتقوم أخطاؤها.