السعودية: مراكز فحص العمالة الوافدة تتحول إلى سوق سوداء

المنافسة ورغبة الربح توديان بمصداقيتها.. و5 مفتشين لأكثر من 23 مركزا في جدة

عامل يتهيأ لإجراء الفحص في أحد المستشفيات الرسمية («الشرق الأوسط»)
TT

تسبب وجود ما يزيد عن 7 ملايين نسمة من العمالة الوافدة في السعودية إلى نمو كبير في قطاع مراكز خدمات الفحص الطبي الخاص بحصول هذه العمالة على تصريحات العمل، وهو ما دفع الكثير من المستوصفات الخاصة والمراكز الطبية الصغيرة إلى تحويل خدماتها وحصرها في مجال فحص العمالة الوافدة، بعد السماح للمنشآت الطبية في القطاع الخاص بالكشف على العمالة الوافدة والسماح لها بإصدار تراخيص حول مدى ملاءمتها طبياً للعمل، الأمر الذي أشعل منافسة حامية في صفوفها أدت إلى تقليص أسعار الخدمات لكسب المزيد من العملاء بشكل أخل بدقة ومصداقية هذه الفحوص.

وأوضح الدكتور عبد المجيد خان مستشار وكيل وزارة الصحة للتخطيط والتطوير، ان هناك جانبين مهمين في هذه العملية أولهما الرقابة على المراكز والمختبرات التي تعطي شهادات للوافدين، فهي جزء مهم جداً لأنه يعتمد عليه بفضل أن هذه المراكز مصرح بها من وزارة الصحة شأنها شأن العاملين المتخصصين بها.

وتحتوي هذه المراكز بحسب الدكتور خان على أجهزة متخصصة في مجالات الفحص، موضحاً أن الإشكال يكمن في القطاع الخاص أكثر منه في الحكومي لأن الحكومي يضمن النتائج الإيجابية منها عدة مرات لكن المشكلة في القطاع الخاص وهذه العملية مدرة ومربحة له وتأتي بالموارد المالية، معزياً السبب الرئيس في ذلك الى أن العمالة التي أعطي التصريح لها غادرت وحلت مكانها عمالة مختلفة في الجودة والعمل.

وأشار مستشار وكيل وزارة الصحة الى أنه من منظور علمي فإننا نتكلم عن أمراض معدية مستعصية كمرض الايدز والالتهابات الفيروسية وهي التي يتم بشكلٍ محوري إجراء الاختبارات عليها وبعض الالتهابات البكتيرية التي تنتقل عن طريق الفضلات وبعض التحاليل قد تكون أجريت على بعض الحالات وهي في طور الحضانة وتشكل نتائج سلبية ويظهر المرض بعد 6 أشهر إلى سنة، موضحاً أن بعض الالتهابات البكتيرية تحدث نتيجة وفود هذه العمالة من أماكن ريفية نسبة الدرن فيها عالية لا تحظى باهتمام وافر.

المشرف على المختبرات، ومراكز فحص العمالة في القطاع الصحي الخاص، محمد آل سودان، لم ينكر بأن هناك تجاوزات تقع في قطاع مراكز فحص العمالة الوافدة، لكنه أكد أن الوزارة تتبع آلية حاسمة وذات معايير مرتفعة للترخيص لهذه المراكز في المقام الأول، تتضمن ضرورة أن تضم هذه المراكز خبراء في معظم التخصصات الطبية، إضافة إلى ضرورة توافر أجهزة كشف مخبري حديثة وذات دقة عالية، إلى جانب اتباع الوزارة لآلية تفتيش ومراقبة مستمرة لأداء هذه المراكز وبشكل دقيق جداً لقطع الطريق على الممارسات اللا أخلاقية.

وأشار آل سودان، إلى أن السماح للقطاع الخاص بإجراء هذه الفحوص يأتي من منطلق اعتبار الدولة للقطاع الخاص كشريك أساسي، يتحلى بالمسؤولية الوطنية والقومية، وكشف عن وجود ما يفوق الـ23 مركزاً معتمداً للفحوص الطبية بمدينة جدة وحدها تعود ملكيتها للقطاع الخاص.

وأضاف:«في ما يتعلق بآلية التفتيش والمراقبة على أداء المراكز، فإن كل مركز يخضع للتفتيش ومراجعة مدى انضباطه والتزامه بالقواعد الأساسية مرتين سنوياً، إلى جانب فحص عشوائي دوري يقوم به 5 مفتشين معتمدين من قبل المركز فقط، إلى جانب مساعدة يقدمها فنيو مختبرات وزارة الصحة المعتمدون، وهناك عينات عشوائية تؤخذ بانتظام من المراكز المختلفة لمراجعتها والتأكد من دقة آلية الفحص لدى المراكز الخاصة».

وطالب آل سودان، كافة المواطنين والمقيمين بالاتصال بوزارة الصحة والتأكيد على أية ملاحظات بخصوص عمل مراكز الفحص في القطاع الخاص، معتبراً أن هذا التصرف مساهمة ضرورية في الحفاظ على الصحة القومية وصحة الفرد نفسه، ومؤكداً في الوقت نفسه أن الوزارة تتابع بحرص أي إخباريات ترد إليها عن أداء مراكز الفحص، وهو ما جعلها تغلق عدداً من المراكز التي ثبت تلاعبها في الفترة الأخيرة.

وأضاف:«هناك أعداد كبيرة من العمالة من خارج مدينة جدة تقوم بأداء فحوصها في مراكز الفحص بجدة، نظراً لوجود جهات مثل الجوازات وغيرها، وبعض العمالة تلجأ إلى أكثر من مركز بعد اكتشافها لإصابتها بمرض ما، للتلاعب بنتائج الفحوص وهذا يجعلنا ندرجها فوراً في القائمة السوداء».

وفي الوقت نفسه أكد مساعد مدير الشؤون الصحية للقطاع الخاص، الدكتور محمد عبد الجواد أن الوزارة ترفض أي نوع من التلاعب بنتائج الفحوص الطبية، وتعتبرها خطاً أحمر، وقال:«نقوم بجولات مكثفة ونشرف على مراكز فحص العمالة صحياً، ونتابع أي خلل نبلغ عنه ولا نرحم مطلقاً أي جهة متلاعبة، ونقوم بإلحاق عقوبات قاسية بحق المخطئين تصل إلى شطب الترخيص وإغلاق المركز إلى جانب الغرامات المالية العالية، وفي هذا السياق أشير إلى أن أحد أكبر المراكز في جدة تم إغلاقه الشهر الماضي على خلفية تهاونه وإهماله للكثير من الاشتراطات».

من جانب آخر، صرح عامل في القطاع الصحي، لـ «الشرق الأوسط» أن المنافسة المستعرة في قطاع خدمات مراكز الفحص الطبي بهدف الربح التجاري السريع تأتي في كثير من الأحيان على حساب مصداقية الفحص، وقال:«أكبر دليل على هذا أن أي مختص في المختبرات يمكنه أن يؤكد حقيقة أن الفحص الطبي الذي تطلبه عادة الدوائر الحكومية من قبيل الجوازات والأمانة تبلغ أقل تكلفة له الـ 100 ريال تقريباً، في حين أن سعر تكلفة الفحص في بعض المراكز لا يتجاوز الـ 50 ريالا وهذا دليل واضح على أن الفحص عبارة عن حبر على ورق».

من جانبٍ آخر حذر الدكتور صلاح محفوظ مساعد مدير مستشفى الملك عبد العزيز بالطائف من مغبة التهاون والتجاوز في مختبرات الدم من قبل العاملين فيها مبينا «كل خطأ قد يكلف الشيء الكثير في المجتمع»، هو أشبه على ـ حد وصفه ـ بالتفاحة الفاسدة التي قد يتعفن بسببها صندوق التفاح كاملاً».