سجون جديدة بنظام أوروبي.. محكومة برقابة 6 آلاف كاميرا

تتيح لوزير الداخلية متابعة مجريات التحقيق من مكتبه.. كلفتها 1.75 مليار ريال

مدخل يؤدي لأحد عنابر الموقوفين في السجون الجديدة، وتظهر كاميرا المراقبة، وهي واحدة من 6 آلاف كاميرا موزعة على تلك السجون: (تصوير: خالد الخميس)
TT

بدأت السعودية بتشغيل 5 سجون عملاقة جديدة، قال قائد أمني في وزارة الداخلية انها «محكومة بنظام مراقبة على مدار الساعة، عبر غرف للتحكم، موصولة بكاميرات ترصد كافة التحركات التي تحدث داخل تلك السجون، والتي حلت رسميا مكان ما كان قائما في السابق.

وتتوزع السجون الجديدة، والتي كشف عن إنشائها مدير عام السجون الأمنية في السعودية، في 5 مواقع، بمناطق: الرياض، جدة، القصيم، الشرقية، وعسير، حيث تم تشغيل 4 منها، فيما ينتظر أن يبدأ بتشغيل السجن الخامس في أبها، والذي زارته «الشرق الأوسط» برفقة وفد إعلامي، مطلع الأسبوع الجاري.

وبدد مدير السجون الأمنية في السعودية، الصورة النمطية المرسومة عن سجون جهازه، بتأكيده أن تلك السجون «لم تكن تلك الأماكن المخيفة التي يتحدث عنها الناس».

وشيدت السجون الجديدة التي بلغت تكلفتها الإجمالية 1.75 مليار ريال، وفقا للنظام الأوروبي، وبمواصفات عالمية، راعت وسائل الأمن والسلامة بشكل «كبير جدا»، عبر تحديد مخارج للطوارئ، والفصل الآلي لأي من عنابرها في حال نشوب أي حريق، وذلك لحصر الأضرار في نطاق ضيق.

ومكنت وزارة الداخلية السعودية، وفدا إعلاميا، من زيارة سجن منطقة عسير، في بادرة قال عنها مدير السجون الأمنية «انها تعكس مدى الشفافية، التي تتمتع بها قيادة وزارة الداخلية»، فيما يعد السجن الذي تمت زيارته نموذجا مماثلا للسجون الأربعة الأخرى.

وزودت مشاريع السجون الجديدة، بمهابط لطائرات الهليكوبتر، أعدت لنقل الحالات الطارئة، أو تلك التي يغلب على طابعها الخطورة القصوى.

وسيتم ربط السجون الخمسة الجديدة، بنظام الكتروني موحد، على نحو يسهل التواصل في ما بينها.

وتنتشر في السجن الواحد، 1200 كاميرا مراقبة، لرصد كافة التحركات التي تجري داخل العنابر، أو في غرف التحقيق، فيما تنتشر ما يزيد مجموعها عن 6 آلاف كاميرا مراقبة في كافة المشاريع الجديدة.

وأكد مدير السجون الأمنية، أن كل ما سيجري في غرف التحقيق مع الموقوفين «سيكون مسجلا بالصوت والصورة».

ويتيح التقدم التقني المستخدم في السجون الأمنية، ربط غرف التحقيق مباشرة بمكتب وزير الداخلية السعودي، لمتابعة سير التحقيقات التي تجري مع الموقوفين على خلفية القضايا الأمنية.

وأوضح أحد ضباط السجن، أن كل ما يشاع حول السجون من ممارستها للتعذيب وخلاف ذلك أثناء التحقيق مع الموقوفين «غير صحيح».

وقال «مع وجود كاميرات المراقبة في غرف التحقيق، نستطيع التأكد من كل شيء يجري في تلك الغرف، عبر العودة لما سبق تسجيله. ستتم أرشفة كل التحقيقات، وسنعود لها في حال احتجناها».

ويشرف على حماية السجون الجديدة من الخارج، 6 أبراج مراقبة، محمية بزجاج ضد الرصاص، يتيح للحراسات الرد على كل من يبادر باختلاق أي مشكلة.

ولضمان منع السجناء من الهروب، فقد عززت المشاريع الجديدة من خطوط الحماية ضد أي محاولة لاختراق النظام الأمني، عبر حزمة من الاحترازات التي دعمت بها الأسوار المحيطة بالسجن من الداخل، والاستعانة بكيابل مدفونة في الخارج لرصد أية محاولة للفرار بالصورة، لتحديد الموقع، ومباشرة الحادثة.

وراعت مشاريع السجون، الصحة العامة للسجناء. فبحسب القائمين على سجن عسير، فإن نظام التهوية المعمول به داخل كافة السجون الجديدة، يعمل على تنقية الهواء وفلترته، والدفع بهواء جديد، بواقع 11 مرة في الدقيقة، وهو الرقم الذي يزيد على المعدل العالمي، بغية ضمان أجواء سليمة داخل العنابر، وبالأخص الجماعية، التي تتسع لقرابة الـ5 أشخاص.

وتحتوي كل العنابر في السجون الجديدة، سواء كانت الجماعية، أو الانفرادية، على شاشة تلفزيون، تمكن السجناء من متابعة القنوات السعودية الأربع (الأولى، الإنجليزية، الرياضية، الإخبارية)، إضافة لقناة المجد العامة، والأخرى الخاصة بالقرآن الكريم، ويتاح للسجين إمكانية التحكم في مشاهدة تلك القنوات عبر جهاز تحكم يربط بساعة اليد.

وهيئت العنابر، بدورات مياه، تتصل بها، تحقق خصوصية السجين في قضاء حاجته، روعي في تصميمها ضمان متابعة تحرك السجين، بعيدا عن الخصوصية التي يكفلها تصميم دورات المياه.

وتتصل العنابر، بجهاز نداء صوتي، موصول بغرف التحكم الفرعية، للاستجابة لكل متطلبات السجناء، وبالأخص الطارئة منها، فيما تم تجهيز جميع العنابر ووصلها بنظام إطفاء متطور، يكفل سرعة التدخل في الحالات الطارئة، وفق آلية إخلاء تضمن ابتعاد السجناء بطرق آمنة عن مكمن الخطر، حتى تتم السيطرة عليهم، وإعادتهم للعنابر مرة أخرى.

وحرصت وزارة الداخلية من خلال تشييدها للسجون الجديدة، أن توفر من خلالها خط سير يجب أن يتبعه السجين قبل إدخاله، يبدأ من فرزه بحسب نوعية القضية وخطورتها، وفحصه طبيا، وحلاقة رأسه، مرورا بالاستحمام، وتسليمه ملابس خاصة ليرتديها داخل السجن. وحققت مشاريع السجون الجديدة، مسألة فصل السجناء بحسب خطورة قضاياهم، كما تم تخصيص أماكن خاصة بالذين يعانون من أمراض وبائية، ولم تغفل أيضا التجهيزات الخاصة بالسجناء المعاقين، حيث وفرت لهم عنابر خاصة تتوافق مع احتياجاتهم.

ويوجد في كل سجن، مستشفى متكامل، تجرى فيه جميع العمليات، عدا عمليات القلب المفتوح.

وقال مدير عام السجون الأمنية، انه تم تخصيص 100 طبيب للمباشرة في السجون الجديدة، بواقع 20 طبيبا لكل سجن.

وتضم السجون الأمنية الجديدة، المجهزة بجهاز رقابي الكتروني حديث، متخصصين في المجالات الأمنية والشرعية والاجتماعية والنفسية، يعملون تحت لجنة المناصحة التي تتولى تصحيح أفكار المتطرفين.

وقال مدير السجون الأمنية ان لجنة المناصحة هدفها «العناية والاهتمام بإنسان هذا الوطن ممن قدر له الانحراف كما هو الحال لمن ليس من ابناء الوطن وضمته جنبات السجون»، في إشارة الى أن المناصحة تطال حتى المتطرفين الأجانب.

ويضم كل سجن، قاعة لتدريس السجناء الراغبين في استكمال دراستهم. وأمام ذلك، قال مدير السجون الأمنية، ان هناك قرابة الـ200 سجين يدرسون الآن لتحصيل درجة البكالوريوس، كما أن هناك مجموعة قليلة تحضر للماجستير، فيما يعتزم واحد على الأقل الحصول على درجة الدكتوراه، مؤكدا أن إدارة السجون تعمل على تسهيل إجراءات كل من يرغب بإكمال دراسته.

ولفت إلى أن السجون الجديدة، مجهزة بكافة سبل الراحة والرفاهية للموقوف، حيث «كرست القيادة العليا في وزارة الداخلية كافة الجهود للاهتمام بفكر الموقوف ورفاهيته بغية استيعابه، واصلاحه، واعادته لدائرة المجتمع الصالح مرة اخرى».

وأوضح مدير السجون الأمنية في السعودية، أن بلاده تقدمت بمراحل كبيرة في ناحية العناية بالموقوفين، ورعايتهم صحيا وفكريا واجتماعيا وماليا.

وتضم المشاريع الجديدة وسائل تسهل اتصال الموقوف بذويه، عبر زيارات محددة، سواء الزيارة العامة او الخلوة الشرعية، والتي قد لا تتوفر في أي بلد في العالم، كما أن لها اهتماما خاصا وأوقاتا تتناسب وطبيعة الموقوف، بحسب أحد الضباط المرافقين، الذي قال انه من الممكن أن تمتد الخلوة الشرعية لقرابة الـ6 ساعات.

وأشار مدير السجون الأمنية إلى وجود أماكن للترفيه داخل المشاريع الجديدة من (تنس طاولة، بلياردو، كرة قدم، وكرة سلة) ومرافق مناسبة لكافة الألعاب الرياضية الأخرى، فيما أن اللمسات الجديدة لم تستثن ثقافة الموقوف، بإضافة مكتبات تحتوي على كتب مفيدة، حيث يسمح بالقراءة على مدار الـ24 ساعة.

ومن البرامج الجديدة التي حرصت القيادة العليا بوزارة الداخلية على توفيرها، ما سماه بـ«اليوم العائلي»، والذي قال ان الموقوف «يقضي فيه يوما كاملا مع اسرته، إذ ان الموقوف المرجو اصلاحه يقضي يوما رسميا كاملا مع ذويه داخل السجن في أماكن خصصت لهذه الزيارات».

واستحدثت السجون، وفقا لأحد الضباط المرافقين، دورات علمية للموقوفين الذين يلحقون بها بعد رؤية اللجان المتخصصة الحاقهم بها. وجلسات المناصحة، والتي تستمر عن طريق المتخصصين تحت إشراف السجون وبتوجيه خاص من وزير الداخلية، حيث يضم كل موقع طاقما متكاملا يعنى بهذا الجانب. ويحتوي كل مشروع من هذه المشاريع الخمسة على مطبخ مجهز بكافة الامكانيات حرصا على توفير الاعاشة المناسبة للموقوفين.

وأوضح مدير السجون الأمنية أن من يستوجب علاجه خارج السجن من الموقوفين، فإن التوجيهات تأتي سريعة بهذا الخصوص لنقله الى أي مستشفى لعلاجه. ويحتوي كل موقع من المشاريع الخمسة على مغسلة متكاملة لتوفير الملابس النظيفة للموقوفين، إضافة الى نظافة الموقع نفسه.