أقدم حراج للتمور في المدينة المنورة ينتقل من مقره بعد مئات السنين

توقع بانخفاض المبيعات بنسبة 70 % وارتفاع أسعار المحلات في السوق القديمة

جانب من السوق القديمة للتمور في المدينة المنورة
TT

في غضون أيام قليلة، سيتعين على سماسرة ودلالي التمور وزبائنهم في احدى أكبر وأقدم أسواق التمور في منطقة الشرق الأوسط، تغيير وجهتهم التي اعتادوها لمئات الأعوام عبر ذاكرة اختزنتها المنطقة المركزية في المدينة المنورة (المنطقة المحاذية للحرم النبوي الشريف) إلى موقع جديد أعدته الأمانة بالشراكة مع مستثمرين آخرين خارج هذه المنطقة.

الموقع الجديد الذي يحاول إغراء الباعة والدلالين وربما المستهلكين بمساحة أكبر بكثير من تلك المخصصة للسوق القديمة، تقارب الـ 2200 متر مربع للحراج، إضافة إلى 126 محلاً تجارياً على الأقل، و130 موقفاً للسيارات، لم يستطع إبهارهم أو مواساتهم بخسارة أكثر من 70 بالمائة من حجم المبيعات في حال انتقالهم بعيداً عن مواقعهم القديمة في داخل المنطقة المركزية للحرم والتي ينشطها دائماً وأبداً زوار المسجد النبوي الشريف، وهم الذين اعتادوا العيش مع إهمال كبير ـ على حد قولهم ـ لنظافة وترتيب هذه السوق وعانوا من سطوة الباعة المتجولين وبيعهم لنوعيات رديئة من التمور بأسعار أقل مقابل مكسب المكان التاريخي النشط تجارياً والذي احتلته هذه السوق طوال مئات السنين.

وفي حين أكد المهندس طارق شنيور، المشرف على السوق وممثل المستثمرين في السوق الجديدة، بأن حراج التمور سيتم الانتهاء منه بنهاية الأسبوع الجاري وسيبدأ تشغيله ونقل الحراج القديم إليه، لأن الأمانة تقدمت بطلب الانتهاء منه في أسرع وقت ممكن، فإن أصحاب المحلات القديمة يبدون تخوفاً حذراً من مستقبل السوق وتراجع المبيعات فيها بسبب بعد المحل الجديد عن المنطقة المركزية التي كانت تضيف ميزة نوعية إلى هذه السوق وتنشط مبيعاتها بشكل كبير جداً خاصة من قبل زوار المسجد الحرام.

حصان طروادة في معركة سوق التمور التاريخية، وأمانة المدينة المنورة بحسب ناصر حمودة، أحد أقدم وأشهر دلالي التمور في السوق القديمة كان النقل، وحمودة الذي يمثل وجهة نظر غالبية الباعة وأهل السوق القدامى الذين ورثوا مهنتهم في الغالب ويشعرون بأن المكان جزء من إرث كبير وتاريخي للمدينة يحافظون عليه، يؤكد بأن الأمانة قامت بتأجير المواقف القريبة لمستثمرين جعلوا منها أبراجا سكنية قيد الإنشاء في إطار خطة مقصودة من الأمانة لـ «تطفيش» أهل السوق عن طريق تصعيب حركتهم وحركة تنقلهم من وإلى المنطقة.

وأشار حمودة إلى أن خطوة الأمانة بنقل السوق تجاهلت تاريخ المنطقة ورغبات الباعة وأصحاب السوق، وحتى احتياجات زوار المدينة المنورة، وهي خطوة لا يمكن إلا أن توصم بـ «السلبية»، لأن المدينة المنورة مشهورة بالتمور منذ عهد النبي عليه الصلاة والسلام، وموقع هذه السوق محدد داخل منطقة الحرم منذ مئات السنين، وجميع الزوار والمعتمرين والحجاج يسهل عليهم شراء هذه السلعة من المنطقة المحيطة بالحرم، وهو ما يروج لها، أما الآن فيجب على الزائر أن يجد وسيلة نقل تقله إلى السوق الجديدة البعيدة جداً وبالتالي فإنه سيضطر إلى أخذ حاجته من أحد المحلات المحدودة داخل منطقة الحرم وبأسعار غالية جداً فيضطر إلى خفض ما يشتريه، وهو ما سيؤثر في سوق التمور بشكل عام، كما يقول.

وتابع بنبرة حزينة بأن المؤسف هو مدى تجاهل الأمانة لمراقبة الإنتاج في السوق، فهناك غش تجاري واضح يقع في هذه السوق لا يدركه إلا أصحاب الخبرة، وهم يتجاهلونه في الأمانة من دون أسباب واضحة.

مدير إدارة العلاقات العامة بأمانة المدينة المنورة، خالد متعب من جانبه أشار إلى أن ما يجري حالياً هو فقط نقل الحراج إلى السوق المركزية، بسبب ضيق مساحة السوق واتساع رقعة البيع المخصصة للحراج الذي يشمل بيع الجملة وهو الجزء الذي سيتم نقله إلى السوق الجديدة، أما محلات البيع القديمة فهي باقية في مكانها.

وأضاف متعب بأن حالة السوق جيدة وليس هناك أساس لصحة الشكاوى والتذمر بشأن وضعها أو نظافتها، وقال «هناك محلات تجارية قائمة ولها رخصها المستخرجة من البلدية وجميع العاملين فيها حاصلون على شهادات صحية، ولدينا مفتشون للقيام بجولات بصفة دائمة وهناك مراقب دائم في مزادات التمور التي تجرى في الحراج، ولهذا رأت الأمانة أنه يجب نقل الحراج إلى موقع أكبر وأكثر اتساعاً». وتابع «لدينا محلات مصرحة وليس هناك عمالة متسربة تبيع نوعيات رديئة على الإطلاق، والتمور لا تتعرض للفساد ولا تحفظ في ثلاجات إلا لدى بائعي التمور بالجملة، هذا بالنسبة لمراقبة نوعيات التمور وجودتها، وهناك نظام محدد لكل بلدية فرعية، وبحسب معلوماتي أقول بأنه يتم التفتيش على كافة الاشتراطات الصحية والفنية من قبل المفتشين بواقع يومين أو ثلاثة أيام على الأقل، ويتم غسل السوق من قبل الأمانة مرتين في الأسبوع أو مرة على الأقل».

أما بالنسبة للشكوى من ارتفاع أسعار إيجارات المحلات، فأكد متعب بأن هناك نظاما تكون بموجبه لجنة لتحديد الأسعار كل 5 أعوام، لكنه في الوقت نفسه يشير إلى أن المساحة التي تبعدها هذه المحلات عن الحرم النبوي هي أقل من نصف كيلومتر تقريباً وهذا يفسر سبب ارتفاع أسعار الإيجارات في هذه المنطقة، إضافة إلى محدوديتها، وهو ما يصعب الحصول على محل مناسب لأي تاجر راغب باستئجاره.

وفي السياق نفسه قال رئيس بلدية العقيق، المسؤول عن السوق المركزية والسوق الجديدة للتمور، هزاع زكي محروس الذي تسلم مسؤولية الرقابة والإشراف على السوق الجديدة قبل أسبوعين فقط بأن الفكرة هي أن تجمع السوق الرئيسية في منطقة واحدة لتصبح سوق التمور بجانب أسواق الأسماك والخضراوات وبقية الأسواق الأخرى، وبالفعل تم اعتماد مساحة كافية لهذه السوق، وتنظيمها الآن على مساحة كبيرة وبالتالي فإن التصميم والتوزيع سيكونان أفضل للمتسوق.

وأضاف «لدينا خطة رقابية طوال 24 ساعة، وهناك أطباء وخبراء صحيون ومستوى النظافة الآن أعلى، إلى جانب أن السيطرة ومراقبة الجودة والنوعية والشروط الصحية هي أكثر إحكاماً الآن من السوق القديمة، أما بالنسبة لبدء التأجير فأعتقد أن أصحاب المحلات القديمة ستكون لهم الأولوية، وبعد ذلك يتم تأجير المحلات وفقاً لرؤية إدارة السوق المركزية والمستثمرين فيها».

وفي السياق نفسه، فإن المهندس طارق شنيور، يؤكد بأن المحلات من المقرر الانتهاء منها في فترة تتراوح بين شهر وشهر ونصف، لكنه يشير إلى عدم تقدم أي من أصحاب المحلات في السوق القديمة لحجز محل جديد، وهناك طلبات كبيرة من مستثمرين وباعة جدد من خارج السوق القديمة، وإن كان لدينا التزام مع الأمانة بعدم التأجير إلا بعد اتضاح موقف أصحاب المحلات في أسواق الحجارية والمحمودية القديمة المجاورة للحرم، وبعدها نقوم بعمل قرعة بينهم، وبانتهائها يمكن أن يتم التأجير للراغبين.