السعودية.. استثمار التراث سياحياً بتجارب أجنبية

محافظو مدن وقرى تراثية ورؤساء بلدياتها يستطلعون على الطبيعة خبرات الآخرين في مجالات التنمية السياحية * هيئة السياحة والآثار تتبنى برنامجاً لتأهيل 64 قرية تراثية * مدينة إيطالية تنشر ثقافة الوعي لدى السعوديين بالمحافظة على التراث

طراز عمراني فريد في محافظة رجال المع يمكن استثماره سياحياً («الشرق الأوسط»)
TT

ترجمت الهيئة العامة للتراث والسياحة في السعودية توجهها نحو تأهيل القرى التراثية السياحية والحفاظ على المواقع الاثرية والمباني القديمة الى واقع عملي عندما اخضعت شركاءها المحليين لتجربة فريدة تمثلت في تنظيم رحلة عمل الى ايطاليا للإطلاع على آليات إدارة واستثمار المواقع الاثرية والمباني القديمة في مجالات مختلفة، ونشرت الهيئة من خلال هذه الرحلة التي تعد الرابعة ثقافة الوعي بأهمية تنمية المناطق التراثية وتوظيفها سياحياً.

وضمت الرحلة 26 شريكاً للهيئة من محافظي المدن والقرى التراثية ورؤساء البلديات وأساتذة الجامعات في السعودية اطلعوا خلالها على تجربة ايطاليا الناجحة في تحويل بلدة قديمة في محافظة توسوكاني الإيطالية الى قرية سياحية واسهم ذلك في استقطاب البلدة لحوالي 4 ملايين سائح سنوياً في حين أن عدد سكان البلدة الصغيرة لا يزيد عن 80 ألف نسمة، وتعد هذه الرحلة الرابعة بعد رحلات مماثلة ضمن برنامج استطلاع الخبرات الاجنبية في مجال التنمية السياحية حيث سبق ان نظمت الهيئة العامة للسياحة والآثار رحلات الى كل من ايطاليا وفرنسا ومصر.

ولعل ابرز ما تمخضت عن هذه الرحلات تغيير قناعات محافظي المدن والقرى ذات الطابع التراثي عن الجدوى السياحية للتراث وهو ما دفع احد رؤساء البلديات في السعودية ممن شارك في احدى هذه الرحلات الخارجية الى اعادة بناء حصن اثري يعود تاريخه لأكثر من 5 قرون قام بهدمه بحجة توسعة شارع جديد، وعكست انطباعات زوار المدينة الايطالية من الوفد السعودي أهمية مثل هذه الرحلات الخارجية التي شملت مواقع سياحية استثمرت التراث العمراني وذلك بعدد من الدول الاوروبية والعربية التي استهدفها برنامج استطلاع الخبرات الاجنبية في مجالات التنمية السياحية.

وكانت المحطة الأساسية للوفد مدينة (سيينا (SIENA حيث الشوارع التي لا يتجاوز عرض الواحد منها عشرة أمتار، لتجسد المعنى الواقعي (للأصالة المعمارية) للمباني التاريخية التي تحيط بجنبات الممرات والأزقة، ولازالت الحلقات الحديدية التي كانت تستخدم لربط الخيول معلقة على هذه الأبنية لم تمس أو تزال بالرغم من عدم استخدامها في هذا العصر، كانت التفاصيل الصغيرة لنمط حياة مضى منذ قرون ماتزال باقية، وكانت بعض هذه النقوش والتفاصيل على مبان تجاوز عمرها الألف سنة، والمثير للإعجاب أن هذه المباني ليست معدة للعرض المتحفي أو الفرجة فقط، وإنما هي مبان مأهولة تعج بالحياة، يسكن أهلها في الطوابق العلوية التي يزيد ارتفاع بعضها عن أربعة طوابق بينما تستخدم الطوابق الأرضية متاجر كلاسيكية يبيع فيها التجار بضائعهم الراقية التي تبهرك بحسن ديكوراتها وإضاءتها التي تم استيحاؤها من تراث المدينة، وتترك لديك انطباعاً داخلياً بأنك تعيش في تلك العصور.

ويعود تاريخ بعض مباني البلدة لفترات من عصر النهضة والعصر الوسيط والعصر الروماني والأوتركسي وما قبله، التقى الوفد بعمدة سيينا واجتمع به في قاعة الاجتماعات بمقر العمدة حيث استمع الوفد إلى نبذة منه عن تاريخ سيينا وتجربة البلدة في المحافظة على التراث العمراني وتحويله إلى نشاط استثماري، حيث أشار إلى أن سكان البلدة الذين يصلون إلى حوالي 80 ألف نسمة يستقبلون سنويا ما يفوق 4 ملايين سائح، وأكد أنه لا يسمح في هذه البلدة ببناء أية مباني حديثة، وتطرق إلى الطرق والأفكار التي نفذتها البلدة لتحويل قطاع الآثار والتراث إلى مناطق سياحية واستثمارية وتحويل المباني إلى متاحف وفنادق ومطاعم وغيرها دون أي مساس بالطبيعة المعمارية التراثية للبلدة وهذا ما جعلها إحدى أشهر المناطق السياحية في إيطاليا وأوربا.

وتتميز سيينا أيضا بساحتها التي تشبه القوقعة البحرية ببلاطها المتنوع والقصور الجميلة المحيطة بها، والتي لاتزال محافظة على أحجارها القديمة من الطوب والحجر الأحمر، ويعود إنشاء الساحة إلى عام 1279م حينما كانت منحدراً مقسماً إلى تسعة أقسام حسب عدد أعضاء حكومة سيينا وعلى جوانب الساحة اليوم توجد عشرات المحال التجارية والمطاعم الراقية التي تقدم أشهى الأطباق من المطبخ الإيطالي الشهير، ويقام في الساحة سنوياً سباق إقليمي للخيول، وهي عادة سنوية تعود إلى أيام الصراع مع جارتها فلورنسا حينما كان هذا السباق ينظم لتدريب المقاتلين وتعويدهم على أجواء القتال، فيما تجذب هذه التظاهرة اليوم آلاف الزوار من داخل وخارج إيطاليا على مدى أربعة أيام تتحول المدينة الصغيرة خلالها إلى أشبه بخلية النحل.

وفي داخل متحف المدينة المطل على الساحة توجد الصور والنقوش الجدارية الملونة التي يعود نشأة بعضها لأكثر من ثمانية قرون، ومن العجيب أن بعض تلك الصور الجدارية والأرضية والتي يتجاوز مساحة بعضها الثلاثين متراً لم يتم نقشها مرة واحدة على يد رسام واحد، وإنما عولجت على مدار قرون يصل بعضها إلى ثلاثة إلى أن وصلت إلى الحالة التي هي عليها الآن.

مباني المدينة تتلوى مع تعرجات الطرق والممرات، ويوجد في معظمها ثقوب سوداء بداخلها أعمدة حديدية وضعت على شكل أفقي وعمودي للمحافظة على تماسك صخور تلك المباني، وغالباً ما يعلق عليها رموز وتماثيل تمثل حقب تاريخية متقدمة تصور حقبة الأوترسكيين واستقلال سيينا وحكم عائلة ميديتشي التي حكمت المدينة في القرن السادس عشر.

الملاحظ أن أعمال الترميم التي بدأت في القرن الثامن عشر الميلادي حينما أدرك الأهالي الأهمية الاقتصادية لمبانيهم مستمرة دون انقطاع حيث رصدت البلدية 25% من ميزانية المدينة لأعمال الترميم التي كلفتها أكثر من مائة مليون يورو خلال خمس سنوات، وغالباً ما يتم تأمين المبلغ من التبرعات التي تقوم بها المؤسسات الأهلية في المدينة والأفراد المقتدرين، وأحياناً تتلقى البلدية بعض الدعم من حكومة المقاطعة، وتهدف الترميمات إلى تدعيم قواعد المباني والحفاظ على جدرانها من التشققات الناتجة عن الزمن والأحوال المناخية؛ وكذلك إعادة تركيب الأنظمة الكهربائية والهاتفية داخل المبنى بشكل يجعله مكاناً مريحاً للسكن العصري، كما أن جميع المباني تتمتع منذ عقود طويلة بخدمات الصرف الصحي والمياه العذبة وإضاءة الشوارع، فيما أدخلت قبل عدة سنوات خدمات الكيبل التلفزيوني والإنترنت عالية السرعة نظراً لأن طابع المدينة لا يسمح بتشويه سطوح مبانيها بالإطباق الفضائية اللاقطة.

كما شملت الرحلة بلدة سان جامنيانوا الساحرة التي تبعد 40 دقيقة عن سيينا؛ وفيها المباني القديمة التي رممت على مدار خمسة عشر عاماً وتحتوي على العديد من الصور الجدارية التي تحكي تاريخ سان جامنيانوا والعائلات التي سكنتها والباباوات الذين قدمتهم للفاتيكان، ومدينة بينزا المشهورة بصناعة الجبن التي تعد من التحف المعمارية التي أنشئت في القرن الخامس عشر الميلادي وتحمل الطابع القوطي، ويغلب على مبانيها اللون الأصفر عكس سيينا وذلك عائد للون الحجارة الموجودة في المدينة.

وفي مدينة فولتييرا القريبة تقام مهرجانات سياحية متنوعة على مدار العام، خصوصاً بعد الطفرة السياحية التي حققتها المدينة منذ عام 1985م حينما تم تنظيم مهرجان ثقافي عن حضارة الأوتروسكيين مما أدى إلى إشغال الفنادق حينها بنسبة 100%، ويقام سنوياً مهرجان آخر اسمه (روسو لو نيتوا) يتعلق بتصوير حكايات فنية من عصر النهضة والثورة الصناعية التي لحقت إيطاليا بركبها.

واجمع عدد من المحافظين ورؤساء البلديات وأساتذة الجامعة المشاركين في الرحلة الاستطلاعية التي نظمتها الهيئة العامة للسياحة والآثار لمواقع التراث العمراني في إيطاليا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على نجاح هذه الرحلة وأهمية ما حققته من نتائج في التعرف على التجربة الإيطالية المميزة في مجال الحفاظ على مواقع التراث العمراني وتنميتها واستثمارها وتحويلها إلى مناطق جذب سياحي، وأعربوا عن شكرهم للأمير سلطان بن سلمان الأمين العام للهيئة العامة للسياحة والآثار على تنظيم هذه الرحلة والرحلات السابقة والتي أسهمت في رفع الوعي لدى المسؤولين من شركاء الهيئة بأهمية التراث العمراني وإكسابهم المعرفة والخبرة في طريقة الاستفادة منه سياحيا واستثماريا.

وشارك في هذه الرحلة أربعة مسؤولين ممن تضم مدنهم قرى تراثية ضمن برنامج تنمية القرى التراثية الذي تقوم عليه الهيئة العامة للسياحة والآثار بالتعاون مع عدد من الجهات فما مدى استفادتهم من التجربة الايطالية في تأهيل قراهم التراثية وتحويلها إلى مواقع جذب سياحي؟

وقال عبد الله بن ناصر السديري محافظ الغاط إن هذه الرحلة وما تضمنته من جولات وورش عمل واجتماعات مع المسؤولين الايطاليين أفادته كثيرا في تطبيق عدد من الأفكار في بلدة الغاط التراثية التي يتم الآن العمل على تأهيلها ضمن مشروع تنمية القرى التراثية، معتبراً أن هذه الرحلة الاستطلاعية كانت ناجحة ومميزة وحققت الهدف المنشود منها في التعرف على التجربة الإيطالية في الحفاظ على التراث العمراني وتوظيفه سياحيا واستثماريا واقتصاديا. وأضاف بأن المملكة بما تملكه من تاريخ عريق تضم المئات من المواقع التراثية القيمة التي ينبغي المحافظة عليها واستثمارها.

من جانبه اشار المهندس عبد الله بن محمد العنقري رئيس بلدية الغاط إلى أن السعودية لا تقل غنى بالمواقع الأثرية والتراثية عن إيطاليا بل تحوي مواقع أكثر وأهم ولكن ينقصها التوظيف السياحي الأمثل، ويقول: خرجت من هذه الرحلة بانطباع جميل ومدهش أولا لما قامت به الهيئة مشكورة من حسن الإعداد والتنظيم لهذه الزيارة منذ البداية وحتى النهاية بمتابعة واهتمام من رائد السياحة الأمير سلطان بن سلمان الذي يقدم كل الجهود لتطوير صناعة السياحة في وطننا الغالي، وثانيا لما احتواه برنامج الزيارة من أنشطة وزيارات ميدانية لأبرز المعالم والقرى التراثية في توسكاني بايطاليا حيث اطلعنا من خلالها على أبرز التجارب الايطالية الراقية وعمليات التوظيف الناجح للمواقع التراثية والعمرانية وكيفية الاستفادة من الامكانات والقدرات للمجتمع المحلي مما جعل منها أماكن جذب سياحية عالمية، ومثال على ذلك مدينة صغيرة في مقاطعة توسكاني تستقطب 4 ملايين سائح سنويا، وفي اعتقادي الجازم أن ما تم الخروج به من خلال الزيارة سيكون له أثر مستقبلي في تعزيز جهود التنسيق والاتصال بين الجهات المشاركة بالزيارة مع الهيئة بهدف تطوير صناعة السياحة في وطننا.

وعن الاستفادة من الرحلة في برنامج تنمية القرى التراثية يوضح رئيس بلدية الغاط أن البرنامج واعد ويبشر بمستقبل متطور في هذا المجال المهم سياحيا، وفي اعتقادي فإن للمجتمعات المحلية مع الجهات الحكومية ذات العلاقة الدور الرئيس في تفعيله وتوظيفه اقتصاديا وسياحيا لافتاً الى أن مشروع القرية التراثية بالغاط يعد احد هذه البرامج الرائدة والذي توليه الهيئة العامة للسياحة والآثار اهتماما بالغا لجعله موقع جذب سياحي مهم نظرا لما تتمتع به القرية من إمكانات تراثية فريدة يضاف لذلك الموقع الاستراتيجي والطبيعي الجغرافية المحيطة التي يتوفر بها عناصر أخرى تراثية ممثلة بالمزارع والمباني القديمة وجمال امتداد الوادي الكبير المحيط وارتباطه بالمتنزه الوطني البيئي والذي سبق أن حظي بالتفوق على مستوى السعودية كأفضل متنزه بيئي صحراوي، كما أن القرية التراثية بالغاط تتميز بوجود عدة عناصر تراثية مهمة من أبرزها قصر الأمارة القديم ومسجد العوشزة الأثري والسوق الشعبي والساحة إضافة لعناصر أخرى عديدة والحقيقة أن جهود هيئة السياحة مع الجهات الحكومية الأخرى تسير حثيثة ووفق منهج وخطط مرسومة ليسعد الجميع بتوظيفها اقتصاديا لخدمة السياحة الوطنية.

وفي ذات السياق اشار محمد بن سعود المتحمي محافظ رجال ألمع بأن هذه الرحلة تمثل دورة تدريبية ميدانية للتعامل مع المواقع التراثية من منظور سياحي واقتصادي، موضحاً أن القرية التراثية في رجال ألمع تتمتع بالكثير من المقومات الطبيعية والتاريخية التي تؤهلها للنجاح سياحيا خاصة مع وجود الحماس لدى الأهالي لجعل البلدة التراثية أحد مواقع الجذب السياحي الرئيسية، وبين أن المواقع والمباني التراثية تحمل قيمة كبيرة إذا أحسن استغلالها واستثمارها لتكون موردا ثقافيا وسياحيا وشدد صالح الفيصل التميمي رئيس مركز جبة إلى ضرورة الاستفادة من هذه الرحلة في توثيق الشراكة بين البلديات وهيئة السياحة للاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في مجال التراث العمراني وتطبيقها في المملكة، مؤكداً على أن مستقبل التراث العمراني بجهود الهيئة ودعم الحكومة سيحقق بإذن الله نقلات عالية في ظل ما خصص له من برامج وخطط تطويرية تستلزم تعاون مسؤولي البلديات والمحافظات مع هيئة السياحة فيها.

ويرى احمد الشهراني محافظ سراة عبيدة أن الاطلاع على مثل هذه التجارب العالمية هو أحد الركائز المهمة للنجاح ويقول: إذا أردنا النجاح في أي أمر فلابد من الاطلاع على تجارب الآخرين والاستفادة منها، وما اطلعنا عليه جدير بالاهتمام والاستفادة ويمكن تحقيقه بعزيمة الرجال المخلصين وبدعم الدولة وجهود الهيئة العامة للسياحة والآثار فلدينا الكثير من المواقع التراثية التي يمكن تحويلها إلى مواقع سياحية كما فعل الإيطاليون الذين خططوا لذلك جيدا واستفادوا في نهاية الأمر اقتصاديا وثقافيا.

ويؤكد سعيد بن مشيط محافظ خميس مشيط على أن الزيارة أعطت الثقة لدى المحافظين ورؤساء البلديات بان العمل على استثمار مواقع التراث سيحقق النتائج الاقتصادية والثقافية المأمولة، وقال بان أسلوب التعامل الذي رأيناه في سيينا الايطالية والتعاون بين الأجهزة الحكومية كان جيدا وهذا ما يجب أن يتحقق بين الأجهزة الحكومية في بلادنا من خلال العمل كفريق واحد وخاصة في المجالات المشتركة مثل المواقع السياحية والتراثية، وقال: يجب في رأيي، أن نعمل كفريق واحد للمضي قدما في الاستفادة من تجارب الدول التي سبقتنا في هذا المجال.

وشدد حامد محمد المغني الغامدي محافظ قلوة على ضرورة الاستفادة الاقتصادية من مواقع التراث العمراني وقال: سمعنا من المسؤولين في سيينا عن تجربتهم في مجال التراث العمراني ما يجعلنا نشد على أيدي بعضنا البعض لتوحيد الجهود حيث أصبح التراث العمراني صناعة اقتصادية تدر دخلا جيدا، فمثلا عدد سكان بلدة سيينا يقارب مائة ألف، وتستقبل سنويا قرابة أربعة ملايين سائح فكيف سيكون مردود ذلك على البلدة، وأضاف بان الزيارة أكسبته الكثير من الأفكار الممتازة التي سيسعى إلى تطبيقها في المواقع التراثية في المحافظة.

واثنى سعد بن سفر آل زميع محافظ ظهران الجنوب على النتائج الجيدة التي استخلصها المحافظون ورؤساء البلديات من هذه الجولة في التعرف على التجربة الإيطالية المميزة والعمل على تطبيق الطرق الحديثة المتبعة في البلدات التراثية التي تم استثمارها اقتصاديا، ويقول: لقد تركت هذه الزيارة الأثر الجيد في نفسي وسأعمل على تطبيق ما رأيته على ارض الواقع، مشيرا إلى أهمية تطبيق الأنظمة المتعلقة بالتراث العمراني واهتمام جميع مسؤولي الأجهزة الحكومية في تفعيل التعاون لخدمة التراث العمراني وتوعية المجتمع بأهمية استثمار هذا التراث سياحيا وثقافيا.

ويبين سعيد محمد بن مجري محافظ أحد رفيدة أهمية التراث العمراني في المملكة وأهمية التوعية بقيمته التاريخية وآثاره الاقتصادية والثقافية قياسا بما رآه من مواقع إيطالية غيرت نظرته وقناعاته حول الاستفادة من مواقع التراث العمراني، ويقول: اكتسبنا من هذه الرحلة فوائد كثيرة في التعرف على الطرق الحديثة في توظيف المباني التاريخية لخدمة العمل السياحي، مشيرا إلى أهمية تفعيل ودعم خطط هيئة السياحة وتعاون المسؤولين والمستثمرين والمواطنين لإنجاح ذلك.

وقد ضم الوفد المشارك في هذه الرحلة كلا من: عبد الله بن ناصر السديري محافظ الغاط وعبد العزيز عبد الله بن رقوش محافظ المندق والدكتور محمد بن جمعان دادا محافظ بلجرشي وأحمد عبد الله زربان محافظ المخواة وعبد العزيز مشرف الغامدي محافظ العقيق وحامد المغني الغامدي محافظ قلوة وفهد تركي البانمي محافظ القرى والمهندس محمد بن مبارك الدوسري أمين منطقة الباحة وسعيد بن عبد العزيز بن مشيط محافظ خميس مشيط ومحمد بن سعود المتحمي محافظ رجال ألمع وعبد الله بن علي بن جاري محافظ بلقرن ومحمد بن سعيد بن سبره محافظ تثليث وأحمد سعيد الشهراني محافظ سراة عبيدة وسعيد محمد بن مجري محافظ أحد رفيدة ومساعد بن سعود التمامي محافظ بيشة ومسفر بن حسن الحرملي محافظ محايل عسير وسعد بن سفر آل زميع محافظ ظهران الجنوب ومغدي مسفر مغدي محافظ المجاردة والمهندس عبد الله بن محمد العنقري رئيس بلدية الغاط وصالح الفيصل التميمي رئيس مركز جبه ونايف الراضي الشمري رئيس بلدية جبه والدكتور عبد العزيز سعد المقرن عميد كلية العمارة والتخطيط بجامعة الملك سعود والدكتور يوسف محمد فادن بكلية العمارة والتخطيط بجامعة الملك سعود، بالإضافة إلى كل من الدكتور علي بن إبراهيم الغبان نائب الأمين العام للآثار والمتاحف في الهيئة العامة للسياحة والآثار والمهندس أسامة الخلاوي مدير عام إدارة تطوير المواقع السياحية بالهيئة وعبد الله مطاعن المدير التنفيذي لجهاز السياحة في أبها، والدكتور محمد ملة المدير التنفيذي لجهاز السياحة في الباحة، ومحمد الرسن مدير إدارة الترميم والصيانة بقطاع الآثار والمتاحف.

وكانت الهيئة العامة للسياحة والآثار قد تبنت برنامج القرى التراثية الهيئة في السعودية، وذلك بغرض إيجاد مورد مالي يساهم في تنمية المجتمعات المحلية في المحافظات والمدن والقرى لتقوية روح التكافل بين أفرادها من خلال تنمية الخدمات وتشجيع الاستثمار السياحي، وكذلك إيجاد فرص عمل جديدة لتوظيف فئات المجتمع المحلي وزيادة دخلهم، ورفع معدلات الإنفاق الداخلي للسياح. ويأتي اهتمام الهيئة بهذا البرنامج انطلاقا من أهمية القرى التراثية كوعاء لإقامة الفعاليات الثقافية والتراثية، حيث سيسهم البرنامج في إعادة وتأهيل وتوظيف القرى التراثية المختارة، وفي الحد من نسبة هجرة السكان المحليين إلى المدن الرئيسية مما يساعد على تحقيق التوازن التنموي، كما أن المشاريع المستدامة التي سترافق التنمية سوف تعود بالنفع والفائدة على المجتمع المحلي وعلى الأسر المحتاجة، بالإضافة إلى أن مشروع تنمية القرى والمباني التراثية سوف يحافظ على الهوية التراثية العمرانية، وزيادة الوعي والتكافل الاجتماعي بين أهالي القرية الواحدة، وكذلك زيادة نمو وتشغيل الخدمات المساندة مثل الفنادق والشقق المفروشة والمطاعم والنقل، ودعم وتسويق المنتجات الزراعية والحرفية، والمأكولات المحلية التي ينتجها سكان القرية والمناطق المحيطة بها، وإحياء نشاطات الحرف والصناعات التقليدية، وإبراز تراث المنطقة وثقافتها.

ويتضمن مشروع تنمية القرى التراثية الذي تعمل الهيئة على تنفيذه ليعم مناطق ومحافظات المملكة 5 قرى في مرحلته الأولى ليشمل المشروع 64 قرية قديمة حيث تُعد القرى التراثية في حال تطويرها مورداً اقتصادياً مهماً تعتمد عليه المجتمعات المحلية القريبة من تلك القرى.

وقد تم البدء في مشاريع المرحلة الأولى التي انطلقت العام الماضي وتشمل: البلدة القديمة في الغاط، وقرية رجال المع، وقرية ذي عين، وبلدة جبة، وبلدة العلا القديمة. من خلال ترميمها وتحويلها إلى معالم سياحية.

ومن الفوائد المتوخاة من تنمية القرى التراثية تشجيع إقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة مما يعود بالنفع على السكان والمستثمرين، وتوفير الخدمات الأساسية اللازمة في القرى والبلدات التراثية (كالطرق والمواقف، ومركز الزوار، وتهيئة ممرات لحركة السياح داخل القرية، وأماكن للجلوس، ومطاعم ومقاهي وتموينات، ودورات مياه، ومحلات بيع المنتجات المحلية، بالإضافة إلى الإنارة الخارجية للمباني التراثية...) وهو ما يشجع السياح ويساهم في قضاء جزء من برنامجهم السياحي داخل هذه القرى.

وعلى المستوى الاجتماعي يشجع المشروع العوائل على العمل في إنتاج ما يطلبه السائح من مأكولات ومشروبات محلية وبيع المنتجات الزراعية والحيوانية والموسمية، مما يؤدي إلى إيجاد فرص عمل، ويشجع الحرفيين على العودة إلى ممارسة أعمالهم الحرفية.

ويسعى البرنامج إلى المساهمة في الحد من هجرة السكان المحليين إلى المدن الرئيسة وتحقيق التوازن التنموي، وإحياء الحرف والصناعات التقليدية والتراث غير المادي الذي كان سائداً في القرى، وكذلك إشراك الأهالي في إعادة تأهيل القرى وتنميتها بما يعود عليهم بالمنفعة.

ويوفر البرنامج وسائل تمويل من أبرزها: أن تقوم الدولة بالاستثمار المباشر في تلك القرى لفترة زمنية محدودة، وذلك من خلال تنمية نماذج ناجحة من القرى واستثمارها اقتصاديا، مما سيؤدى بالتالي إلى إيجاد تجارب ناجحة يقتدي بها الآخرون من السكان المحليين والمستثمرين، وتأسيس شراكات استثمارية تتولى تطوير مشاريع القرى التراثية، وإيجاد صندوق لتنمية القرى التراثية، في حين يهدف هذا الصندوق إلى توفير مورد مالي يساهم في تنمية هذه القرى وإنشاء الخدمات التي تشجع على الاستثمار فيها. وتشارك مع الهيئة مجموعة من الجهات هي: وزارة الشؤون البلدية والقروية، ووزارة الداخلية ممثلة في إمارات المناطق والمحافظات، ووزارة الشؤون الاجتماعية، ووزارة النقل، ووزارة الزراعة، ووزارة المياه والكهرباء، ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ووكالة الآثار والمتاحف، والقطاع الخاص، بالإضافة إلى المجتمع المحلي.