فوضى إنتاجية وقوى خارجية تهدد صادرات «التمور» السعودية

«الزراعة» لـ«الشرق الأوسط»: تحركنا العاجل لتشجيع التصدير لدول العالم

دعائية مهرجانات التمور السنوية لم تستطع الرفع من حجم صادرات التمور
TT

مع قرب انطلاقة موسم التمور السنوي في السعودية أواخر الشهر المقبل، الذي أصبح يحظى بسمعة دولية جيدة، لم يخف عاملون في صناعة التمور تشاؤمهم من أن تتمكن التمور السعودية من تصحيح وضعها عالمياً ورفع قيمة صادراتها التي لا تزال تمثل 3 في المائة فقط من إجمالي الصادرات الزراعية، وهو الأمر الذي دفع وزارة الزراعة للتحرك العاجل في العمل على تشجيع تصدير التمور، كما أكد لـ«الشرق الأوسط» مصدر مسؤول في الوزارة.

ورغم أن السعودية تعد من أكبر الدول المنتجة للتمور على مستوى العالم، بتمويل من حوالي 24 مليون نخلة، إلا أن معدلات تصدير التمور السعودية تعتبر ضئيلة جداً مقارنة باستهلاك السوق العالمي من التمور، وهو الأمر الذي أرجعه المختصون لضعف خطط التصنيع والعشوائية التي تعم القطاع، إلى جانب وجود قوى خارجية تتحكم بالأسعار وتحريك قيمة العرض والطلب.

يقول إبراهيم السيد، مدير التسويق في شركة الفاخرة للتمور المحدودة، لـ«الشرق الأوسط»، إن معدلات تصدير وتسويق التمور السعودية خارجياً شهدت انخفاضاً كبيراً في السنوات الأخيرة، وبرر ذلك بموجة الارتفاع العالمي في الأسعار ووجود منافسين في اميركا اللاتينية ودول شمال أفريقيا يمتازون ـ كما أوضح ـ بقربهم للسوق الأوروبي وكندا وأميركا بصورة تفوق المنتج السعودي.

فيما يؤكد المهندس عبد الناصر رصرص، مدير عام مصنع تمور المملكة، لـ«الشرق الأوسط»، أن العملية التسويقية للتمور السعودية تتم حتى الآن بطرق وأساليب بدائية جداً وتعتمد فقط على العرض والطلب، واستشهد بأنه ما زالت وحدة بيع التمور في موسم الإنتاج وفي أكبر سوقين سعوديين لعرض التمور (بريدة وعنيزة) تتم بالسطل غير المعروف وزنه أو حجمه، معلقاً على ذلك بقوله «كلٌ يعمل على هواه».

وطالب رصرص بإيجاد مقاييس موحدة للبيع بحيث تضمن حقوق المنتج والمستهلك، قائلاً «إذا أردنا تطوير سوق وصناعة التمور فلا بد من وجود بورصة للتمور وكذلك لا بد من وجود جمعية أو أكثر لمنتجي التمور لتعتني بحقوقهم وتحدد أسعار التمور وتحافظ على حقوق المنتج والمستهلك»، وأشار إلى أن التوجه لتطوير الإنتاج المحلي من التمور يجب أن يسبق مهمة تعزيز الحصة السوقية عالمياً.

ويربط أكاديميون بين المعوقات التي تواجه تصنيع التمور السعودية وضعف معدلات التصدير، حيث يرى الدكتور صلاح العيد، مدير مركز أبحاث النخيل والتمور التابع لجامعة الملك فيصل بالأحساء، أن التطوير التقني للصناعات التحويلية المعتمدة على التمور يمثل التحدي الأكبر لتصنيع التمور لكونه الأعلى مردوداً والذي يتطلب تحقيقه درجة أكبر من المخاطرة، قائلاً إن التطور والتقدم في هذه الصناعات ما زال «ضعيفا ومحدوداً ولا يتلاءم إطلاقاً مع الكم الكبير من الأبحاث وبراءات الاختراع».

ويتوجه العيد لصنّاع التمور في حديثه لـ«الشرق الأوسط» بالقول إن «الاستثمار الصناعي الناجح في قطاع تصنيع التمور ينبغي أن يبدأ ببرنامج بحثي تطبيقي قبل تنفيذ المشروع بغرض تطوير منتجات جديدة وبغرض اختيار النظم الصناعية والتقنيات الملائمة كما هو معمول به في مصانع الأغذية بالدول الصناعية المتقدمة»، التي أكد أنها تحتوي على أقسام خاصة بالبحث والتطوير، ما يمكن المصانع في حال قيامها من امتلاك التقنية.

وقال العيد إن قيمة انتاج التمور في السعودية بلغت نحو 5.8 مليار ريال تمثل 15.7 في المائة من الناتج المحلي الزراعي، وأفاد بأن تكاليف إنتاج الطن من التمور بالسعودية كمتوسط لأهم الأصناف تبلغ 1355 ريال/ طن على مستوى المزارع التقليدية، ويعادل متوسط نصيب الفرد من استهلاك التمور 29.61 كجم/ سنة، فيما يتجه للانخفاض بمعدل سنوي بمقدار 1 في المائة.

وحول مستوى أسعار تصدير التمور السعودية أظهرت دراسة حديثة أجراها الدكتور صبحي محمد اسماعيل، من قسم الاقتصاد الزراعي بكلية علوم الأغذية والزراعة في جامعة الملك سعود، تدني الأسعار التصديرية للتمور السعودية، مرجعة ذلك لكون كميات كبيرة من هذه التمور تكون بمثابة هبات أو إعانات للدول الفقيرة أو المنكوبة أو ضمن برنامج الغذاء العالمي، وربطت الدراسة بين ضعف معدلات التصدير وارتفاع نسبة التالف من التمور، خاصة الإصابات الحشرية التي تزيد عن الحد المسموح به محلياً وعالمياً.

من جانبه، أفصح الدكتور سعد خليل، مدير عام إدارة التسويق الزراعي بوزارة الزراعة، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بأن هناك تزايدا نسبيا في معدلات تصدير التمور السعودية للفترة بين عامي 2000 و 2006، إلا أنه أوضح أن هذا الحجم ما زال ضئيلاً ولا يرقى لطموحات القطاعين العام والخاص، وأكد أن نسبة ما تصدره السعودية من التمور لا يمثل إلا 5 في المائة فقط من إجمالي الانتاج المحلي للتمور البالغ قرابة مليون طن للعام 2006.

وأرجع خليل ذلك لكون الأسعار المحلية لمعظم أصناف التمور مغرية للمستثمرين لذا يفضلون تسويق انتاجهم محلياً لتفادي تكاليف التصدير وأهمها الشحن، وبيَّن أنه «بالنسبة للأصناف الصالحة للتصدير والتي تعتبر من الدرجة الثانية والثالثة المرغوبة محلياً مثل الشيشي والخضري وغيرهما فغالبا ما ينتجها صغار المزارعين الذين لا توجد لديهم امكانيات للتصدير». وأضاف قائلاً إن «الطلب العالمي على التمور غير محفز حالياً لذا نجد أنه لا يوجد مستوردون لتحفيز الطلب وتشجيع التصدير وغالباً ما تكون الأسعار غير مغرية مقارنة بالأسعار المحلية». وأفاد خليل بأن وزارة الزراعة لديها دراسات وخطط لتشجيع تصدير التمور السعودية بالتعاون بين القطاعين العام والخاص، منها ما لا يزال تحت الدراسة ومنها ما هو مرفوع للجهات العليا لاعتماده، وأفاد بوجود مركز وطني يعنى بتسويق التمور السعودية في مجلس الغرف السعودية ينتظر إقراره من قبل جهات الاختصاص، فيما أكد أن الدولة تدعم مشاركة المصدرين في معارض الغذاء العالمية للترويج لمنتجاتهم، وأنها لن تألوا جهدا في تقديم الدعم لتصدير التمور بما لا يتعارض مع التزاماتها في منظمة التجارة العالمية.

وكانت وزارة الزراعة قد أعلنت أخيرا تجديدها اتفاقية التعاون التي تجمع بينها وبين منظمة الأغذية والزراعة الدولية (الفاو) والتي من ضمن برامجها مشروع تطوير مركز أبحاث النخيل والتمور بالأحساء، بالإضافة إلى تشجيع الوزارة لمنتجي التمور على التعريف بالتمور السعودية عن طريق المشاركة في المعارض الدولية والتنسيق في ذلك مع مركز تنمية الصادرات بمجلس الغرف التجارية والصناعية.

وفي ذات السياق، يفيد أحدث التقارير بأن السعودية تحتل اليوم المرتبة الثالثة بين الدول المصدرة للتمور حيث تمثل 12.1 في المائة، و 7.8 في المائة من إجمالي كمية وقيمة الصادرات العالمية للتمور، فيما يتجاوز حجم فائض الإنتاج السنوي من التمور حدود الـ140 ألف طن، وهو ما يراه المختصون يعكس أهمية استثمار هذا الفائض وتوجيهه للأسواق الخارجية.

كما يعود مدير مركز أبحاث النخيل والتمور ليشدد على ضرور إيجاد قنوات جديدة لإدخال التمور في تصنيع منتجات غذائية متنوعة لكي يساعد ذلك على تقليص الفائض السنوي من التمور والحصول على قيمة مضافة أكبر وبالتالي رفع مردودها الاقتصادي، مشيراً إلى أن مصانع التمور في البلاد يمثل إنتاجها ما نسبته 9 في المائة تقريباً من إجمالي الإنتاج السعودي من التمور. يذكر أن دول مجلس التعاون الخليجي لا تزال تعتبر من أهم الدول المستوردة للتمور السعودية، حيث بلغ متوسط الكمية المصدرة إليها نحو 11.3 ألف طن قيمتها 35.9 مليون ريال بمتوسط سعر 3180 ريالاً للطن، وتأتي الدول العربية الأخرى في المرتبة الثانية، وقد بلغ متوسط الكمية المصدرة إليها 16.1 ألف طن قيمتها 31.7 مليون ريال من متوسط إجمالي صادرات السعودية من التمور.