تحديد وقت إغلاق قاعات الأفراح بين «الدواعي الأمنية» و«الحقوق الشخصية»

فيما تنتهي الزواجات في مناطق الجنوب قبل بدايتها في المدن الأخرى

شكاوى شعبية من تحديد مواعيد الأعراس في فصل الصيف لدواع أمنية أو حقوقية («الشرق الأوسط»)
TT

مرة أخرى ومع بداية موسم الصيف والزواجات في السعودية، عادت من جديد «أزمة» تحديد توقيت إغلاق قصور الأفراح والقاعات بين الساعة الـ12 مساء والـ2 صباحا، وسط تأييد البعض واقتناعه بـ«دواعي أمنية» وأخرى «دينية»، ومعارضة من البعض الآخر باعتبارها «حقوقا شخصية».

وتختلف في السعودية أوقات الزواجات من منطقة الى أخرى، فبينما تبدأ في الغالب بعد التاسعة في كثير من المناطق، ينفرد الجزء الجنوبي والجنوب الغربي من السعودية بدءا من الطائف وحتى حدود اليمن، بتحديد بعد العصر موعدا لبدء الأفراح واختتامها قبل ان تبدأ في مدن أخرى.

ورغم مضي عام كامل على تحديد مواعيد إغلاق قصور وقاعات الاحتفالات ما زال الجدل قائما. ففي المدينة المنورة ما زال التجاذب قائما، فبينما يرى المؤيدون للقرار أنه أسهم في تكريس المعاني الاجتماعية للأفراح بعيداً عن الإفراط والتفريط، يصف آخرون أن تحديد مواعيد انتهاء الأفراح هو تقنين للفرح.

وكان الصدور المفاجئ للقرار والحزم في تطبيقه في يوليو (تموز) 2007، أبرز حدوث إشكالات بين إدارات قصور الأفراح والمستفيدين مما اضطرهم إلى تثبيت نسخ من القرار الرسمي وإبرازها داخل الصالات. وفيما يرى معارضو القرار أن ساعات الليل قصيرة في فصل الصيف وهو الفصل الذي تكثر فيه مناسبات الزواج نسبة لفصل الشتاء الذي تكون ساعات المساء فيه أطول، وبالتالي فإنه يجب إعادة النظر في زيادة الوقت ساعتين.

كما يرون أنه ورغم مرور عام على تطبيق القرار فإن ما يتم دفعه من مبالغ للصالات وقصور الأفراح زاد عن ما كان نسبة إلى تقليص الفترة الزمنية وبقاء مستوى الخدمات بنفس المستوى من دون زيادة، التي يبررها أصحاب قصور الأفراح بأنها نفقات تشغيلية دعتهم إلى زيادة الأيدي العاملة لمواجهة الفترة الزمنية البسيطة في تقديم الضيافة والإعاشة.

أما المؤيدون فيرون في القرار عمقاً وأبعاداً كما يصفها منير زهيري، احد أهالي المدينة المنورة بأن «القرار يحجم استفحال ظاهرة السهرات في قصور الأفراح حتى وقت متأخر وما يرافقها ويعقبها من إزعاج عندما يخترق موكب العروسين شوارع المدينة عند رفع آذان الفجر وإقامته وأصوات الطبول والأغاني تنبعث من السيارات في منظر يتنافى مع حرمة المدينة وقدسيتها». وأضاف الزهيري: «ان استحسان شريحة كبيرة من المجتمع قضى على ظاهرة السهر المتأخر وما يلازمه من مشقة على أرباب الأسر وإهمال للأطفال، خاصة الرضع ببقائهم مع الخادمات أو انتظارهم في السيارة مع السائق او والدهم حتى تكتمل مراسم زفاف العروس فجراً».

يقول العقيد محسن الردادي، المتحدث الأمني بشرطة منطقة المدينة المنورة لـ«الشرق الأوسط»: «إن القرار له من الايجابيات عبر إسهامه في الحد من المضايقات التي عادة ما تتركز عقب انتهاء حفل الزفاف ويكون ما بين الرابعة والسادسة مما قد يعرض العائلات، خاصة إذا كانوا برفقة السائق الخاص، لمضايقات من الشباب المتسكعين الذين قد يترصدون لهم في طريقهم».

وينأى المعارضون للقرار عن القاعات والقصور، في سبيل كسب زمن إضافي لليلة العمر فيلجأون إلى الاستراحات التي انتشرت بشكل كبير، التي ما زالت خارج مساحة تنفيذ قرار الإغلاق عند الثانية فجراً، والتي أضحت تنافس القصور والقاعات في توفير نفس خدمات الضيافة والإعاشة.

وفي جدة يذهب عدد من المسؤولين والمشرفين لقصور وقاعات الأفراح بجدة الى أن حفلات الزفاف في موسم الإجازة الصيفية ما زالت مستمرة حتى ساعة آذان الفجر، والبعض منهم يستمر فرحه لطلوع الشمس، وذلك لعدم إطلاعهم وإعلامهم بالقرار الصادر من الإمارة، فيما يخص تحديد موعد انتهاء حفلات الزفاف حتى الثانية فجرا على حد قولهم، إلا أن هذا لم يمنع بعض المسؤولين عن تلك القصور وقاعات الاحتفالات بتحديد موعد انتهاء الحفل بحلول الساعة الثالثة فجرا، وتوقف عمل الخدم وكل ما له علاقة بالحفل، كما يقول سائد فقيه، مدير الأغذية والمشروبات بفندق راديسون ساس: «نضيف شرطا مهما للزبون الذي يرغب بإقامة حفل زفافه في إحدى قاعات الفندق، بأن يلتزم بموعد انتهاء الحفل والمحدد بالساعة الثالثة فجرا».

والسبب كما يرى فقيه استعدادا لصلاة الفجر، كما أنه كلما طالت الفترة الزمنية لحفل الزفاف، زاد إرهاق العاملين والموظفين.

أما طارق جمال، مسؤول بإحدى قاعات الاحتفالات الشهيرة، فيرى أن قرار موعد انتهاء الحفل يعود لأصحاب الزواج: «إنه قرار شخصي، ويتبع لعادات كل منطقة ومدينة، فأهل جدة اعتادوا على تلبية دعوة الزفاف بالحضور متأخرين بعد الساعة العاشرة ليلا، فمن البديهي أن يتأخر موعد الانتهاء».

ويتفق معه حمد حيدري، المسؤول عن قاعة ريهام للاحتفالات، ويقول: «أهل جدة معظمهم تجار ويعملون في العقار ومنذ القدم اعتادوا لحضور حفلات الزفاف في وقت متأخر عن بقية مناطق السعودية، وهذا نتيجة طبيعة عملهم التي تتطلب منهم البقاء لفترة أطول في السوق، حتى اليوم فإن الأبناء ما زالوا يعملون في هذا القطاع، كذلك نساؤنا عاملات وموظفات فمن الصعب الذهاب إلى حفل الزفاف مثلا بعد صلاة المغرب لينتهي الحفل الساعة 12 أو الثانية فجرا».

ويضيف الحيدري بخبرته الطويلة مع الزبائن المستأجرين لقاعات وقصور الاحتفالات، معتقدا بأن النساء يفضلن تأخير موعد زفة العروس، وبالتالي موعد انتهاء الحفل ويرغبن في السهر لفترة أطول للمصاريف والتكاليف الكثيرة التي صرفنها كالفستان وتسريحة الشعر والماكياج والطقاقة التي تحيي الحفل، أي يعتقدن أنهن بهذا يحللن فلوس تلك المصاريف. إضافة ـ كما يقول الحيدري ـ بأن جو النهار في صيف جدة لا يشجع على الخروج من البيت، وكل تلك العوامل والمسببات لا تشجع على تنفيذ مثل تلك القرارات بتحديد موعد انتهاء الحفل، على الرغم من أنه يفضل انتهاء الحفل قبل صلاة الفجر.

وفي هذا يؤيد بعض أهالي جدة القرار بتحديد موعد انتهاء حفل الزفاف ليتيح للضيوف وأهل الفرح والعروسين الراحة والاستعداد لصلاة الفجر من أجل يوم جديد، حيث تعلق أم منصور، القاطنة بالقرب من إحدى قاعات الاحتفالات بحي السلامة: «وقت صلاة الفجر يتحول الشارع إلى كرنفال من كثرة السيارات والسائقين الذين ينتظرون سيداتهم بعد انتهاء الحفل ويسبب الزحمة والفوضى، إضافة إلى أن الكثير من المدعوات أمهات والبعض موظفات وهذا يسبّب لهن الأرق والقلق».

وعلى عكسها مها عبد الرحيم، تعمل موظفة بإحدى شركات العلاقات العامة، ترى أن فكرة توحيد موعد حفلات الزفاف تتعدى على الحرية الشخصية، فهناك من يفضل حفل زفافه في النهار وآخر بعد صلاة المغرب والبعض وهم الاغلبية بعد العاشرة ليلا، وتقول: «حفل الزفاف يكلف أهله كثيرا وهذا ما يرغمهم على تأخير موعد زفة العروس، وهذه ليلة العمر ليحتفلوا كما يشاءون».

وبينما يحتدم النقاش بين الجهات الأمنية وأصحاب الفرح وملاك القصور، يقف سكان جنوب وجنوب غربي السعودية متفرجين، باعتبار ان احتفالاتهم تنتهي بطبيعتها قبل ان تبدأ احتفالات تلك المناطق.

ففي مدن الجنوب السعودي تقضي العادات والأعراف بإقامة الزواجات بعد عصر يوم العرس وحتى الساعة التاسعة او العاشرة كحد أقصى، الأمر الذي تعارفت عليه القصور والقاعات وحتى الفنادق هناك.

يقول محمد عبد الله الزهراني، احد ملاك قاعة مخصصة للزواجات في منطقة الباحة: «إن الزواجات هنا تبدأ في الساعة الرابعة عصرا بوصول أهل العريس واستقبال أهل العروس في الساعة الخامسة الى السادسة، ومن ثم يكون العشاء في الغالب بعد العشاء ويستمر الحفل حتى الساعة التاسعة او العاشرة بأقصى حد».

لكن الزهراني يستثني حالة واحدة بقوله: «أما في حالة وجود احتفال عرضة في قسم الرجال، فإن الزواج يستمر كأقصى حد حتى الـ12 مساء، وهذا نادرا ما يحدث وأحيانا تمر أشهر من دون أن يحدث ذلك».

ويبدو ان مدينة الطائف وهي الفاصل بين الجنوب والجنوب الغربي ونقطة الانطلاق الى الوسط، اتخذت مكانا وسطا في موضوع توقيت الزواجات، فزواجاتها تبدأ بعد المغرب وأحيانا بعد العشاء، لكنها تلتزم بشكل كبير بتوقيت الإغلاق، حيث تعتبر الساعة الثانية وقتا نهائيا لا يقبل الجدل في إغلاق تلك القاعات والقصور وبشكل ذاتي من دون طلب من أي جهة رسمية من الجهات المسؤولة وذات العلاقة هناك.

يقول فهد الحياني، وهو احد سكان الطائف: «إن طبيعة الاحتفالات في مدينة الطائف وسطية، فهي دمجت بين العادات القبلية وادخل عليها الكثير من المدنية، فبينما كانت تنتهي في السابق بعد العشاء، أصبحت تستمر حتى منتصف الليل أحيانا، لكن نادرا ما تتجاوز ذلك».

ويضيف: «أن الاهالي هنا في الطائف يحرصون على ترتيب أوراقهم مبكرا وإنهاء الزواجات بشكل مبكر، نظرا لطبيعة المنطقة العملية والعسكرية، فالموظفون ينطلقون الى أعمالهم مبكرا خاصة الذين لا يأخذون إجازات في تلك الفترة».

يشار الى ان جهات حكومية حددت منذ العام الماضي وقت إغلاق قصور الأفراح والقاعات خلال موسم الصيف الذي يشهد في السعودية عددا كبيرا من الزواجات، وذلك على اثر مطالب وشكاوى متعددة شهدتها المناطق تنوعت بين الإزعاج والقضايا الأمنية.