السعودية تتجه لإعداد شروط لإقراض المرأة.. وإصدار قانون خاص بـ«الأحداث»

«الشرق الأوسط» تنفرد بنشر توصيات لجنة حكومية شكلها ولي العهد للنظر في دراسة حقوق الإنسان حول انسجام الأنظمة مع الاتفاقيات الدولية

من المنتظر أن تشرع السعودية لإعداد شروط وضوابط لإقراض المرأة من صندوق التنمية العقاري («الشرق الأوسط»)
TT

تتجه السعودية إلى تعديل بعض الأنظمة واللوائح التي لا تتماشى مع مواثيق حقوق الإنسان الدولية، وذلك بعد أن اتفقت وجهات نظر ممثلين عن 8 جهات حكومية وحقوقية، كانوا يعملون في إطار لجنة شكلت بأمر من ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز، مع بعض ما ذهبت إليه دراسة كانت أعدتها الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في هذا الإطار.

وخلصت الروزنامة التي توصلت إليها اللجنة الحكومية التي عملت تحت مظلة هيئة الخبراء (الذراع التشريعية) بمجلس الوزراء السعودي، واطلعت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، للتوصية بتعديل مجموعة من المواد الواردة في أنظمة الدولة، وتفعيل بعض ما صدر سابقا من جهات عليا، وإصدار بعض الأنظمة الجديدة.

وكان لافتا، أن تلك اللجنة، والمشكلة من وزارات (الداخلية، الخارجية، العدل، العمل، الشؤون الاجتماعية)، إضافة لممثلين عن هيئة حقوق الإنسان الحكومية، واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، واللجنة الوطنية للطفولة، انتصرت للمرأة بشكل كبير، حيث أن كثيرا مما ذهبت إليه هذه اللجنة، يذهب لصالح إلغاء إجراءات كان ينطوي عليها تمييز بينها وبين الرجل. وأوصت اللجنة الحكومية، بمناسبة أن تقوم وزارة الداخلية السعودية، بالنظر في تعديل المادتين الخامسة والثامنة، والفقرة (1) من المادة (9) من اللائحة التنفيذية لنظام وثائق السفر، وهي المواد التي تجعل «الأبناء القصر والمرأة بالمنزلة القانونية نفسها من ضرورة الولاية على كل منهما»، وهو الأمر المخالف لحكم المادة الـ15 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

وتطابقت وجهات نظر اللجنة الحكومية مع رؤية الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، بضرورة تعديل المادة 67 من نظام الأحوال المدنية، والتي قيدت حصول المرأة على بطاقة الأحوال بموافقة ولي أمرها، وهو ما يعد مخالفا لأحكام الاتفاقيات الدولية.

وتنص المادة الأصلية على أنه «يجب على كل من أكمل الخامسة عشرة من عمره من المواطنين السعوديين الذكور مراجعة إحدى دوائر الأحوال المدنية للحصول على بطاقة شخصية خاصة به ويكون الحصول على البطاقة اختياريا للنساء ولمن تقع أعمارهن بين الـ10 و15 سنة، بعد موافقة ولي الأمر». ورأى أعضاء اللجنة، أن من المناسب أن ينظر في تعديل المادة 67، بحيث يكون نصها واضحا في عدم تقيد حق المرأة بالحصول على بطاقة الهوية الوطنية بموافقة ولي الأمر، في وقت أشار فيه مندوب وزارة الداخلية المشارك في تلك الاجتماعات، إلى أن ما يجري العمل عليه في هذا الوقت هو عدم اشتراط موافقة ولي أمر المرأة لحصولها على بطاقة الأحوال.

وأوصت اللجنة الحكومية العاملة في هيئة الخبراء، بأهمية وضع ضوابط لتنفيذ القرار الوزاري الذي أعطى وزير المالية حق إجازة حالات الإقراض من النساء من صندوق التنمية العقاري، إذا تبين أن ظروف المرأة تجعلها هي المسؤولة فعلا عن عائلتها.

وفيما أشارت دراسة الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، إلى مخالفة المادة 13 من نظام صندوق التنمية العقاري، وهي التي قالت انها تحقق التمييز بين الرجل والمرأة، وتصطدم بالاتفاقية الدولية، وجد المجتمعون أنه من المناسب «وضع ضوابط لتنفيذ ما ورد في القرار الخاص بإقراض النساء، بحيث يتم من خلالها توضيح الحالات المشمولة به وذلك بتحديد المعايير والاشتراطات اللازم تحققها بالنسبة للمرأة لإثبات مسؤوليتها عن عائلتها، وبالتالي استحقاقها للإقراض.

وفي الوقت الذي سجلت فيه الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، اعتراضا على نظام التقاعد المدني، والذي قالت أنه ينطوي على تمييز في ما يتعلق باستحقاق معاش التعاقد من ورثة السعودية المتزوجة من أجنبي، أكدت اللجنة أنه ليس ثمة ما يمنع نظاما من استحقاق الزوج الأجنبي وأولاده لمعاش زوجته السعودية.

واستندت اللجنة في إبداء هذا الرأي إلى المادة 25 من نظام التقاعد المدني، والتي نصت على أن «المستحقين من صاحب المعاش هم: الزوج أو الزوجة، والأم أو الأب، والابن والبنت، وابن وبنت الابن الذي توفي بحياة صاحب المعاش، والأخ والأخت والجد والجدة». وأضافت في السياق نفسه «أن المادة 38 قد حددت الأحوال التي تكون سببا في حرمان صاحب المعاش أو المستحق من المعاش، ومنها التجنس بغير الجنسية السعودية، ذاهبة إلى أن هذا الحكم لا ينطبق إلا بحق صاحب المعاش أو المستحق له إن كان سعوديا ثم تجنس بجنسية أخرى.

وعادت دراسة الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، لتؤكد على أن المادة 67 من نظام الأحوال المدنية، ينطوي على تفرقة بين الذكر والإنثى، ويخالف ما ورد في اتفاقيات حقوق الطفل، وبالأخص الفقرة 1 من المادة 8 التي نصت «حق الطفل في الحفاظ على هويته، بما في ذلك جنسيته واسمه وصلاته العائلية على النحو الذي يعتبره القانون، وذلك دون تدخل غير شرعي».

لكن المجتمعين أشاروا إلى أنه لا تفرقة أو تمييز في تلك المادة يخالف أحكام الاتفاقية، معتبرين أن موافقة ولي الأمر واجبة لكي يحصل الطفل الذكر أو الأنثى على حد سواء على بطاقة الأحوال.

ورأت جمعية حقوق الإنسان الوطنية من خلال دراستها أهمية تعديل مشروع نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية على نحو يسمح لتقليل سن أعضائها ومؤسسيها بما يكفل تفعيل إحدى فقرات اتفاقية حقوق الطفل الدولية والتي نصت على أن «تعترف الدول الأطراف بحقوق الطفل في حرية تكوين الجمعيات وفي حرية الاجتماع السلمي».

غير أن اللجنة الحكومية، أفادت في تقريرها النهائي «أن نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية الذي يدرس حاليا في هيئة الخبراء، لم يشترط سنا معينة في ما يتعلق بعضوية الجمعيات، وإنما اختصر اشتراط كمال الأهلية، على الأعضاء المؤسسين للجمعية فقط». وكشفت عن وجود اقتراح يدرس إنشاء مجلس شورى لأطفال المملكة، قالت أنه «سيكون محققا لبعض الجوانب المشمولة في هذه المادة».

وفي سياق تعليق اللجنة على ما أشارت إليه الدراسة الحقوقية من ضرورة شمول التدابير الوقائية على إجراءات فعالة لوضع برامج اجتماعية، وضرورة تقنين الأفعال التي تشكل جرائم ضد الأطفال، أوضحت «أن هناك مشروع نظام يدرس في هيئة الخبراء، يتعلق بحماية الأطفال، وقد تضمن طائفة من الأحكام المتعلقة بحقوقه، وكذلك حدد بعض الأفعال التي يشكل ارتكابها انتهاكا لتلك الحقوق، ويستمد المشروع جملة أحكامه من نصوص اتفاقية حقوق الطفل».

وتطالب الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، بإيجاد نظام جزائي متكامل خاص بالأحداث، سواء في ما يتعلق بالعقوبات أو الإجراءات، في ظل وجود نص في الاتفاقية الدولية الخاصة بالطفل يقضي بـ«عدم فرض عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة بسبب جرائم يرتكبها أشخاص تقل أعمارهم عن 18 عاما، دون وجود إمكانية للإفراج عنهم».

ودعمت اللجنة الحكومية، توجه الجمعية الحقوقية، معتبرة أن إصدار نظام خاص للأحداث «سيشكل إضافة إيجابية لما تقوم به المملكة في هذا الصدد»، فيما أشارت إلى أن لائحة دور الملاحظة الاجتماعية الصادرة قبل 34 عاما، تضمنت في مادتيها الأولى والعاشرة، أحكاما تتعلق بالإجراءات الجزائية التي تتخذ بحق الأحداث بما يتفق مع أوضاعهم.

وأفادت أن هناك مشروع نظام حماية للأطفال يدرس حاليا في هيئة الخبراء سيتضمن أحكاما تتعلق بهذه الحقوق.

ولاعتبارات تتعلق بالفقرة الأولى من المادة 31 من اتفاقية حقوق الطفل، والتي نصت على أن «تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في الراحة ووقت الفراغ ومزاولة الألعاب وأنشطة الاستجمام المناسبة لسنه، والمشاركة بحرية في الحياة الثقافية وفي الفنون»، رأت الدراسة الحقوقية أن اختصار ممارسة أنشطة الاستجمام ومزاولة الألعاب بحرية على الأطفال الذكور دون الإناث، يخالف مضمون المادة.

إلا أن ممثلي اللجنة الحكومية ومندوبي هيئة الخبراء، أكدوا أنه «من حيث الأصل فإنه ليس هناك من الناحية النظامية، ما يقصر ممارسة أنشطة الاستجمام مزاولة الألعاب على الأطفال الذكور».

وأضافوا «أما إذا كان المقصود هو ممارسة الأنشطة ومزاولة الألعاب من خلال المراكز والأندية المعتمدة، فإنه قد سبق أن صدرت الموافقة على وجود مراكز أو أندية رياضية وثقافية للمرأة والفتاة السعودية لتنمية مواهبها الرياضية والثقافية وفق ضوابط شرعية واجتماعية، بحيث تخضع هذه الأندية والمراكز بإشراف الرئاسة العامة لرعاية الشباب، ويكون جميع من يعمل في التدريب من العنصر النسائي، مع التأكيد على أن تكون هذه النشاطات وفق ضوابط شرعية وأمنية، بما يتفق وخصوصية المرأة السعودية وعادات المجتمع السعودي وتقاليده».

وتحدثت الدراسة التي أعدتها الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في السعودية، وأخضعت للمناقشة في هيئة الخبراء، عن عدم وجود نص نظامي، أو لائحي، أو نص في معاهدة لتسليم المجرمين تكون المملكة طرفا فيها، «يعد جرائم التعذيب المنصوص عليها في المادة 4 من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضرب العمالة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة ، جرائم قابلة لتسليم مرتكبيها مثل الجرائم الإرهابية أو المنظمة».

لكن اللجنة الحكومية، رأت أن المادة الـ8 من الاتفاقية نفسها، والتي تعتبر الجرائم المشار إليها «جرائم قابلة لتسليم مرتكبيها، في أي معاهدة لتسليم المجرمين، تكون قائمة بين الدول الأطراف، وتتعهد الدول الأطراف بإدراج هذه الجرائم كجرائم قابلة لتسليم مرتكبيها في كل معاهدة تسليم تبرم بينها»، رأت أن هذه المادة كافية ولا حاجة إلى إضافة أي نص.

وفي حين أشارت الدراسة الحقوقية إلى عدم وجود نصوص صريحة في الأنظمة السعودية تجرم التعذيب وتعاقب عليه، أكدت اللجنة أن أعمال التعذيب مجرمة بموجب أحكام الشريعة الإسلامية، بالإضافة إلى وجود نصوص نظامية صريحة تجرم التعذيب وبخاصة في الأحكام الواردة في مرسوم ملكي صدر منذ أكثر من 51 عاما، والذي نص على «عقوبات تصل إلى السجن مدة 10 سنوات لكل موظف ثبت ارتكابه لإساءة معاملة أو إكراه باسم الوظيفة كالتعذيب أو القسوة ويدخل ضمن ذلك التنكيل، كما نص على حق من أصابه ضرر بالتعويض المناسب». وأشار المجتمعون إلى أن مشروع نظام مكافحة الاعتداء على المال العام وإساءة استعمال السلطة والذي تجري دراسته حاليا في هيئة الخبراء، قد تضمن أحكاما تنص صراحة على معاقبة كل موظف يستعمل أثناء تأديته وظيفته الإيذاء أو التعذيب.

وعارضت اللجنة الحكومية، مقترج جمعية حقوق الإنسان، بإضافة مادة على نظام العمل والعمال تنص على «ومع عدم الإخلال بالمادة 149 يمنع التمييز بين الرجل والمرأة بالعمل أو بالأجر أو بالمساس في حقوقها»، حيث رأت اللجنة أن «النظام لم يفرق في أحكامه بين الرجل والمرأة في الحقوق بما في ذلك الأجر، بل ان النظام قد ميز المرأة ببعض الأحكام الإيجابية التي تراعي وضعها وتعطيها بعض الامتيازات التي ترتبط بأوضاعها الخاصة كفترات الحمل والولادة والرضاعة»، على حد تعبيرها.

وفي ما يتعلق بمقترح الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، بإصدار نظام خاص للانتخابات، تحدد فيه شروط الترشيح والانتخاب، على نحو لا يميز فيه بين الرجل والمرأة، رأت اللجنة الحكومية أن «تجربة الانتخابات لا تزال حديثة في المملكة، سواء انتخابات المجالس البلدية، أو الاتحادات الرياضية، أو غيرها. وأنه من غير المناسب في هذه المرحلة إصدار نظام خاص بالانتخابات، ويكتفى بما تصدره الجهات المعنية من قواعد لتلك العملية».

وفي حين ترى الدراسة أن هناك نصا دوليا يفرض التزاما محددا على عاتق الدولة، يتمثل في ضرورة دمج مبدأ المساواة في الحقوق القابلة لذلك بين الرجل والمرأة في نظامها القانوني، أكدت اللجنة الحكومية أن الأصل في الأحكام الواردة في أنظمة المملكة أنها تشمل الجنسين، ما لم يتضمن النص خلاف ذلك، أو يكون ما تضمنه النص من أحكام خاصة بطبيعته بأحد الجنسين.

وتؤكد الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، على ضرورة التعميم للجهات القضائية المختلفة، بتيسير سبل التقاضي للمرأة للحد مما أسمتها «الممارسات القضائية التي تصطدم باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة».

وأمام ذلك، أكد مندوبو هيئة الخبراء من جهتهم، «أن هناك معاملة مستقلة تدرس حاليا في الهيئة بمشاركة الجهات المعنية في شأن دراسة العوائق التي تواجهها المرأة في وصولها إلى القضاء برفع دعواها، والتوصية حيالها».

وفي تقويم اللجنة الحكومية التي شكلت بأمر من ولي العهد السعودي العام الماضي، وأنهت أعمالها هذا العام، للدراسة الحقوقية التي أعدتها الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، خلصت إلى أنها «جيدة في مجملها، بحيث تضمنت استعراضا شاملا لأحكام اتفاقيات حقوق الإنسان التي انضمت إليها المملكة، وما يقابلها من أحكام الأنظمة ومدى انسجامها مع أحكام تلك الاتفاقيات».

وخلص أعضاء اللجنة الحكومية، «إلى انسجام الأنظمة السعودية في مجملها مع اتفاقيات حقوق الإنسان الرئيسة، وأن الدراسة تتضمن اقتراحات بإيجاد نصوص خاصة وصريحة لبعض الحقوق». ورأوا في ختام اجتماعاتهم، أنه من المناسب أن تستفيد من هذه الدراسة الجهات المعنية وبعض اللجان، عند مراجعة ما لديها من أنظمة أو لوائح، مع ملاحظة أن الدراسة لم تقتصر على الأنظمة وإنما تطرقت إلى أحكام وردت في لوائح وتعليمات بالإضافة إلى بعض الممارسات التطبيقية. وأوصت اللجنة الحكومية بإحالة نسخة من هذه الدراسة والمحضر الذي خلصت إليه لهيئة حقوق الإنسان، لاتخاذ ما تراه مناسبا حيال الاقتراحات الواردة في الدراسة والمرئيات الموضحة بشأنها، حيث أن الفقرة 2 من المادة 5 من تنظيم هيئة حقوق الإنسان، تنص على أن «لمجلس الهيئة إبداء الرأي في مشروعات الأنظمة المتعلقة بحقوق الإنسان ومراجعة الأنظمة القائمة واقتراح تعديلها وفقا للإجراءات النظامية».