باحثون سعوديون يربطون بين التهور في القيادة وتعلم القيادة في وقت مبكر

رئيس مركز القيادة والتحكم المروري: عدم الوعي هو السبب وراء التصرفات المرورية الخاطئة

الفوضى المرورية يستطيع الكثير ملاحظتها خلال وقوف أو سير المركبات في الطرقات («الشرق الأوسط»)
TT

أرجع باحثون سعوديون أسباب تهور القيادة في السعودية، إلى التعلم في وقت مبكر من العمر، حيث تتكون لدى الشاب هواياته الخاصة بين سن العاشرة والعشرين، وحين يتعلم الشاب قيادة السيارة في هذه المرحلة فإنه يتكون لديه ميول نحوها وتصبح هواية يمارسها بحد ذاتها ويتجاوز كل الحدود أثناء قياده السيارة ويصل الأمر الى الاحترافية فيها، مما يفقد مجتمع الشباب ثقافة قيادة المركبات، التي لا تتعدى أن تكون المركبة سوى مجرد وسيلة للتنقل وأداء أعمال معينة.

ويرى آخرون أن طريقة القيادة الحديثة، خصوصاً في المدن السعودية الكبرى، أملتها الحاجة إلى اختصار الوقت وتفادي الازدحام الذي ظل مشاهداً في جميع الأوقات، الذي يعيق الكثيرين عن تأدية أشغالهم اليومية، بالإضافة إلى أن هنالك من لا يتقيد بأنظمة المرور مخلفاً وراءه رغبة لكل من يرى تصرفاته بأن يمضي فيما مضى ليستطيع الوصول في أقصر مدة من دون أن يكترث بالآخرين، إذ أصبحت المسألة كالعدوى التي تنتقل من سائق لآخر حتى بات ذلك طبيعياً لدى الكثيرين ومشاهداً في الشوارع داخل الأحياء. وقد وجد في مسح قام به باحث سعودي من جامعة الملك سعود، لجميع مناطق السعودية، أن 47 في المائة من الشباب الذين يقودون السيارات تعلموا قيادة السيارة مابين سن 14 و 17 سنة، وأن 30 في المائة منهم تعلموا القيادة من سن 18 إلى 22 سنة، أما 6 في المائة منهم فقد تعلموا قيادة السيارة تحت سن 14 سنة، و17 في المائة تعلموا القيادة بعد سن 22 سنة، وهذا يوضح أن معظمهم يمارس القيادة كهواية تكونت لديه ولا يمارسها كوسيلة لأداء عمل.

وعلى الرغم من المخاطر التي تحدق بنظام السير في السعودية، بكل صورها وأشكالها وتداعياتها، إلا أن الوعي المروري عند الناس يظل محدوداً، وجهود رجال المرور تظل قاصرة أمام تلك الممارسات، حيث تشهد شوارع الرياض على سبيل المثال سيارات تزاحم من اليمين أو تسقط من الشمال أو تتجاوز بشكل غير عقلاني أو تقتحم بشكل مفاجئ من كتف الطريق، ناهيك عن استخدام الضوء العالي الذي يسبب بدوره إزعاجاً للغير، والتسابق للوصول إلى دوار فيه مركبات أخرى لها الأحقية في المرور، ولعل أكبر شاهد على ذلك هو طريق الشيخ جابر شرق الرياض، الذي لا تنقطع فيه رؤية مثل تلك المشاهد.

وحول أخلاقيات القيادة في السعودية أوضح الرائد إبراهيم أبو شرارة، رئيس مركز القيادة والتحكم المروري بمنطقة الرياض، أن عدم الوعي هو السبب الرئيسي وراء تلك التصرفات المرورية الخاطئة، بالإضافة إلى أن البنية التعليمية التحتية في المدارس أهملت هذا الجانب المهم، لافتاً إلى أن الكثير من الأهالي يشجعون ابناءهم على القيادة في سن مبكرة، مما يوجد خللاً في مفهوم القيادة لدى أولئك الأحداث، حيث يتحول بهم الحال إلى اعتبار القيادة هواية وليس وسيلة.

وقال أبو شرارة لـ«الشرق الأوسط»: أن هنالك توازناً عددياً بين فئتين تعدان أكثر ارتكاباً للمخالفات المرورية، وهم الأجانب والأحداث الذين تتفاوت أعمارهم بين 14 إلى 20 سنة، حيث يشكلون أغلبية من يقوم بالممارسات المرورية الخطرة. وأشار الرائد إلى أن أكثر الممارسات الخاطئة عند الدوارات التي تشهد الكثير من الزحام، هي عدم إعطاء الأفضلية لمن بالدوار إضافة إلى القيام بعكس الدوار، إذ تعد هاتان المخالفتان أساسيتين وأكثر ارتكاباً، مضيفاً أن تفاوت سرعات المركبات داخل الطريق الواحد يسبب كثيراً من الحوادث، حيث ان لا أحد يلتزم بالسرعات المحددة داخل الطريق، وبالمثل من يسيرون بالتوازي في جميع مسارات الطريق بسرعة عالية مهملين بذلك مفاجأة الطريق، أو من يقومون بتجاوز السيارات الأخرى بطرق أشبه ما تكون بالجنونية، إضافة للانحرافات المفاجئة التي جرت الكثير من الحوادث.

وأبان رئيس مركز القيادة والتحكم المروري بالرياض، أن رجال المرور يقومون بتطبيق العقوبات اللازمة لمرتكبي مثل تلك المخالفات، إلا أنه وصف اتساع رقعة مدينة الرياض، بأحد العوائق التي تحول دون متابعة جميع ما يحدث من مخالفات، مضيفاً أن التقنية الحديثة التي تعتزم إدارة المرور تطبيقها ستحد من ارتكاب كثير من تلك المخالفات وضبطها. وطالب أبو شرارة بتطبيق مفهوم «القيادة فن وذوق»، باعتبار أن رسالة السلامة المرورية تعتمد على ثلاثة محاور رئيسية تعمل جنباً إلى جنب، وهي الإعلام والتعليم والأمن، معلقاً أمله على النظام المروري الجديد، ومدى تطبيقه للحفاظ على السلامة والأمن المروريين، إضافة إلى زيادة الوعي بالأساليب الصحيحة للقيادة وإدراجها كمناهج تعليمية في المدارس. وعن تلك الممارسات، يقول سالم الأسمري، الذي يعمل سائق أجرة، ان قوانين القيادة في السعودية تطرح الكثير من التساؤلات، إذ انه يقود سيارته كما هو الحال عند الكثيرين، دون أن يعلم بأن هنالك ضوابط تحدد طرق القيادة وتجاوز المركبات ومقدار السرعات المحددة في الشوارع الفرعية وعند الدوارات، حيث وصف تلك القوانين بالغائبة كلياً عن ذهن أغلب قائدي المركبات، مضيفاً أن الكثيرين من زملائه، وقائدي مركبات أخرى لا يلتزمون باللوحات المرورية الإرشادية، والسبب في ذلك أنه لا يوجد رادع حازم في هذا الجانب.

من جانبها تعتقد سيدة كندية، زارت السعودية أخيراً، أن أسلوب قيادة السيارة في السعودية يقودها للتعرف على سلوكيات وطبيعة شخصيات قائديها، معتبرة أن أخلاقيات قيادة السيارات تعكس السلوك الاجتماعي خاصة.

وأرجعت الممارسات الخاطئة عند القيادة في السعودية لأنانية الكثير من قائدي تلك المركبات في الدرجة الأولى، حيث لا يهتمون بمن معهم داخل الطرق، حتى أصبح كل منهم يظن أن الطريق له وحده.

ووصفت ميراندا بينالبا، قيادة المركبات في السعودية بأنها الأخطر عالمياً، معربة عن اندهاشها من أساليب قيادة السيارات، خصوصاً في مدينة الرياض، إذ تقول:«كل مرة نخرج فيها من المنزل نواجه عالماً من السيارات التي تحف سيارتنا من اليمين ومن الشمال في صراع مع الإشارات والزمن والطريق وبقية السيارات وكأن الجميع في حالة سباق مع الحياة أو الموت، مما يجعلني أعيش حالة خوف ورعب حتى العودة للمنزل». وكانت الإدارة العامة للمرور قد اعتمدت اللائحة التنفيذية لنظام المرور الجديد، وبدأ تطبيقها مطلع الشهر الجاري، ومن أبرز المستجدات فيها اعتماد النقاط لسحب الرخصة، وتمديد مدة الرخصة لعشر سنوات، ووضع مخالفات لرمي النفايات من السيارات، والسماح بقيام جمعيات أهلية للحد من الحوادث المرورية والتوعية، وتشكيل مجلس أعلى للمرور برئاسة وزير الداخلية وعضوية عدد من الجهات ذات العلاقة بالمرور، وتحديد مدة شهر قبل إلزام المخالف بدفع الحد الأعلى لقيمة المخالفة وتوضيح إجراءات الفصل في المنازعات المروية التي أسندت للمحاكم المرورية المتخصصة التي ستنشأ في إطار مشروع تطوير القضاء.

كما تضمن النظام الجديد قيام الهيئات المختصة بالنظر في المخالفات المرورية لحين الانتهاء من تشكيل هذه المحاكم التي لها الحق في إلغاء العقوبة التي أقرها رجل المرور أو تغليظها أو النظر في عقوبات جديدة، وسيحد التطبيق الحازم للنظام من مخالفات بعض الفئات التي تعرض المواطنين للخطر، مثل سائقي الشاحنات والحافلات العامة أو قائدي سيارات الأجرة الذين يجوبون الشوارع بشكل يومي ودائم.